لماذا قرر آل خليفة تجريد الشيخ عيسى قاسم من جنسيته؟
شكل قرار الحكم الخليفي ومن ورائه الحكم السعودي بسحب الجنسية من آية الله الشيخ عيسى قاسم، استفزازاً كبيراً للشارع البحريني، إذ يُعتبر هذا القرار على درجة كبيرة من التصعيد والاستفزاز خاصة وأنه يستهدف أكبر رمز ديني ووطني وأهم مرجعية دينية لأتباع أهل البيت عليهم السلام في البحرين.
ويأتي هذا السلوك العدواني من آل خليفة بعد العديد من الاجراءات التصعيدية الأخرى خلال الشهر الماضي، تمثلت بحل جمعية الوفاق، وتمديد فترة سجن رئيسها الشيخ علي سلمان من 4 إلى 9 سنوات، ووقف سفر الناشط السياسي عبد النبي العكري واعتقال الناشط الحقوقي نبيل رجب، واستهداف العديد من العلماء ودور العبادة خلال شهر رمضان المبارك.
إلا أن قرار تجريد الشيخ عيسى قاسم من جنسيته يشكل علامة فارقة على خارطة التطورات في البحرين ومنطقة الخليج بشكل عام.
ماذا يريد آل خليفة؟
نظام آل خليفة في البحرين الذي يواجه منذ خمس سنوات ثورة سلمية تطالب باصلاحات مشروعة، وتحقيق العدالة الانسانية، مازال يواصل اجراءاته القمعية بحق الشعب البحريني، ولا يتوانى عن ارتكاب المحرمات وانهاك حقوق الانسان في سبيل تحقيق هدفه.
فالنظام الخليفي يسعى من خلال سحب الجنسية من الشيخ عيسى قاسم إلى دفع الشعب البحريني للاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، وإنهاء الثورة السلمية بشتى السبل، وهو يريد من خلال هذه الخطوة العدوانية ايصال رسالة إلى الحراك البحريني مفادها أنه لا وجود لخطوط حمراء لديه، وأن سطوته لن تستثني حتى المرجعيات الدينية، وأن لا طريق للشعب البحريني سوى الاستسلام.
كما يريد الحكم الخليفي أن يظهر نفسه بمظهر الحكم القوي القادر على اتخاذ اجراءات صارمة بحق شخصية بوزن الشيخ عيسى قاسم مع ما يمثله من مكانة روحية ودينية وقيادية، إلا أن هذه الخطوة تدل في الواقع على حاكم مذعور، يخشى الكلمة الحرة، ويستقوي بقوات النظام السعودي للمضي في مشاريعه القمعية.
من ناحية أخرى يسعى نظام آل خليفة من خلال هذه الخطوة إلى عزل رموز وقيادات المجتمع البحريني، بهدف إضعافه وتدجينه وامتلاك السيطرة عليه. حيث أن الثورة البحرينية شكلت نموذجاً فريداً من حيث أنها تتمتع بقيادات وازنة للمجتمع المدني، على خلاف بعض “الثورات” في الدول الأخرى التي لم تمتلك هكذا قيادات ما جعلها عرضه لتحويل مسارها، وتسخيرها لخدمة اجندات دولية واقليمية هنا وهناك كانت السعودية والکيان الاسرائيلي على رأس المستفيدين منها.
كما جاءت الخطوة التصعيدية بسلب جنسية الشيخ عيسى قاسم، في الوقت الذي بدأت فيه أصوات الثورة البحرينية والظلم والاضطهاد الذي يعاني منه الشعب البحريني تلقى أصداء في العالم ومنظمات حقوق الانسان، وذلك في ظل تنامي التعاطف الدولي مع الحراك السلمي، حيث انسحب السفير السعودي احتجاجاً على كلمة النائب الكويتي عبد الحميد دشتي الذي يرأس منظمة حقوقية، عندما تناول في تقريره الوضع في البحرين، ولقيت كلمته تأييداً من سفراء العديد من الدول الغربية.
