الثلاثي المُرعب: حين تَخُطُّ مظلومية الشعوب، نهضة الأمة
من البحرين مروراً بالعوامية في السعودية وصولاً لزارايا في نيجيريا، قصة شعوبٍ رفضت عيش الذل، وتسلَّحت بالمطالب التي تُعتبر حداً أدنى لأي إنسان. فإلتقت الثلاثة في الأسباب والسلوك والمصير. في المقلب الآخر، قصة أنظمةٍ جاءت من خارج تلك الأوطان، وركبت موجة السلطة على حساب الشعب، فحكمت ببطشٍ لا ينظر لألم المواطن، وصاغت سياساتها على أساس تأمين بقائها حاكمة وللأبد. فخرج من بين الشعوب، قياداتٌ حكيمة، كالشيخ الشهيد نمر النمر، الشيخ عيسى قاسم، والشيخ ابراهيم الزكزاكي، جمعت حولها كل أطياف المجتمع المحلي، سنةً وشيعة. وساهمت في إيصال كلمة المواطن المظلوم للعالم. فكانت حكاية القهر والظلم. وأضحى العالم أمام شعوبٍ أقوى بمواقفها من جيوش الدول الكبرى. هذه بإختصار، حكاية الثلاثي الذي أرعب العالم، بقوة الموقف.
بين البحرين والعوامية وزاريا: حقائق حول خيارات الشعوب
إن النظرة للأحداث التي جرت، لا تحتاج إلا لإعادة قراءة التاريخ القريب جداً، وتسليط الضوء على بعض حقائقه. حيث يظهر وبوضوح، حجم الظلم الذي إشتركت به شعوبٌ لا تملك إلا سلاح الموقف. وهنا يمكن وبموضوعية، وبناءاً للأحداث، تحديد أسباب سخط كلٍ من النظام البحريني والسعودي والنيجيري على شعوبهم، حيث أنه من الخطأ إعتبار ذلك تحليلاً، إنما هو عبارةٌ عن توصيف الواقع لا أكثر. وهنا نقول التالي:
شكَّلت مسألة التحركات المدنية وعملية إنتقاد سياسات الحكومة، حالةً من التحرُّك الجديد على أنظمةٍ كالنظام البحريني أو السعودي أو النيجيري. والسبب في ذلك هو وبوضوح، أن ركائز تلك الأنظمة تقوم على سياسات القمع، والرضوخ الجماعي للمواطنين. وهو الأمر الذي جعل مجرد التحركات، خطراً وجودياً، على تلك الأنظمة، مما ساهم في سياساتها القمعية.
لكن الأمر المُضحك والذي يدلُّ على حجم المظلومية التي تعيشها تلك الشعوب، هو أن مطالبها لم تكن تغيرية أو جذرية، فيما يخص الأنظمة، بل كانت مطالب طبيعية تتعلق بأبسط الحقوق المدنية والإنسانية. وهو الأمر الذي يمكن معالجته بعددٍ من السياسات الإصلاحية والتي لا تحتاج إلا لتغيير بعضٍ من آليات العمل الإجتماعي والإقتصادي.
لكن حالة الإنفراد التي تعيشها تلك المجتمعات، وغياب الصوت الدولي المُراقب لتنفيذ أبسط حقوق الإنسان، ساهم في زيادة حجم القمع لتلك الأنظمة لشعوبها، منعاً لتطور الموضوع، وتخطيه حالة الممكن السيطرة عليه. مما ساهم في تأجيج مشاعر المواطنين الذين لم تكن مطالبهم، دينية أو مذهبية كما يُروِّج البعض، بل كانت مدنية ومعيشية بإمتياز. وهو الأمر الذي جعل الأزمة تتحوَّل لأزمتين، بل أزماتٍ متعددة.
النظام البحريني والسعودي والنيجيري: أسلوبٌ واحد لعقليةٍ واحدة
بعد أن عرضنا أسباب التحركات التي دفعت أبناء البحرين والعوامية وزاريا للنهوض ضد أنظمتهم، سنقوم بعملية تقييمٍ موضوعية لعملية ردة الفعل التي مارستها هذه الأنظمة. مع الإشارة الى أن ردة الفعل الأولى كانت من الشعوب، حيث أنها ثارت على الواقع الموجود، ولم تفتعل المشكلات إفتعالاً. وهنا نُشير للتالي:
كعادتها وبالتطابق مع سياسات الأنظمة القمعية، ذهبت الأنظمة نحو سياساتٍ بعيدة عن المعالجة الحقيقية للمشكلة. بل قامت بإطفاء الطابع المذهبي والسياسي عليها. وأخذت بجعلها وتقديمها كأنها مؤامرةٌ مدروسة، تضرب الأمن القومي للدولة. وهو ما ظهر جلياً في البحرين، مما ساهم في إستقطاب قواتٍ من الخارج لقمع المتظاهرين سلمياً. كما بدا واضحاً في السعودية من خلال حملة الإعتقالات التي قادها نظام آل سعود. فيما كانت المجزرة في زاريا، أمراً آخر يعجز اللسان عن وصفه.
