محلل سعودي: عذرا سوريا.. أخطأنا
كتبت الإعلامية المتميزة إيمان الحمود في ٣٠ يونيو ٢٠١٦م تغريدة تتساءل “لماذا تعتذر صحيفة اليوم عن خبر “أردوغان يتصل بالأسد؟”.. وتستطرد الإعلامية إيمان.. رجل طبّع العلاقات مع “تل أبيب” وموسكو.. من المنطق الجيوستراتيجي أن يتواصل مع دمشق!”. حسناً، لم يعد خبر إعادة العلاقات التركية السورية تسريبات أو إشاعات أو بالونات إختبار فقد نشرت صحيفة الوطن السعودية خبر عاجل بتاريخ ١٣ يوليو ٢٠١٦م يؤكد ما ذهبت إليه الإعلامية إيمان الحمود، تقول تغريدة الصحيفة: “بن علي يلدريم: تركيا ستعيد العلاقات الطبيعية مع سوريا”. إستغراب الإعلامية إيمان كأنه يقول: لماذا ندس رؤوسنا في الرمال كالنعام. حسناً، بعيداً عن تغريدات وتساؤلات أستاذتنا إيمان الحمود، نتساءل نحن: متى يدرك العرب وفي مقدمتهم دول الخليج (الفارسي)، أن يقولوا بكل شجاعة: عذراً سوريا.. أخطأنا؟
سمعنا في القصص المحكيّة: “أن العرب شجعان”. وقرأنا في الأحاديث المرويّة: “أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل”، وفي رواية أخرى: “أن الرجوع عن الباطل خير من التمادي فيه”. فهل من الساسة العرب من يملك الشجاعة السياسية، ويعلق الجرس، وينصف التاريخ، ويتسامى على الأحداث، ويعلن “بالفُم المليان”: “عذراً سوريا.. أخطأنا”؟ هل يستطيع العرب أن يتحلوا بنصف الشجاعة، على الأقل، ويتوارو خلف الجامعة العربية “المريضة” ويطلبوا إصدار بيان ينوب عنهم لكي يقول بكل وضوح: “عذراً سوريا.. أخطأنا”؟ ليس من أجل الشعب السوري، الذي قُتل وهُجر وشُرد، لا.. ولا من أجل المدن والضواحي السورية التي دُمرت… ولا من أجل صورة قبيحة رسمها العرب عن أنفسهم في العالم، لا.. بل من أجل أجيال جديدة ضمن شعوبهم ومجتمعاتهم، بعضهم عرف الحقيقة والبعض ينتظر ما سيكشفه التاريخ.
إنساق العرب طوعاً أو كرهاً خلف سيناريوهات ومخططات غربية صدرت من “إسرائيل”، نعم صدرت من “إسرائيل”، لحشر سوريا عنوة في مسار “الربيع العربي”، ولقد جادلنا بذلك منذ العام ٢٠١١ في مقال بعنوان “الربيع العربي.. سوريا غير” نشرته صحيفة الحياة. لكن التخوين والتكذيب كان السائد لرأي عام غلب على عقله إعلام مضلل. وتأكيداً لما ذهبنا إليه، كشف رولان دوما، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، جزءاً من ذلك المخطط علناً في قناة تلفزيونية فرنسية. كما فضح ذلك، “شاهد من أهلها”، وهو حمد بن جاسم، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، عندما ألقى بقنبلته المدويّة في أحضان صفحات الفاينانشال تايمز. اليوم عادت تركيا لإعادة العلاقات الطبيعية مع سوريا، وسنشهد تسارعاً في عودة الحياة إلى سفارات معظم دول العالم التي هاجرت ونزحت مع هجرة ونزوح الشعب السوري.
تذرع بعض الساسة العرب بالشعب السوري وسكبوا دموع التماسيح، وسوقوا ذلك عبر ماكيناتهم الإعلامية وأوهموا شعوبهم بقيّم أخلاقية مثالية تجاه الشعب السوري، ثم لم تلبث شعوبهم أن إكتشفت الحقيقة المرة، بأن التعاطف مع الشعب السوري كذبة عربية بإمتياز، وأن تعاطف أوروبا وألمانيا تحديداً أكبر وأكثر ألف مرة من بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان .. ومن نجد إلى يمنٍ إلى مصر فتطوانِ. ظنت بعض دول الخليج (الفارسي) ألتي أصابها الذعر من “الربيع العربي” أن إنسياقهم خلف الفشل المتعاقب في سوريا بصحبة تركيا والإصرار على عمل شيء، أي شيء، سينقذ ماء الوجه السياسي لدولهم. لكن، هيهات، هيهات. أضحى الملف السوري وتعقيداته أكبر وأهم مما إعتقدوه، فأحجمت دول عظمى، وأقدمت قوى عظمى، وباتت سوريا في مأمن من مكر “إسرائيل” والعرب، وطفقت بعض دول الخليج (الفارسي) تحديداً، تواري سوءتها.
أخيراً، يقول المثل الغربي، “أن تعمل الشيء متأخراً، أفضل من أن لا تعمله على الإطلاق”. على الساسة العرب الذين يريدون علاقة طبيعية مع شعوبهم، ويعيدون جزءً من مصداقية سياسية فقدوها خلال الخمس سنوات الماضية، أن يسارعوا إلى عمل أمرين: (١) “الإقلاع عن الذنب”، وترك سوريا لأهلها ومؤسساتها وجيشها ونظامها ورئيسها وما تقرره كدولة ذات سيادة مع أصدقائها وحلفائها، وعدم التدخل في أي شأن من شؤونها؛ (٢) الإستغفار بالإعتذار في جملة مختصرة وواضحة: “عذراً سوريا.. أخطأنا”. ختاماً، فشلت الحبكة السياسية التي سوقتها الماكينة الإعلامية. لكن، ملف سوريا، وحكاية سوريا، وقصة سوريا، سيحكيها التاريخ بأمانة، “وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون”. حفظ الله الوطن.
طراد بن سعيد العمري