التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 14, 2024

مدلولات «انقلاب» الموقف التركي من الملف السوري 

لقد أصبحت مرتكزات السياسة التركية السابقة من الماضي، إنقلاب في سلم الأولويات التركية في سورية، إذ تستحق تصريحات رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم إهتماماً كبيراً من أي محلل في الشؤون السياسية والعسكرية، يريد فهم ومعرفة توجهات تركيا سواء الإقليمية أوالدولية تجاه العديد من الملفات الشائكة والمعقدة، لان الرجل يمكن النظر اليه كلسان حال الرئيس التركي أردوغان، والحاكم الفعلي في تركيا.

فاذا كانت تصريحات رئيس الوزراء التركي السابق، أحمد داوود أوغلو جعلت البعض يشعر بالملل والكآبة بسبب تكرارها، خاصة تأكيداته على رحيل الرئيس الأسد، بالإضافة الى عزم بلاده إقامة منطقة عازلة بمباركة أمريكية تقتضي إقامة جيب في سورية يمتد من جرابلس في شرق الحدود الشمالية إلى مارع في غربها بطول 90 كيلومترا وبعمق 50 كيلو مترا أي بمساحة تقدر بـ 4 ألاف و 500 كيلومتر مربع، وبالمقابل فإن تلك التي أدلى بها يلدريم في مؤتمر صحفي عقده في مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة أنقرة أثناء انقعاد اجتماع لمجلس الوزراء ، جاءت مختلفة تماماً، وتتضمن الكثير من المدلولات والمواقف الجديدة والمفاجئات المختلفة، لانها تعكس تغييراً جذرياً في أولويات السياسة التركية تجاه سورية.

أوضح يلدريم أنّ الوضع الراهن في سورية لا يمكن أن يستمر، وإنّ حل الأزمة فيها ممكن، شرط أن يقدّم الجميع التضحيات اللازمة في هذا الخصوص، مشيراً أنّ على شركاء أنقرة الإستراتيجيين، وشركائها في التحالف الدولي، العمل على تضميد جراح سورية، ولفت يلدريم أنّ تركيا تقوم بواجباتها وتبذل ما بوسعها من أجل السلام وإحلال الأمن وفتح أبواب الحل في سورية، منوهاً، أنّ ثمار السياسات التركية المتبعة تجاه دول الجوار، بدأت تظهر في الأونة الأخيرة، وفي هذا السياق قال يلدريم: “من أجل رفع شأن تركيا في المنطقة، سنعمل على تعزيز وتقوية الدائرة الأمنية المحيطة بنا، وتوسيع شبكة الأصداقاء، ونسعى لتطوير علاقاتنا مع الجميع بمن فيهم روسيا والعراق وسورية ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الأوروبي”.

