التوجه الأمريكي لدعم العراق عسكرياً: محاولة لقطف الإنجاز كمُقدمة للتقسيم
كعادتها، تسعى واشنطن للتدخل في شؤون الدول الأخرى، وذلك من خلال انتهاز الفرص، إما لقطف الإنجازات، أو إستغلال نقاط الضعف لدى الدول. وهو الأمر الذي طالما اتصفت به السياسة العملية لواشنطن. واليوم، نجدها تُمعن في سياستها البراغماتية، لا سيما تجاه المنطقة بشكلٍ عام، والعراق، بشكل خاص. حيث جاء إعلان الطرف الأمريكي حول إرسال قواتٍ إضافية لدعم القوات العسكرية العراقية، كمشروعٍ جديدٍ للتدخل في الشأن العراقي، وقيادته من جديد نحو الساحة الأمريكية، لا سيما بعد نجاح العراق من الخروج من حاجته للخارج. وهو ما أثبته العراقيون في حربهم وإنتصاراتهم ضد الإرهاب. فماذا في الإعلان الأمريكي؟ وكيف يمكن تحليل دلالاته؟
أعلنت واشنطن، أنها تعتزم إرسال المزيد من القوات العسكرية لدعم القوات العراقية، حتى تتمكن من إستعادة السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي. حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر الإثنين عزمه إرسال 560 عسكري إلى هذا البلد كقوات إضافية ستتيح استخدام مروحيات أباتشي لدعم القوات العراقية في حربها ضد الإرهاب، وتمكينها من طرده من الموصل.
لكن السؤال المطروح اليوم، هو عن السبب الذي يدفع واشنطن، في إرسال قوات عسكرية في هذا التوقيت بالذات، وهو ما يمكن الإجابة عليه بالتالي:
– جاء هذا القرار بعد النجاحات والإنتصارات التي حققها الجيش العراقي في الموصل، لا سيما بعد سيطرته على قاعدة القيارة الجوية. وهي قاعدة إستراتيجية، تقع في محافظة نينوى، حوالي 300 كلم شمال بغداد و 16 كلم غرب مدينة القيارة. وفي 7/9/2016، أعلن كل من رئيس الوزراء حيدر العبادي ومحافظ نينوى نوفل حمادي السلطان، تحرير القاعدة على يد القوات العراقية، بعد هرب عناصر تنظيم داعش الإرهابي باتجاه الموصل. في حين لا شك أن واشنطن، تطمع في السيطرة على هذه القاعدة، لأسبابٍ لوجستية أيضاً.
– من جهةٍ أخرى، فإن إرسال أمريكا لهذه القوات، يفتقد الى حسن النية من الطرف الأمريكي، خصوصاً أن ذلك حصل، بعد أن بدأت العمليات. وهنا فإن السؤال المطروح، هو حول السبب الذي منع واشنطن من الحديث عن الدعم العسكري منذ بدء العمليات. في حين أن سياسة واشنطن المعتمدة، تقوم على انتظار النتائج والتعاطي معها. لكن، وبعد أن انتصر العراقيون في حربهم على الإرهاب، واستطاعوا هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في أكثر من مدينة، ظهر الأمريكي اليوم كطرف مساعد، وكأنه يمضي في مصلحة العراقيين.
– وهنا، تسعى واشنطن لطرح نفسها، كحامي للشعب العراقي، ومصلحته، وكأنها تقف معه في خط واحد ضد الإرهاب. وهو الأمر الذي يُدرك العراقيون أنه غير صحيح، بسبب التجربة الأمريكية، والتي كانت تدعم الإرهاب، عبر إمداده بالمساعدات العسكرية واللوجستية، خلال العديد من المعارك التي كانت تقودها القوات العراقية، في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي. بالإضافة الى ذلك، يسعى الإعلام الغربي دوماً، للتخفيف من إنجازات القوات العراقية، وتضخيم المساعي الأمريكية في الحرب على الإرهاب. وهو ما يتنافى مع الواقع، في حين أن التجربة العراقية تكفي لإثبات ذلك.
– كما أنه، وأكثر من أي شيء آخر، تسعى واشنطن، ومن خلال إرسالها قوات عسكرية، للمشاركة في تغيير المشهد القائم، على الصعيد العسكري في الموصل، وذلك، لتبرير دورها السياسي المستقبلي في هذه المحافظة السنية. ففي الواقع، فإن أمريكا، تستعد لمرحلة ما بعد الحسم العسكري، حيث يبدأ حينها، مرحلة العمل السياسي، والتي ستُدار بناءاً لنتائج الميدان. وهو الأمر الذي تسعى واشنطن، لقطف إنجازات فيه، من أجل المطالبة بدور سياسي مستقبلي، لا سيما في المحافظات العراقية السنية.
– لكن الهدف الأبعد لواشنطن، والذي يُعتبر همَّها الأساسي، هو العمل على بناء الأرضية، لتقسيم العراق. وذلك من خلال البدء أولاً، بالتدخل الناعم، في إدارة المحافظات السنية، ثم العمل ثانياً، على دفع اللعبة السياسية في العراق نحو التقسيم. وهو ما يجب أن يلتفت له العراقيون.
إذن، ليس مُستغرباً التدخل الأمريكي، ولو تحت مُبرر الدعم. في حين، يُعتبر السعي الأمريكي وبطريقته الجديدة، دليلاً على نجاح العراقيين في خروجهم من الدائرة الأمريكية. حيث اعتادت واشنطن على فرض سياساتها. لكن الواقع السياسي اليوم تغيَّر لصالح العراقيين. حيث استطاعوا الإنتصار على الإرهاب، وتقوية أوراق الميدان، كمقدمةٍ للعمل على إيجاد الحلول السياسية المستقبلية. لنصل الى نتيجة مفادها، بأن التوجه الأمريكي لدعم العراق عسكرياً، هو في الحقيقة محاولة لقطف الإنجاز كمُقدمة للتقسيم.
المصدر / الوقت