التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

انقاذاً للمصالح التركية، هل يتخلى أردوغان عن صقوريته؟ 

أوقات عصيبة يعيشها أردوغان هذه الأيام وهو يجني ثمار ما زرعته أيديه على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث يقف اليوم الرئيس التركي من دون أن يرى أمبراطوريته العثمانية المأمولة قد أعادت أمجادها، ودون أن يحقق زعامة الأمة الاسلامية التي كان يطمح لها عبر بوابة الأخوان المسلمين، ودون أن يتحقق هدفه في تحويل تركيا إلى ممر الطاقة الأول في العالم، ودون أن ترحب به الدول الأوروبية عضواً عزيزاً في اتحادها. على العكس من ذلك، ارتفعت وتيرة أعمال العنف في تركيا والتي كان آخرها العمل الارهابي الذي طال مطار أتاتورك الدولي في اسطنبول وأدى إلى مقتل وجرح العشرات، وبدأت تركيا تتحول من بلد آمن يجتذب ملايين السياح سنوياً، إلى بلد تحذر الدول رعاياها من السفر إليه. كما ارتفعت الأصوات المحذرة من انزلاق تركيا إلى حرب أهلية على خلفية الأزمة الحادة مع الأكراد في المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا. وخسر أردوغان الكثير من شعبيته في العالم الاسلامي والتي اكتسبها عبر الورقة الفلسطينية لا سيما بعد إعادة تطبيع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي وسحب شرط فك الحصار عن قطاع غزة كشرط له، وكذلك فقد أردوغان الكثير من مصداقيته بسبب استخدامه ورقة اللاجئين لابتزاز الدول الأوروبية، بهدف رفع تأشيرة الدخول بين تركيا والدول الأوروبية. كما توترت علاقات تركيا مع معظم جيرانها في سوريا والعراق وإيران وروسيا دون أن تكسب حليفها الرئيسي، أي أمريكا التي طعنت تركيا في الظهر من خلال دعم قوات الحماية الكردية في سوريا التي توشك على اعلان فيدراليتها على طول الحدود الجنوبية لتركيا.

كلمة السر في كل تلك الأزمات المتلاحقة، هو النهج الصقوري الذي فرضته الأنا المتضخمة الملازمة لشخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي سار وراء طموحه الشخصي بتتويجه امبراطوراً جديداً على العالم الاسلامي، على نهج أسلافه العثمانيين، وبذل كل جهوده لتغيير النظام التركي من برلماني إلى رئاسي، محتفظاً بذلك بكل الصلاحيات في يده، وقد ضحى في سبيل هدفه هذا حتى بأعز أصدقائه المتمثل برفيق دربه رئيس الوزراء السابق داوود أوغلو.

ما يحتاجه أردوغان في هذه المرحلة هو النزول من قصره العاجي، وإجراء مراجعة للكثير من المواقف التي تبناها خلال السنوات الماضية. وبالرغم من الحديث عن بدء عجلة المراجعات التركية لا سيما خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن هذه المراجعات ما يزال ينقصها الكثير، كما أن بعضها قد جاء في الاتجاه الخاطئ. فبالنسبة إلى الاعتذار الذي قدمته الرئاسة التركية إلى نظيرتها الروسية على خلفية اسقاط طائرة السوخوي الروسية في الأجواء السورية، فقد حاول أردوغان التنصل منها، معتبراً أن الاعتذار موجه لعائلة الطيار وليس للرئيس بوتين. حيث يبدو أن هناك تخبط تركي واضح بشأن إعادة العلاقات مع الجانب الروسي. وأما فيما يتعلق باتفاق إعادة تطبيع العلاقات مع الكيان الاسرائيلي، والتنازلات التي قدمتها تركيا لاسرائيل وأبرزها التخلي عن شرط رفع الحصار عن غزة، فكانت تركيا ستكون في غنى عن هذه التنازلات، لو أنها صححت علاقاتها مع جوارها واعتمدت لتجاوز عزلتها على عمقها الاسلامي، بدلاً من الاعتماد على أمريكا واسرائيل. فهذه الخطوة بالطبع ستسيء كثيراً إلى صورة تركيا في العالم الاسلامي، ومن ناحية أخرى فإن أمريكا واسرائيل -على حسب عادتهما- لن تتوقفا عن ابتزاز تركيا، من خلال ورقة الأكراد تارة وورقة الاتحاد الأوروبي تارة، واستخدام ما في جعبتهما من أوراق لدفع تركيا للتماهي أكثر مع المصالح الأمريكية في المنطقة، الأمر الذي سيكون دون شك على حساب مصالح الشعب التركي وأمنه.

ماذا يترتب على تركيا في هذه المرحلة؟

خطوات لابد منها للدولة التركية للخروج من مأزقها وتحقيق الأمن الداخلي والخروج من عزلتها نذكر منها:

أولاَ: المساهمة بتحقيق حل سلمي وسريع للأزمة السورية: فمما لا شك فيه أن كل مصائب تركيا بدأت مع الأزمة السورية والموقف التركي منها، الداعم للجماعات المسلحة والمسهل لحركة تنظيم داعش الارهابي في الأراضي التركية على طول الحدود التركية مع سوريا، كما تشارك تركيا بقوة إلى جانب كل من السعودية وقطر في دعم ما يسمى جيش الفتح في محافظة إدلب، والتي تشكل جبهة النصرة الارهابية عموده الفقري، وهي تفتح حدودها على مصراعيها لعبور قوافل المسلحين والتجهيزات العسكرية واللوجستية إلى الجماعات المسلحة، وتعرقل بعملها هذا كل المساعي لحل الأزمة السورية سلمياً.

ثانياً: الكف عن لعب ورقة استخدام الارهاب ضد دول الجوار من أجل املاء سياستها وإردتها على تلك البلدان، فهذه اللعبة على درجة كبيرة من الخطورة وقد بدأ سحرها ينقلب على الساحر، حيث أن تنظيم داعش الارهابي الذي يمتلك هامش حرية واسعة للحركة داخل الاراضي التركية، يقوم بابتزاز تركيا بين الفينة والأخرى، لتمرير قرارات سياسية تخدم مصالحه، حيث أن جميع العمليات الارهابية التي حملت الدولة التركية التنظيم الارهابي مسؤوليتها، لم يعلن داعش مسؤوليته عنها، مما يدل على أنها رسائل داخلية بينه وبين الدولة التركية، تهدف إلى تحذير الدولة التركية من اتخاذ خطوات تضر به. ومن المحتمل أن تنتهج بقية الجماعات الارهابية التي تدعمها وتغذيها تركيا كحركة أحرار الشام وجبهة النصرة، المسار نفسه في حال اتخذت تركيا قرارات تضر بها، فهذه الحركات أصبح لها مواقع ونفوذ في الداخل التركي نتيجة حرية الحركة التي تمتعت بها طوال السنوات الماضية، وأصبح بمقدورها ضرب العمق التركي متى شاءت.

ثالثاً: اتخاذ نهج تصالحي مع الأكراد وأحزاب المعارضة: وذلك من خلال إعادة إحياء الهدنة مع حزب العمال الكردستاني، والتوقف عن النهج التصعيدي في مناطق الجنوب الشرقي من الحدود التركية والتي من قد تجر البلاد إلى حرب أهلية، ومن ناحية أخرى التخفيف من حدة التوتر مع حزب الشعوب الديموقراطي والذي يسعى أردوغان إلى محاكمة ممثليه في البرلمان وحجب الحصانة عنهم، ولا شك بأن التعاون مع الدولة السورية وبقية دول الجوار سيضع حد لأي طموح انفصالي للأكراد، وسيجنب المنطقة الكثير من التوتر.

رابعاً: الابتعاد عن السياسة القمعية في الداخل والاعتماد على سياسة أمنية تستند إلى الشعب وليس إلى أجهزة المخابرات، ومحاولة بناء الثقة مع شريحة الشباب التي بدأت الدولة التركية تفقدها مع حملاتها المتكررة على المظاهرات الشبابية في ساحة تقسيم في اسطنبول وغيرها، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي، والزج بالكثير من الصحفيين والناشطين في السجون.

تركيا البلد المسلم الكبير، بتاريخه العريق وثقله السكاني، لا شك بأنها تستحق أفضل مما يقدمه لها أردوغان اليوم، وتستحق أن يتعالى حاكمها على ذاته أنقاذا لمصالحها التي بدأت تواجه الكثير من الأزمات داخليا وخارجياً. فهل يتدارك أردوغان أخطاؤه؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق