لجان دولية ومحلية لتقصي الحقائق في الفلوجة، سيناريو متكرر، من المدان بالوثائق؟
يقترب الجيش العراقي والحشد الشعبي من اعلان التحرير النهائي لمدينة الفلوجة، والوجهة القادمة نحو تحرير نينوى والتي تعتبر مقدمة لتحرير منطقة القيارة التي قد تتحول نقطة تجمع للجيش العراقي لإطلاق معركة تحرير الموصل، في هذه الأجواء كثر الحديث اعلامياً وسياسياً داخلياً وخارجياً عن انتهاكات لحقوق الانسان في الفلوجة، جل هذا الحديث يرتكز حول الفترة التي كانت جماعات داعش الارهابية مسيطرة على المدينة، ومع بدء عملية التحرير عمدت الجماعات الى رفع وتيرة انتهاكانتها بحق المواطنين في المدينة وهو ما سنتطرق الى بعض معطياته.
لجان دولية ومحلية لتقصي الحقائق
في المقابل تعتمد الجهات الدولية والاقليمية الداعمة لهذه الجماعات على التركيز على ان الجيش العراقي والحشد الشعبي هو من يقف وراء هذه الانتهاكات، هذا دفع نحو خيار تشكيل لجان تقصي الحقائق دولية ومحلية للوقوف على وقائع الامور، فقد امر رئيس الوزراء “حيدر العبادي” بتشكيل لجنة للتحقيق في أية مزاعم تتعلق بالانتهاكات لتحديد الجهة المسؤولة، مضافاً الى تشكيل لجنة اوروبية من اعضاء تابعة لمنظمات إنسانية وحقوقية ألمانية وسويدية ونرويجية وصلت حديثاً إلى بغداد، قادمين من إسطنبول في طريقهم إلى ناحية عامرية الفلوجة للوقوف على حقيقة ما يجري، تجدر الإشارة الى ان المنظمات الإنسانية الدولية تعمل في ضواحي الفلوجة، وتحاول تقديم المساعدات اللازمة للذين يتمكنون من مغادرة المدينة.
فما هي المعطيات الاولية التي توصلت اليها اللجان؟ وبالتالي الجهة التي تقف وراء -وفق هذه المعطيات- هذه الانتهاكات، وعن الدوافع والأسباب التي تدفع بالمحور المعادي للضغط اعلامياً نحو تشويه سمعة الحشد الشعبي والجيش العراقي؟
اتهامات بإنتهاك حقوق الانسان، سيناريو متكرر، وما قبل الفلوجة
في الحديث عن انتهاكات حقوق الانسان سنسلط الضوء على المعطيات الاولي التي تشير الى وقوف داعش وراء الإنتهاكات بحق المدنيين في الفلوجة، لكن قبل الخوض في المعطيات، تجدر الإشارة الى ان الحديث عن انتهاكات داعش لا يقتصر خلال عمليات الإشتباك مع الجيش العراقي والأهالي في الفلوجة او غيرها من المدن فقط، بل ان اصل وجود هذه الجماعة ودخولها العراق واحتلالها بعض الأراضي منه هو بحد ذاته انتهاك للقيم وحقوق الإنسان.
تجدر الاشارة ايضاً الى ان تشويه صورة الحشد الشعبي والجيش العراقي في الفلوجة ليس بالجديد، ففي كل معركة يحرزون فيها الانتصار كما في جرف النصر وتكريت كمثالاً، تخرج الأصوات التي تتحدث عن انتهاكات لحقوق الإنسان يقوم بها الجيش العراقي والحشد الشعبي بحق المدنيين، لكن الجديد في معركة تحرير الفلوجة كان في الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان قبل بدء معركة التحرير، هذا ما يطرح علامة الإستفهام حول الاهداف من حملة التشويه هذه والتي لا تستند الى اي وقائع وحقائق.
في مقابل وجود أدلة كثيرة على انتهاكات داعش لحقوق الإنسان والتي ستناول بعضاً منها في حديثنا، ولعل اعترافات بعض عناصر جماعات داعش الإجرامية اللذين وقعوا بيد الجيش العراقي في اللحظات الاولى لبدء عملية التحرير تكشف عن بعض الأهداف لحملة التشويه، اعترافات العناصر تقول انهم تلقوا الاوامر بإرتداء الزي العسكري للحشد الشعبي والجيش العراقي والقيام بأعمال حرق وقتل وتدمير ونهب واعتداءات بحق المدنيين.
انتهاكات داعش بالوثائق الأولية
في خصوص انتهاكات داعش في معركة الفلوجة، تشير تقارير دولية إلى أن داعش أقدم على قتل مدنيين حاولوا الفرار من الفلوجة، وقال المجلس النرويجي للاجئين الأحد إنه وثّق إطلاق النار من قبل داعش على مدنيين كانوا يحاولون عبور نهر الفرات هرباً من القتال. وتتهم الأمم المتحدة داعش باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في المعركة.
خلال عملية التحرير عثرت القوات العراقية على مقبرة جماعية تضم مئات الجثث في ناحية الصقلاوية التي تمت استعادتها نهاية الأسبوع الماضي. وأفادت مصادر عسكرية بأن المقبرة تضم رفات نحو 400 من العسكريين والمدنيين. كما وأعلنت مفوضية حقوق الإنسان عن أن الانتهاكات التي ارتكبتها جماعة داعش الاجرامية في المدينة ترتقي لأن تكون جرائم إبادة جماعية.
هذا وتتحدث التقارير الدولية عن ان داعش يجبر المدنيين على التبرع بالدم لجرحاهم بكميات غير محدودة، ما يتسبب في وفاة بعض المتبرعين. كما أن المسلحين يعطون المواد الغذائية فقط للذين يعلنون عن استعدادهم للقتال إلى جانبهم ضد الجيش العراقي والحشد الشعبي، أما الأطفال، فيجبرونهم على القتال إلى جانبهم، وفي غالب الأحيان يجلسونهم خلف مقاود السيارات المفخخة ويفجرونها بهم عند المواقع المطلوبة. هذا ويحاول الكثيرون مغادرة المدينة عبر نهر الفرات، ولكن مسلحي “داعش” يطلقون عليهم النار، ويقتلونهم. كما أن المسلحين يقتلون كل من يجرؤ على انتقاد أعمال التنظيم.
الاهداف الكامنة وراء تشويه سمعة الجيش العراقي والحشد الشعبي
اولاً: انتصارات الحشد الشعبي والجيش العراقي في تحرير المدن العراقية اصبحت حديث الشارع العراقي، فهذا النموذج من حماية الأرض وتحريرها اصبح الخيار الشعبي والرسمي الذي يحتذى به، فيما المحور المعادي للشعب العراقي وعلى رأسه امريكا -الداعم الأول والأكبر لهذه الجماعات الاجرامية بما فيها داعش- لا يريد لهذا النموذج ان يستمر ويرتسخ في اذهان الشعوب، فكل ما نراه من مؤامرات تحاك ضد منطقتنا، سواء بأيدي الكيان الاسرائيلي او الجماعات الاجرامية او بعض الأنظمة العربية العائلية الحاكمة، هي بهدف ضرب الإرادة الشعبية، وعليه فإن مساعي تشوية سمعة الحشد الشعبي هي بالدرجة الأولى لإسقاط هذا الخيار في حماية الارض من عقول وآذهان شعوب منطقتنا.
ثانياً: الانتصارات المتسارعة التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي في الفلوجة وتوجهه نحو تحرير الموصل أقلقت الجانب المعادي، ولهذا تأتي هذه التهم كمعوق لتقدمهم في تحرير ما تبقى من خلال احداث بلبلة وتشنجات سياسية وشعبية وبالتالي انهاك الرأي العام بالحديث عن الانتهاكات. ولأن الطرف المعادي لم يكن ليتوقع تحقيق النصر على جماعات داعش الاجرامية بهذه الفترة الوجيزة، فهم يعتبرون ما حصل هزيمة، وبالتالي فإن ردة الفعل بمحاولة تشويه الحشد الشعبي تعتبر امر طبيعي، وهو ايضاً للتغطية على النصر الذي تحقق. خاصة وان ما عمل عليه لسنوات ارتكز على تصوير داعش بأنها جماعات خطيرة لا يمكن التصدي لها ومواجهتها.
ثالثاً: يعمل الطرف المعادي للشعب العراقي على تصوير ان المعارك الدائرة بين الجيش العراقي والحشد الشعبي من جهة وجماعة داعش من جهة اخرى هي معركة طائفية انقسامية بين الشعب العراقي، ولهذا فإن الترويج لأخبار كاذبة عن انتهاكات من قبل الجيش العراقي والحشد في المناطق التي يحررها تصب في خانة الهدف المذكور. فيما واقع الحال ان جماعات داعش الاجرامية التي دخلت العراق وسيطرت على جزء من اراضيه لا تمت للشعب العراقي بأي صلة.
المصدر / الوقت