الدور السعودي
لا يمكن عزل ما يحدث في البحرين والإجراءات العدوانية التي يقوم بها حكامها، عن الحملة التصعيدية للنظام السعودي في المنطقة الشرقية، حيث تشهد هذه المنطقة التي تمثل امتداداً سكانياً طبيعياً للبحرين، حملة اعتقالات تعسفية بحق شباب المنطقة الشرقية، استهدفت شخصيات ثقافية واجتماعية بارزة، كما قتلت القوات السعودية الشهيد علي الفرج من أهالي بلدة العوامية عند أذان الإفطار في السابع عشر من رمضان الجاري. فالسلطات السعودية تريد توجيه رسالة تهديد إلى أهالي المنطقة الشرقية بأنها ماضية في التجرؤ على المحرمات والعلماء والمرجعيات، تارة بالقتل (كجريمة اعدام الشيخ نمر باقر النمر) وتارة بالاعتقال، وتارة بسحب الجنسية.
وتخشى السعودية من أن الاستجابة لمطالب الحراك البحريني ولو بشيء يسير قد تدفع الشعب السعودي وبقية شعوب دول مجلس التعاون إلى المطالبة بإصلاحات، وهو ما يهدد الطابع الملكي الاستبداي التقليدي للحكم في هذه الدول. وقد كان واضحاً مساعي وسائل الاعلام التابعة للدول الخليجية لإبقاء ثورة الشعب البحريني تحت الظلام، لكي لا يسمع أحد بصراخها خوفاً من انتقال العدوى إلى بلدانهم.
إن استهداف آية الله عيسى قاسم بما يشكله من رمزية دينية لأتباع مذهب أهل البيت، يشكل محاولة سعودية للعب على الوتر الطائفي وتشديد الانقسام السني الشيعي، ومحاولة الافادة من الواقع الفتنوي من أجل تغذية مشاريع السعودية في مختلف الميادين. فللنظام السعودي مصلحة في تعميق الفتنة المذهبية في المنطقة وتصوير الحراك في البحرين على أنه صراع سني-شيعي من أجل اعطاء الشرعية لنفسها بحجة الدفاع عن الوجود السني.
محاذير وتداعيات
لا شك أن آل خليفة ومن ورائهم آل سعود لم يلتفتوا إلى الخطورة الناجمة عن سحب الجنسية من الشيخ قاسم، فالشيخ قاسم هو الذي كان على الدوام الضامن لسلمية الحراك البحريني والحائل دون انجرار الشباب البحريني المظلوم والمضطهد وراء العاطفة والقيام بأي خطوات عنفية، فالشيخ قاسم باعتداله ووسطيته ومكانته هو صمام أمان البحرين، الذي حرص على تجنيب البحرين المخاطر.
الشباب البحريني يمتلك من الغيرة والحمية ما يمكنه من الدفاع عن كرامته، والتصدي لقوات آل خليفة والنظام السعودي، وقيام آل خليفة وآل سعود باستهداف الشيخ قاسم، سيكون إقصاءً لدوره في حماية البحرين وجر هذا البلد إلى النضال المسلح.
الشيخ قاسم الذي أعلن اليوم التحدي للنظام الخليفي مؤكداً رفضه القاطع لخروجه من البحرين والوساطة مع النظام، هو يستند إلى دعم والتفاف شعب البحرين حوله. فمن المؤكد أن البحرينيين بغيرتهم وحميتهم لن يُسلموه، ولن يتركوه، ولن يقبلوا باهانته، ولن يبخلوا في تقديم الغالي والنفيس في سبيل الدفاع عنه، وصد المعتدي، وقد تجلى هذا واضحاً في الاعتصام الذي تقيمه جماهير البحرين امام منزله في الدراز، والذي بدأ يعيد الزخم إلى الشارع البحريني، وسيؤدي في النهاية إلى ارتداد السحر على الساحر.
محنة الشيخ قاسم هي محنة العالم والفقيه والعارف الرّباني المناضل في الله، ومن أجل الله، وفي سبيلِ الله؛ لذا كان وعداً على الله جلّ جلاله أن ينصره، ويُثبته ليواجه المحنة، وينتصر، ويغيّر مصير أمةٍ بأكملها.
المصدر / الوقت