ولم تكتف تلك الأنظمة بذلك فحسب، بل ساهمت في ممارسة الضغط السياسي والأمني، مُحوِّلةً الحراكات الى حالةٍ من الثورة داخل المجتمع. فيما حاولت وصف التحركات السلمية بالإرهاب، وهي التي لم تهدِّد قط أي نظام. بينما أمعن البحرين في تقديم الحراك وكأنه تحركٌ مذهبي. وهو ما حاولت السعودية إظهاره، ونيجيريا أيضاً.
ومن الأمور التي ساهمت في حقن التحركات وتأجيج المشاعر، قيام الأنظمة بمنع المراسم الدينية، وذلك خدمةً لمشروع الفتنة، ومحاولةً لقهر هذه المجموعات المدنية. بل لم تكتف بذلك، حيث قامت بإعتقال القيادات التي تتصف بغالبها بأنها قيادات دينية، الأمر الذي أدى لإستنكار المسلمين كافة، سنة وشيعة، كونه سابقة خطيرة لا يمكن السكوت عنها. خصوصاً أنه بدر من أطرافٍ تدعي إنتماءها للإسلام.
ولعل المرحلة المفصلية والتي تدل على حجم المؤامرة، كانت عملية قتل الشهيد الشيخ النمر في السعودية، ومسألة إعتقال الشيخ سلمان في البحرين وصولاً الى سحب الجنسية من الشيخ عيسى قاسم، مروراً بعملية إعتقال الشيخ الزكزاكي في نيجيريا والمجزرة التي ارتكبتها القوات النيجيرية تجاه الجموع المسلمة.
السلوك الواحد: قراءة في الأسباب
ليس غريباً ما صدر عن هذه الأنظمة. فالأسباب لتلك التصرفات عديدة، سنقوم بذكر أهمها وأوضحها:
إن أصل وجود هذه الأنظمة هو أنها حليفة للإستكبار العالمي والإمبريالي الذي تقوده أمريكا. وهو السبب الأساسي لتلقيها الدعم من واشنطن، الى جانب أنه السبب الأساسي أيضاً لغياب المجتمع الدولي ومؤسسات حقوق الإنسان عن الأحداث التي تجري. في حين لا يمكن إعتبار مواقف بعض الدول الغربية أو مسؤولي الأمم المتحدة، إلا مواقف تدخل في خانة الكلام المُخادع والنفاق السياسي.
كما أن هذه الأنظمة، تُعبِّر في الحقيقة عن سياسات التطرف في العقيدة والسلوك، والتي طالما دعمتها واشنطن، لإذكاء الفتن في المنطقة والعالم، والحفاظ على أدواتها في المنطقة. حتى أصبحت الفتنة المذهبية والطائفية أداتها في كل سياساتها. الأمر الذي جعل سلوك هذه الأنظمة، بحد ذاته خدمةً لأمريكا وسياساتها التخريبية القائمة على الفتنة.
من جهةٍ أخرى تتعلق بالمصالح الإقتصادية، فإن حالة الرضوخ الدولي وغياب العدالة في التعاطي مع مسألةٍ بحجم قمع شعوب هذه الدول، يعود لأسبابٍ تتعلق بمصلحة الدول الغربية وبالتحديد واشنطن، بالحفاظ على مصالحها في المنطقة لا سيما الإقتصادية، وهو ما يرتبط بالمحافظة على عملة الدولار. ولن نغوص في شرح ذلك، حيث أن الكلام كثيرٌ حول هذا الموضوع.
إذن، من قال إن الأنظمة المُتطرفة، والتي باتت تتحكم بسياسات بعض الدول، كنظام بن سلمان ونظام آل خليفة، أو نظام البوخاري في نيجيريا، هي أقوى من شعوبها. فبحسب ما يبدو، إن الضعف الذي ينتابها هو السبب الحقيقي لسلوكها المُستغرب تجاه شعوبها. بل إن قيام هذه الأنظمة، بإسكات الصوت الشعبي عبر إعدام الشيخ النمر في السعودية، أو اعتقال الشيخ سلمان ومحاولة حصار الشيخ قاسم في البحرين، أو سجن الشيخ زكزاكي في نيجيريا، يُمثِّل بحد ذاته إعلان حربٍ، على شعوبٍ لن تسكت. خصوصاً أن الأصوات التي تحاول هذه الأنظمة إسكاتها، أو القيادات التي تسعى لحصارها، هي صوت الحكمة المانع لأي إنجرارٍ شعبيٍ قد يُحوِّل السلمية الى ثورةٍ لا يعرف أحدٌ كيف تنتهي. فيما يمكن القول بإختصار، بأن الثلاثي المُرعب، أي شعوب البحرين والعوامية وزاريا، شكَّلت بداية حراكٍ عنوانه: حين تَخُطُّ مظلومية الشعوب، نهضة الأمة.
المصدر / الوقت