التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

تركيا بين حرائق العرب وغضب العالم 

ماذا يريد الرئيس التركي؟ هل تغيّر رجب طيب أردوغان بعد 12عاماً في الرئاسة التي كان أول من وصل إليها في بلاده بالاقتراع العام وبمحبّة شعبه؟ أم أنّ الحرائق من حوله والذي يُتّهَم بأنه أذكاها عطّل الرؤية في السياسة الخارجية. ماذا بقي من الرجل الطيِّب، من عمدة إسطنبول الذي أنقذ أحياء فقيرة ورفع مستوى المُستضعفين وعزّز وجود المرأة المُحجّبة والسافرة أيضاً في البرلمان، وتبنّى يوماً ما سياسة صفر مشاكل؟

لنستعرض سريعاً الوضع التركيّ الحاليّ:

محلياً

1- اقالة أحمد داوود أوغلو وتعيين علي يلدريم رئيساً للحزب والحكومة.

2- يلدريم يريد أصدقاء أكثر وأعداء أقلّ، لكن ثمة من يقول إنّه جاء ليُسهِّل حصول أردوغان على نظامٍ رئاسيّ وصلاحياتٍ مُطلقة، وربما لإحلال الإسلام مكان العلمانية.

3- استئناف الاشتباكات الواسعة مع الكرد الأتراك، قلق كبير من تمدّد أكراد سوريا باتّجاه الحدود.

4- تفجيرات إرهابية تكرّرت في الأشهر الماضية.

اقليمياً

1- تنافُر مع العراق بسبب الاختراقات التُركية المُتكرّرة.

2- استمرار الحرب الضروس غير المُباشرة مع سوريا.

2- قطيعة مع مصر مقابل علاقات جيّدة مع السعودية، ومتقلّبة مع إيران.

4- علاقات ضبابية مع بعض التنظيمات المُسلّحة الموسومة بالإرهاب.

دولياً

1- باراك أوباما مُصاب بخيبة أمل من أردوغان وفق ما قال لمجلة أتلنتيك.

2- رئيس البرلمان الأوروبي يتّهم تركيا بالابتعاد بشكلٍ مُثير عن قيم أوروبا.

3- البرلمان الأوروبي يُطالب أنقرة بتعديل قوانين الإرهاب لرفع القيود عن التأشيرات لها.

4- البرلمان الألماني يتحدّى أردوغان بإقرار إبادة الأرمن.

5- روسيا علاقتها بتركيا تغلي تحت الرماد وقابلة للانفجار في أيّ وقت بعد إسقاط أنقرة طائرة روسية.

6- أردوغان فقد حصان الإخوان المسلمين الذي راهن عليه عربياً وإسلامياً منذ اندلاع أُولى شرارات ما سُميَ بالربيع العربي.

أمام كل ما تقدم والصورة الضبابية التي تواجهها تركيا يبقى السؤال المطروح حالياً، هل يستمرّ أردوغان في سياساته الراهنة أم يتغيّر؟ وما السرّ في وصول الأوضاع إلى هذه الدرجة من التنافر والسخط العالمي من أردوغان وسياسته المتهورة؟

تشهد تركيا منذ بدء الأزمة في سوريا تحوّلات كبيرة لم تواجهها أبداً من قبل في تاريخها، ومن ينظر الآن إلى المشهد العام في تركيا، داخلياً وخارجياً في علاقاتها الخارجيّة، ويقارنه مع ما كان عشيّة بدء الأزمة في سوريا لا يُمكن أن يُصدِّق أن تركيا قد انقلبت وتحوّلت من مشهد كان حينها إلى مشهد مُغايِر تماماً. ورث حزب العدالة والتنمية ليس فقط من العام 2011 بل من العام 2002 صفر أمن، صفر مُشكلات أمنية على الحدود مع سوريا ثمّ تلى ذلك ما سُمي بصفر مُشكلات.

لقد غابت تركيا تسعين عاماً عن المنطقة العربية بعد خروج آخر جندي عثماني عام 1918، ولكن عندما أرادت أن تدخل من جديد كطرف في الشأن الداخلي للمنطقة، عادت كما لو أنّه لم تمضِ هذه العقود التسعة، ولكن كان كلّ شيء قد تغيّر، الديموغرافيا تغيّرت، المفاهيم، الخرائِط، التوازنات، وبالتالي أرادت أن تعود إلى منطقة لم تعُد تعرِفها بخلاف ما كان يُظهره أحمد داوود أوغلو باعتباره المُفكِّر البنيوي المركزي لحزب العدالة والتنمية.

ولذلك عندما بدأت الأزمة في سوريا لم يكن أحد يتوقّع أن تنتهي في هذه اللحظة إلى النتائِج التي هي عليه الآن، فكيف يُمكن أن يكون الأمر بعد سنة أو سنتين إذا استمرّت الأزمة؟ وبالتالي كان هذا الانفجار في الداخل مع الأكراد مزمناً لكنه كان قد اتّخذ طابعاً ومنحىً أخطر بكثير من قبل، وكان أيضاً هذا الانفجار في العلاقات مع الخارِج، مع سوريا، مع إيران، مع روسيا وما إلى ذلك.

من سمع كلام الرئيس السوري الأخير عن حلب وأردوغان، يشعر هذه المرّة في كلام الرئيس بشار الأسد شبه يقين بأنّ دور أردوغان في سوريا شارف على الانتهاء، بمعنى أنّ تركيز الرئيس الأسد في كلامه على أردوغان وعن حلب بالذات، كان يُدرِك تماماً أنّ حلب كان يُراهَن عليها تركياً في بداية الأحداث على أن تكون بنغازي سوريا وبالتالي يُنطلق منها للإطاحة بدمشق وبالنظام، وخلال أُسبوعين ثلاثة أو شهرين ثلاثة.

ها هي السنة الخامسة للأزمة السورية قد شارفت على الانتهاء ولم يتغير شيء، بل بقي الأسد في مكانه ونظامه والقوى التي معه وتمدّدوا وتوسّعوا، بينما تركيا بدأت من مجال جغرافي يمتدّ على كامل الحدود التركية مع سوريا وانتهت إلى أن ينحصر الاهتمام التُركي بتحقيق مكاسب أو الإبقاء على نفوذٍ ما في المئة كيلومتر بين جرابلس وأعزاز.

وهنا يجب ألاّ نزيل من ذاكرتنا أنّ حلب لم تأتِ من فراغ حينما يتمّ التركيز عليها. فهي أيضاً جزء من السياق الجديد للمشروع العثماني الأردوغاني لعودة العثمانية إلى المنطقة، وحلب دائماً كانت في العقل السياسي التركي منذ أيام أتاتورك.

دون شك، وصول السياسة التركية إلى هذه النقطة الحرجة على شكل مأزق مفتوح على الخيارات الخطرة، هو نتيجة سوء التقديرات الخاطئة للسياسة الخارجية التركية تجاه التطورات الدراماتيكية التي تحصل في العالم العربي عقب ما سمي بثورات الربيع العربي. هذه النتائج تحتم تسريع رئيس الوزراء التركي الجديد في تطبيق برنامج حكومته في فتح صفحات جديدة مع دول الجوار، وخاصة سوريا ومصر وروسيا والعراق لوقف حال التدهور التي تواجهها بلاده، او تخفيف حدتها على الاقل. ولكن يبقى السؤال هل سيسمح أردوغان بفتح هذه الصفحة؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق