مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ: “داعش لاعب مؤثر والقضاء عليه ليس وارد حالياً”
رأت دراسة إستراتيجيّة إسرائيليّة صدرت عن مركز أبحاث الأمن القوميّ بتاريخ الرابع من الشهر الحالي، – التي ترجمها ونشرها عددٌ من مراكز الأبحاث العالمية – حيث تمّ إعدادها في الكيان الإسرائيلي بمناسبة مرور عامين على إعلان تنظيم داعش الإرهابي، أنه ورغم كل التقارير المتفائلة، عن قرب انهيار التنظيم، ما يزال مبكراً الإفتراض بأن العالم يشهد انهيار التنظيم، ككيان، يسيطر على منطقة جغرافية واسعة، وذلك للأسباب عديدة. فيما أشارت الدراسة، أنه وعلى الرغم من أنه اتضح للجميع أنّ سيطرة داعش السريعة تقريباً، على مناطق واسعة قد كُبحت وبدت عملية انسحابه واضحة، فما يزال اختفائه كلاعب فاعل ومؤثر في الشرق الأوسط غير متوقع في السنوات القريبة. ذلك لأن الظرف الرئيسي في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر لم یتغير، بل ومن غير المتوقع أنْ يتغير في المستقبل المنظور! وهنا قراءة في الأسباب بحسب الدراسة:
أولًا: من الصعب تقدير كم من الوقت ستتواصل الجهود لتحرير المدن المركزية من يد تنظيم داعش الإرهابي، وبأي ثمن. حيث أنه فيما يخص العراق، فإن تحرير مدينة الموصل مثلًا قد يُواجِه عدداً من العراقيل من بينها الصراعات الداخلية في أوساط مقرات السلطة في العراق بحسب الدراسة، والتعقيدات الكامنة في عمليات القوات التي سيكون عليها أنْ تقود المعركة في المدينة. الى جانب التخوف من أعمال الإنتقام والمذابح من جانب بعض الميليشيات.
ثانياً: في سوريا، أكّدت الدراسة، أنه يوجد صعوبة في إيجاد قوات تقود معركة تحرير الرقة. حيث أن القوات الكردية، والتي اتضح أنّها الأنشط في محاربة داعش في العراق وسوريّة، وهي استطاعت أن تقود معركة تحرير المدينة إلى جانب القوات السورية الديمقراطية، تخاف حالياً من دخول المدينة، بسبب الخشية من المقاومة والإحتكاكات بينها وبين السكان السنة المحليين، بحسب الدراسة.
ثالثاً: أوضحت الدراسة أنّ الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي، أصبح منطقة غير مستقرة. حيث أنه في كثير من مناطق الإقليم دُمرت البنى الإقتصادية. كما أن كثير من سكان مناطق الحرب أصبحوا بلا مأوى، ولاجئون هربوا إلى دول مجاورة. بل أنّ الكثيرين منهم هاجروا إلى ما وراء حدود الشرق الأوسط. ولفتت إلى أنّه في الكثير من الأماكن في المنطقة يوجد سيطرة حكومية جزئية فقط أو أنها فقدت تماماً حكماً فاعلاً أو ذلك الحكم الذي يمكن أن يمثل سنداً مستقراً يستجيب لاحتياجات السكان المحليين. حيث أن تنظيم داعش يستطيع أن يجد أماكن بديلة لسيطرته بدلاً من تلك التي فقدها.
رابعاً: إن عاملاً مهماً يراه الكيان الإسرائيلي في صالح التنظيم الإرهابي. وهو وجود المصالح الخاصة – وفي بعض الأحيان المتناقضة – بين القوى الإقليمية فيما بينها والقوى العالمية، تحديداً: تركيا، السعودية، إيران، أمريكا وروسيا. حيث يتوقع أن تُصعِّب هذه المسألة، إمكانية تنسيق الحرب ضد داعش من قبل الأطراف، وبالتالي تبطئ العمليات المعدة لتفكيكه. حيث رأت الدراسة أنّ المطلوب الى جانب القرار السياسي للقضاء على داعش، وجود إستثمار إقتصادي وعسكري مضاعف، وذلك لتأمين استمرارية العمليات المنسقة، بهدف منع قوات التنظيم من العودة والإمساك بمناطق بعد أنْ طردوا منها، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
خامساً: الى جانب ذلك، أضافت الدراسة، أنّ التخوف الكبير من استعداد داعش لتنفيذ حرب إرهابية واسعة في مختلف مدن العالم، وسيما في الغرب، هو من الأمور الواقعة والحقيقية. حيث أنّ الأداة المركزية الأساسية التي يمتلكها التنظيم، عبارة عن مخزون مقاتليه الكبير، والذي مصدره حوالي مائة دولة في أنحاء العالم.
وهنا وحول نجاحات التنظيم الإرهابي، أشارات الدراسة الى أنه وخلال العامين الأخيرين، نجح داعش بأن يضم إلى خدماته حلفاء محليين في بلاد كثيرة في الغرب وفي الدول الخليجية وفي جنوب شرق آسيا وفي إفريقيا. وهو ما من شأنه أن يعمل على دفع أجندته للأمام، حتى وإن تلقى ضربات عسكرية أخرى في الشرق. واستدلت الدراسة على ذلك، من خلال كلام لـ “جيمس كلابر” رئيس الإستخبارات القومية الأمريكية، والذي أشار منذ مدة، الى أن التنظيم الإرهابي، يمتلك مخزوناً مكوناً من حوالي 30 ألف مقاتل، من بينهم 7000 وصلوا قبل وقت قصير الى دول غرب أوروبا. حيث يدور الحديث اليوم، عن نشطاء وممولين وخبراء معبَّئين أيديولوجياً بالسلفية الجهادية، وقد ينفذون عمليات كثيرة في بلادهم الأصلية، بحسب تعليمات قيادة داعش، أو كردة فعل منهم للهجوم عليه. حيث أنه سواء كانت العمليات بقرار من داعش، أو عمليات تنفذ بمبادرة شخصية من قبل مؤيديها أو المحسوبين عليها، فإنّ حدوثها سيشكل تحريضاً للأقليات والمهاجرين المسلمين ضد الغرب، بحسب الدراسة الإسرائيلية. وهو ما سيساهم في إثارة العناصر اليمينية المتطرفة، حيث سيسعون إلى استغلال الفرصة لمضاعفة التشكيك الموجود في أوساط جمهور واسع في الغرب تجاه المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا، وترجمته إلى إنجازات سياسية تؤثر على الخارطة السياسية في مختلف الدول، وعلى رأسها دول أوروبا.
وأضافت الدراسة، أنّه رغم إخفاقات داعش العسكرية والتآكل في مناطق سيطرته، فما يزال يمتلك وكذلك حلفائه يمتلكون، موارد جغرافية وإقتصادية وموارد بشرية واسعة. وتابعت، أنه يبدو واضحاً أنّ قدرة التنظيم على الإستمرار في كونه عاملاً مركزياً ومهماً في المنظومة الدولية ومركز إهتمام إعلامي وسياسي في أنحاء العالم لم تنخفض. وهو ما يعني انه ستكون هناك حاجة لمزيد من الموارد الكبيرة العسكرية والإقتصادية والدبلوماسية والقانونية، لكي يكبح التنظيم ويكبح تأثيره المدمر على الساحتين الشرق أوسطية والدولية.
وشدّدّت الدراسة في النهاية، على أنّه إذا أرادت الدول المحاربة لداعش، أن تعجل عملية انهياره وتُرمم الأضرار الناجمة، سيكون عليها أنْ تُعلّق الخلافات بينها النابعة عن المصالح المتناقضة. ولكن هناك شك كبير بخصوص إستعداد الدول لدفع المصالح الخاصة، إلى مكان أقل ارتفاعاً على جدول الأعمال لصالح المصلحة العامة.
إذن، يبدو واضحاً أن تل أبيب تجد في تنظيم داعش، ما يجعلها تنظر للمستقبل بأمل. فهي أمام مشهدٍ، جعل الجميع يدخل في صراعٍ، تظن أنها بعيدة عنه. لنقول أن نتيجة الدراسة بحسب الكيان الإسرائيلي هي: “داعش لاعب مؤثر والقضاء عليه ليس وارد حالياً”.
المصدر / الوقت