أنيس النقاش: حزب الله في مواجهة “إسرائيل” سيتحوّل إلى “جيش تحرير”
لبنان ـ سياسة ـ الرأي ـ
أكد الباحث والمحلل السياسي أنيس النقاش ان حزب الله يستطيع استخدام حرب العصابات التي يتقنها، كما يمكنه الانتقال الى جيش ديناميكي خفيف الحركة، كنوع جديد من القتال يؤرق دماغ “إسرائيل”، كونه يسمح له بظرف أيام قليلة من السيطرة على أراضٍ واسعة من شمال فلسطين.
جاء ذلك في مقابلة اجرتها صحيفة “الثبات” مع منسق “شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية”؛ أنيس النقاش، وحاورته بشان تطورات المنطقة.
يعتبر أنيس النقاش أن التحوّلات التي طرأت على المنطقة في ظل التفاهم النووي بين إيران والدول الأوروبية مازالت تتبلور ولم تأخذ شكلاً نهائياً بعد يمكن الركون إليه، يقول رداً على سؤال استمرار تطويقها بأن الاتفاق الغربي سعى إلى الحد من استمرار طهران تخصيب اليورانيوم النووي، ويشير إلى أنه مع إزالة العقوبات الدولية لمجلس الأمن بات من الممكن لجميع الأفراد أو الشركات والمؤسسات التعامل مع إيران بشكل حر، وهذا ما بدأته الدول الأوروبية، فالتحويلات البينية بين طهران وأوروبا جيدة، رغم أنها ليست بحجم التوقعات.
يضيف النقاش: بالنسبة لأميركا، لديها عقوبات خاصة تتعلق بالبرنامج الصاروخي، وبما يسمونه دعم الإرهاب ومسائل تختص بحقوق الإنسان.. هذه التفاصيل أصلاً لم يلحظها الاتفاق النووي، وبالتالي بقيت سارية المفعول على الشركات الأميركية، ولعل هذا الوضع يقلق البنوك الأوروبية الكبيرة من التعامل مع إيران.
يذكر النقاش أن الاتفاق النووي لم يتحدث عن إجراء صفقات استثمارية كبيرة، بل تحدّث عن سماح لإيران بالدخول في النظام البنكي العالمي من خلال فتح الاعتمادات المالية، وهذا ما يحصل حالياً؛ يشهد الاقتصاد في إيران انفراجاً نسبياً، رغم أنه دون ما توقّعه البعض من لحظة توقيع الاتفاق النووي.
أما بخصوص الأموال الإيرانية المجمّدة في الخارج، برأي النقاش فإن أميركا تسعى لعرقلة بعض منها، من خلال المحاكم وتجريم إيران بملياري دولار، كتعويضات للذين قُتلوا في حوادث متفرقة، وهذا الأمر رغم أنه يظلم إيران، لكن المسألة بحاجة إلى اسئناف في القضاء لإثبات وجهة نظر طهران.
سورية
نسأل أنيس النقاش عما يدور في سورية، في ظل تنسيق مضطرب بين موسكو وواشنطن، وسوء تفاهم بين دمشق وروسيا، يقول مدير منسق “شبكة الأمان للبحوث والدراسات الاستراتيجية”: مدينة حلب حوصرت بشكل كامل، والتطويق سيستمر إلى حين تسليم المسلحين أنفسهم؛ كما حصل للمسلحين في حمص. الحسم بشكل كامل في سورية يتطلب أولاً وقتاً، وثانياً تفاهماً مع الولايات المتحدة للتنسيق حول الضربات الجوية والميدانية في شمال سورية وشرقها، والجميع يعلم أن أميركا تدعم القوات الكردية في أماكن وتقصف أماكن أخرى في الرقة والعراق، وهذا الأمر يتطلب تفاهم حد أدنى بين روسيا وسورية من جهة وأميركا وحلفائها من جهة أخرى، وهذا الأمر حتى الآن تعيقه أو ترفضه الولايات المتحدة.
يعتبر النقاش أن الستاتيكو في سورية على حاله:”لا قرار بحسم الميدان بشكل متفرّد من قبل روسيا”، برأيه الأمر بحاجة إلى قبول أميركي، لضمان النتائج بخسائر مقبولة، يقول: بانتظار تفاهم واضح بين موسكو وواشنطن، عمليات تطهير الأراضي السورية من قبَل الجيش السوري وحلفائه مستمرة في عدة مناطق، كالغوطة والرقة وحلب.. روسيا تعتبر أن الحسم في الميدان بحاجة إلى أميركا، وهذا الأمر يتطلب تفاهماً حوله، إلا في حال وصول الأمور إلى حائط مسدود، عندها يمكن لموسكو التصرف من دون الأخذ بعين الاعتبار الرأي الأميركي.
هنا، استحقاق الانتخابات الرئاسية في أميركا له وقعه بالنسبة لروسيا، مع وجود إشارات واضحة تفيد بأن الرئيس الروسي بوتين يميل إلى المرشح “ترامب”، ويعوّل عليه لتغيير سياسة أميركا حول سورية، برأي النقاش، في حال فوز ترامب، منحى التوجّه الأميركي في سورية سيتبدل بشكل جذري، وبالتالي اهتمامه سيتركز على ضرب “داعش” و”النصرة” لا على إسقاط النظام السوري. هنا، المقاربة الروسية تعوّل أن يصبح عمل موسكو وواشنطن على ذات الموجة في مسألة مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط عموماً، وسورية خصوصاً.
يقول النقاش: بالنسبة لروسيا، انتظار 4 أشهر للوصول إلى تفاهم مع اميركا لن يضر بمصالح موسكو، لأنه سيطلق يدها للحسم النهائي، فروسيا اليوم أمام خيارين: إما الحسم من موقع عدم التوافق مع أميركا، وإما الحسم بعد 4 أشهر من موقع تفاهمي مع الولايات المتحدة، أما في حال وصول المرشحة هيلاري كلينتون، فروسيا تستطيع التأقلم مع التحولات الأميركية بالعودة إلى مسألة الحزم في الملف السوري، ولهذا السبب يمكن وضع مجيء 3 بواخر إنزال حربية روسية باتجاه البحر المتوسط دفعة واحدة، دليلاً على حشد الإمكانيات العسكرية في سورية في عدة احتمالات غير متوقعة، وهذا يعني أمنياً وعسكرياً أن روسيا تهيئ نفسها لاستخدام هذه الذخائر من أجل الحسم النهائي لخططها الاستراتيجية.
الإرهاب.. ضربات استراتيجية واخرى تكتيكية
نسأل النقاش عن قراءته لضرب “داعش” داخل العمق السعودي، يقول: يجب التمييز بين ضربات “داعش” الاستراتيجية، وبين الضربات التكيتيكية؛ في العراق وسورية وليبيا ونيجيريا، “داعش” يتصرف استراتيجياً لوجود فوضى عارمة تجيز له السيطرة على الأرض والجغرافيا، أما في الأردن وتركيا والسعودية فضربات “داعش” تكتيكية، الهدف منها توجيه رسائل محددة إلى الدول المعنية، على سبيل المثال، تركيا التي سمحت لـ”داعش” الدخول بآلاف المقاتلين إلى سورية، تراجع دعم أنقرة لهم بعد إضاءة الإعلام كثيراً على دعم تركيا لـ”داعش”وشرائها النفط الداعشي.. هنا انحسار الدعم الأردوغاني لـ”داعش” لصالح قوى أخرى أجبرت “داعش”على توجيه رسائل أمنية للنظام التركي، تماماً كما حصل للأردن والسعودية.
يضيف النقاش: استهداف “داعش” مكاتب “شارلي ايبدو” في فرنسا على سبيل المثال لم يكن له علاقة بالرسول محمد (ص) والصور المسيئة للإسلام، المسألة برمتها على علاقة بتنظيم “القاعدة” في اليمن، وتصفية الحسابات مع الشركة النفطية الفرنسية “توتال”، فالأخيرة عمدت إلى دفع المال أو الجزية لإبعاد المسلحين عن حقول النفط الخاصة.
يتابع أنيس النقاش حديثه: توجيه “القاعدة” ضربة أمنية لفرنسا، لم يحوّل الأخيرة إلى أرض جهاد للقوى التكفيرية، العمل التخريبي هنا تكتيكي ظرفي وليس استراتيجي كما هو عمل “القاعدة” في أمكنة أخرى.
لبنان
وماذا عن مسعى اقتحام “داعش” للخاصرة اللبنانية من بلدة القاع؟ يقول: لبنان بالنسبة لـ”النصرة” و”داعش” لا يدخل ضمن إطار عملهما الاستراتيجي، التفجيرات الأمنية بالمعنى التي تشهده سورية وليبيا والعراق ليست متوفرة لوجود دولة متماسكة بالحد الأدنى وفعالية مقاومة أولاً، ولعدم وجود بيئة حاضنة تسمح لهما بحرية التحرك كما يتحركان في عدة دول.
يتابع النقاش حديثه: السلام في لبنان يسمح للتنظيمات الإرهابية إبقاء أرضه ممراً ومقراً آمناً لهم، من خلال غض النظر عن مراكز الإيواء..
هنا، بحسب النقاش، لا يمكن إزالة الحسبان من توجيه ضربات أمنية للبنان بغية ابتزازه حول مسائل محددة من قبَل الجماعات التكفيرية، كأن يقال للأجهزة الأمنية بضرورة الابتعاد عن بعض العناصر أو ما شاكل.. لهذا السبب الإشكالية الأمنية في لبنان مستمرة بين مد وجزر، لأنه جهة لبنان لا يمكن السماح لهذه القوى ابتزاز الدولة والشعب أمنياً إلى ما لا نهاية، فحُرية تصرف تلك القوى في سورية انطلاقاً من لبنان، سيقوي عودها في بلاد الشام، الذي من ضمنه لبنان كما الأردن وفلسطين.
“إسرائيل”
نسأل النقاش عن مدى نجاح “إسرائيل” في توريط حزب الله في أزمة سورية، والصراعات فيها لإرهاقه وثنيه عن مواجهتها، يرد: نظرياً، نعم سعت “إسرائيل”لتوريط الحزب في حرب سورية مع القوى التكفيرية، علّه يخسر بالحرب، لكن عملياً الذي حصل أن المقاومة راكمت على إنجازاتها السابقة تجربة ناجحة في سورية، فالحزب اليوم يمكنه أن يحرّك قوات على مستوى كتائب وألوية ضمن مساحة كبيرة، وهذا الأمر عسكرياً أمراً لا يستهان به، لأن تحريك عسكر عديده 400 مقاتل أو 2000 مقاتل دفعة واحدة في بقعة 5000 كلم2،وعلى جبهات تصل إلى 70 كلم يقلق الكيان “الإسرائيلي” جدياً، لأن المرونة التي تمتاز بها المقاومة من استخدام أسلحة خفيفة أو ثقيلة وصولاً إلى مستوى إحداثيات الصواريخ وتلقي الصور الجوية للطائرات من دون طيار، يجعل قدرات حزب الله من ربط ووصل وانتقال من خطة دفاعية إلى هجومية أمر لافت للغاية، فحزب الله يستطيع استخدام حرب العصابات التي يتقنها، كما يمكنه الانتقال الى جيش ديناميكي خفيف الحركة، وهذا النوع الجديد من القتال يؤرق دماغ “إسرائيل”، كونه يسمح له بظرف أيام قليلة من السيطرة على أراضٍ واسعة من شمال فلسطين.
يعود النقاش إلى تقارير “إسرائيل” في هذا المجال، وإشارتهم إلى أن حزب الله قلب معادلة إغراقه في سورية لصالحه، من خلال نفوذه الذي توسع جداً في سورية، وتجربته العسكرية الهجومية التي تخوّله التحرك باتجاه “إسرائيل” ليس من خلال الجبهة اللبنانية فقط بل من الجبهة السورية أيضاً..
وينهي النقاش حديثه بالقول إن المنطقة رغم شهودها لمعارك جانبية سيئة، شعوبها متجهة إلى نبذ أنظمة عميلة لـ”إسرائيل” وأميركا، هكذا يمكن اعتبار أن التضحيات بمستوى الأهداف، وبالتالي إن بذل الغالي والرخيص للوصول إلى هذه الأهداف خلاص للإقليم كله من قاذورة إسمها “إسرائيل” وهيمنة أميركية من خلال رجعية عربية.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق