خفايا الاتفاق الروسي – التركي
يعيش أردوغان هذه الأيام أوضاعاً صعبة، فرضتها عليه أوضاع الساحة الاقليمية والأزمات المتلاحقة للعالم العربي، و خصوصاً تداعيات الأزمة السورية، و التي كان لها الارتدادات و الأصداء السلبية على الوضع الاقتصادي و السياسي و السياحي و الأمني التركي. و تعيش الساحة التركية وضعاً أمنياً صعباً للغاية نتيجة الضربات الإرهابية المتتالية لتنظيم داعش الارهابي، و التي مُنيت بها تركيا في فترات زمنية متقاربة، و التي كان آخرها تفجير مطار أتاتورك في اسطنبول و الذي أدى إلى مقتل 44 شخصا و إصابة 239 آخرين.
و أمام هذه الأوضاع وغيرها دفعت بالرئيس التركي رجب أردوغان الى اعادة النظر في حساباته الخارجية في محاولة منه لانتشال تركيا من مستقع الأزمات التي أدخلها فيها، و العودة الى سياسة صفر مشاكل، و أيضا من أجل حفظ ماء الوجه التركي قدر الإمكان. هذا التغيير جاء على لسان رئيس الوزراء الجديد “بن علي يلدريم” حيث قال :”إن تركيا بحاجة إلى زيادة أصدقائھا وتقليل أعدائھا”، مما يعني أن تركيا تعترف بأن سياسات أردوغان و حكومته السابقة برئاسة داوود أوغلو قد تسببت في محاصرة تركيا و تهميشها.
و بعد تصالح تركيا مع العدو الصهيوني، اتجهت شرقًا نحو موسكو، في مسعى حقيقي للتقارب مع البلد الذي فرض عليها حصاراً اقتصادياً بعد اسقاطها للقاذفة الروسية على الحدود الشمالية التركية السورية.
فقدم أردوغان اعتذاره للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقتل الطيار الروسي في الأجواء السورية، و أعلن بوتين عن بدء تطبيع العلاقات مع تركيا بعد محادثته الهاتفية التي أجراها مؤخرًا مع نظيره التركي، والتي تناولت رفع القيود عن رحلات السياح الروس إلى تركيا. و لكن و بحسب محللين هناك خبايا أخرى اتفق عليها اردوغان و بوتين، فما هي خبايا الاتفاق الروسي التركي؟
ماذا تريد تركيا من روسيا؟
1- الأمر الأول الذي طرح على طاولة المفاوضات التركية الروسية هو اعلان أردوغان أن بلاده سوف تقوم باستفتاء حول مواصلة إجراءات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي من عدمه، و ذلك بسبب العواصف التي تضرب الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه، مما جعل من أنقرة تفكر مليًّا بجدوى التعويل على اتحاد مهدد بالانهيار. أيضا ان الأوروبيين يرفضون منح تركيا العضوية، كما أن خلافاتها ازدادت أكثر خصوصاً بعد أزمة اللاجئين السوريين. هذه الأمور دفعت أردوغان إلى خلط الاوراق من جديد و البحث عن صديق یستفيد منه أكثر و كان هذا الصديق هو روسيا والذي سيكون حليفاً مهماً لأنقرة في وجه العواصف الاقتصادية و الأمنية في البلاد.
2- الأمر الثاني الذي طرح على طاولة المفاوضات التركية الروسية، هو المعانات التركية من الأزمة السورية، حيث تجري الرياح السورية بما لا تشتهي السفينة التركية، و خاصة فيما يخص الأكراد حيث جميع خيارات أنقرة في سوريا تندرج تحت الخيارات المرّة، فإذا رحل الأسد، فهذا يعني أن سطوة الأكراد ستزداد في سوريا، فسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على أراضٍ في شمال سوريا قد تساهم في تمرد حزب العمال الكردستاني الذي خاض صراعًا مسلحًا في جنوب شرق تركيا لمدة 30 عامًا، حيث لا تنفي الجماعتان الصلات التي تربطهما، فحزب العمال الكردستاني أسس وحدات حماية الشعب باعتبارها تنظيمًا سوريًّا قبل 10 سنوات، ويتبنى الاثنان فكر عبد الله أوجلان الذي قاد حزب العمال منذ تأسيسه.
3- ثالثاُ، أمور اقتصادية و سياحية بحثت على طاولة المفاوضات، حيث فتحت ملفات كالطاقة النووية والغاز حيث من المفترض أن تشيد روسيا محطة “أكويو” الكهروذرية في تركيا، وبالنسبة لمشروع غاز “السيل التركي” فيهدف لنقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر قاع البحر الأسود، ومنها إلى أوروبا، حيث من المتوقع أن تبلغ القدرة التمريرية له نحو 63 مليار متر مكعب من الغاز سنويًّا. أيضاً لم ينس أردوغان الأزمة السياحية التي ضريت بلاده جراء التفجيرات التي تعاني منها تركيا، و اقترح الطرفان حلول لإنعاش قطاع السياحة الذي تلقى ضربة في مقتل بعد تفجيرات مطار أتاتورك، ورفع روسيا للحظر الذي كانت تفرضه على السياحة في تركيا يعد بمثابة انسياب الدم في الشريان التركي، خاصة أن السياح الروس كانوا يشكلون القسم الأكبر من السياح الأجانب في أنقرة.
أمور أخرى بحثت على طاولة المفاوضات بين الطرفين و لعل أبرزها كانت الأزمة الكردية على الحدود التركية، و لذلك من المؤكد أن التطبيع التركي – الروسي سيكون له تداعيات وانعكاسات كبيرة على المنطقة كلها عموماً والمشھد السوري خصوصاً، ومن المؤكد أيضاً أنھا مصدر قلق للأكراد وللمعارضة السورية. ومن المؤكد ان تركيا تتحول والمنطقة أيضا تتجه الى تسوية تقر بمسلمات المقاومة وتطبع مع الثوابت السورية.
المصدر / الوقت