إن السبب الحقيقي وراء إصرار الرئيس أردوغان على اقامة المنطقة العازلة في سورية، هو ايجاد منطقة آمنة للمجموعات المسلحة، والتي يمكن ان تكون نقطة إنطلاق لهذه المجموعات لتشن هجماتها على الجيش السوري وكسر شوكته، التي مازالت عصية على الانكسار، وبالتالي إسقاط النظام في سورية، واذا لم تنجح هذه المنطقة في تحقيق هذا الهدف على الاقل ستساهم في تقطيع أوصال سورية وإضعافها، لكن الرياح اليوم لا تأتي كما تشتهي تركيا، فلم تنجح حتى الآن في تحقيق مطالبها في سورية، وإستصدار قرار يتيح لها إنشاء هذه المنطقة، وذلك بسبب صعوبة الحصول على قرار أممي لإقامة مثل هذه المنطقة، خاصة مع وجود قوة عسكرية قوية رافضة لها تتمثل بالجيش السوري والقوة الجوية السورية، والتخوف الأمريكي من الوقوع في المستنقع السوري، بالإضافة الى أن هناك رفض دولي لهذه الفكرة وإعتبارها إنتهاكاً صارخاً لسيادة سورية.
على صعيد متصل جاء الهجوم الإرهابي على مطار اسطنبول الذي نفذته مجموعة من قيادات داعش ليقلب الأولويات التركية في الحرب على الإرهاب رأسا على عقب، إذ أصبح تنظيم داعش الآن على رأس أهداف الأمن التركي بعد أن حوّل أردوغان في السابق نظره ونظر أجهزته الأمنية إلى الحرب على “حزب العمال الكردستاني”، وتحولت مناطق الجنوب الشرقي من تركيا،إلى ساحات مواجهة شبه يومية بين الطرفين، فيما كانت الفصائل الكردية على الجانب الآخر من الحدود، تخوض معارك صعبة مع داعش، وتحقق تقدماً في معظمها، وفي الوقت نفسه تسعى تركيا إلى مغازلة دول المنطقة التي كانت تختلف معها حول القضية السورية وعلى رأسها روسيا وإيران للتعاون معهما من أجل وضع حد للنزاعات التي تعصف بالشرق الأوسط وإعادة الاستقرار إلى المنطقة، ومن هذا المنطلق مدت تركيا يدها للمصالحة مع روسيا، كما بدأت قاعدة المصالح التركية الإيرانية تتقدم مجدداً بعدما تراجعت على وقع الأزمة السورية، حيث يحرص كل طرف على نوع من الموازنة في سياسته الإقليمية والدولية لاستثمارها بأفضل شكل ممكن، ويفهم من هذا الكلام أنهما وصلا إلى مرحلة متقدمة من التوافقات على العديد من قضايا العلاقة الثنائية والسياسية في المنطقة، ولعل التقارب بينهما بشأن الحل السياسي للأزمة السورية، ودور كل طرف في استقرار المنطقة، والتزام التعاون والتنسيق بينهما، يشكل عناوين لهذه الصفقات.

إن الإنقلاب الدراماتيكي فى الموقف التركي تجاه سورية، يعود الى صمود الشعب السوري وجيشه فى مواجهة المؤامرة، وصلابة الموقف الروسي الإيراني، بالإضافة الى تراجع الموقف الأمريكي والأوروبى عن اشتراطاته للحل فى سورية والتي كانت توجب رحيل الرئيس الأسد أولاً قبل الحل والجلوس إلى مائدة المفاوضات النهائية، كل هذه الأسباب والمتغيرات العربية والإقليمية والدولية كان طبيعياً أن يحاول أردوغان اللحاق بالركب في تغيير سياسته، وبذلك أدرك أردوغان متأخراً أن سقوط الدولة السورية لن يكون لمصلحة تركيا، كما كان يعتقد، بل إن انهيار الدولة سيؤدي إلى حدوث مشاكل داخل تركيا نفسها، ويدفع بالأكراد إلى إعلان دولتهم على الحدود مع تركيا، مما ستكون له تبعاته الحظيرة على وضع الأكراد داخل تركيا.

بعد تصريحات رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حول علاقات جيدة مع سورية، هل سنرى زيارة أمنية تركية لنقاش سياسي قي دمشق تمهيدا لعودة القنوات الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة؟
لا شك أننا اليوم أمام مرحلة جديدة، خاصة بعد تفجير مطار أتاتورك في اسطنبول، فضلاً عن العزلة التى تعانيها تركيا منذ شهور هى التي ترجح كفة الصوت الذي ينادى بتسوية الخلافات مع دمشق فى أسرع وقت ممكن، فتركيا الآن تقع تحت الحصار، حيث يطبق عليها الدب الروسى وبعض الدول الغربية، ومن جهة أخرى تقع تحت المواجهة من جانب الأكراد الذين يمثلون كابوسا فى رأس الدولة التركية، في إطار ذلك أصبح أردوغان مضطرا إلى التعامل مع الوضع الإقليمي بطريقة مختلفة، وإلى إعادة ترتيب الأولويات، وهذا يعني إتخاذ سياسة أقل تشددا في الأزمة السورية.

مجملاً….يمكنني القول إن الدلالات و التوقعات تشير الى أن يتوجه رئيس الوزراء التركي أو وفد رسمي الى دمشق، ومن تابع تصريحات وتهديدات الرئيس اردوغان في بداية الأزمة السورية لا يمكن ان يتوقع تراجع نبرته تجاه سورية في هذه الفترة، لذلك يبدو ان تركيا اقتنعت أخيراً، على قبول الحل السلمي للأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية دون التهديد باستخدام القوة ضد الشعب السوري.

الدكتور خيام الزعبي

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق