التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

بحر الصين الجنوبي والحرب الباردة: صراعٌ على الجغرافيا السياسية! 

خرج الرئيس الصيني “شي شين بينغ” ليُصرِّح – بعد صدور بيان الهيئة الدولية في لاهاي حول أحقية الفيلبين وعدم امتلاك الصين حقوقاً تاريخية في بحرها الجنوبي- بأن جزر بحر الصين الجنوبي هي أراضٍ صينية منذ العصور القديمة، وسيادة هذه الأراضي ومصالح الصين في بحرها الجنوبي لن تتأثر بالحكم تحت أي ظروف. وهو الأمر الذي شغل الكثير من المحللين، حول تطورات الحرب الباردة في منطقة الهادئ. خصوصاً أن عبارة “تحت أي ظروف” هي في الحقيقة تلميحٌ يحمل الكثير من الدلالات. فيما يمكن القول بأن ما يجري، هو من نتائج السياسة الأمريكية الهادفة، لإيجاد جغرافيا سياسية جديدة لصالحها. فماذا في قرار المحكمة وموقف الصين؟ وكيف تسعى واشنطن لإرضاخ بكين، في محيطها؟

قرار المحكمة وتصريحات المسؤوليين الصينيين

أعلنت وزارة الخارجية الصينية الخميس عدم اعترافها بقرار محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي، بشأن قضية الحقوق التاريخية الإستراتيجية حول مياه بحر الصين الجنوبي. حيث جاء القرار مؤيداً لموقف الفيلبين. فيما صرحت وزارة الخارجية أن القرار يُعد لاغياً وباطلاً وليس له أي سلطة إلزامية. وكان التصريح واضحاً، في الحديث عن أن السيادة الصينية على الأراضي والحقوق البحرية والمصالح في بحر الصين الجنوبي، لن تتأثر بأي حال من الأحوال بتلك القرارات. وكانت قد قضت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي يوم الثلاثاء المُنصرم، بأن الصين قامت بانتهاك حقوق الفيلبين السيادية في منطقتها الإقتصادية الحصرية. وأضافت بأن بكين ألحقت ضرراً بالغاً ببيئة الشُعب المرجانية من خلال بناء جزر صناعية. في حين بررت المحكمة ذلك، تماشياً مع إتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي وقعتها الدولتان الصين والفيلبين.

بحر الصين الجنوبي وحقيقة الحرب الباردة

عددٌ من المسائل يمكن مناقشتها وتوضيحها، من أجل معرفة حقيقة ما يجري في بحر الصين الجنوبي. وهو ما سنوضحه تالياً. فماذا في سلوك الصين الإعتيادي حول النقاط الخلافية؟ ولماذا تسعى واشنطن لخلق المشكلات بين دول بحر الصين؟ وكيف تسعى أمريكا لخلق جغرافيا سياسية تحضن مشروعها الإستراتيجي في حصار الصين؟

سلوك الصين الإعتيادي

تؤكد الصين دائماً على أن بحر الصين الجنوبي، يقع تحت سيادتها. وهو البحر الذي يُعتبر مساحة جغرافية غنية، بالجزر والشعاب المرجانية والثروات. وهي تستدلُّ على ذلك، من خلال الوثائق التي تقدمها دوماً، لإثبات سيادتها على هذه المنطقة منذ قرون. وهنا جرت العادة، أن تفتح الصين ومن خلال علاقاتها الدبلوماسية، أبواب المفاوضات حول النقاط الخلافية، لا سيما مع الدول التي تعتبر أن لها الحق في السيادة. مما جعل المفاوضات بين الصين وهذه الدول، سمة العلاقة السياسية بينهم.

أمريكا وبث الخلافات بين دول بحر الصين

بقي السلوك الصيني المُعتاد، وبقيت الأمور خاضعة للتفاوض الثنائي بين الصين ومختلف الدول التي تقدم ادعاءات في المناطق الواقعة في بحر الصين، إلى أن أصبحت واشنطن تبني علاقاتٍ مع هذه الدول، وتدفعها للجوء نحو المؤسسات الدولية، وإفتعال المشاكل بينها وبين الصين. وهو ما دفع بالفيلبين لتقديم دعوى إلى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي عام 2013، للبت في ادعاءاتها حول حقوقها هناك. في المقابل رفضت الصين أصل اللجوء للمحكمة، وتعاطت كأنها لم تكن، على إعتبار أنه لا حاجة للتوجه للمحاكم الدولية، في الأمور التي يمكن حلَّها عبر الطرق الدبلوماسية.

واشنطن تسعى لخلق جغرافيا سياسية لصالحها

عددٌ من الأمور تُثبت سياسة واشنطن، الهادفة لجعل المشكلات بين الصين والدول المحيطة ببحرها، أرضيةً لجغرافيا سياسية تصب في صالحها. وهو ما نُشير له بالتالي:

– مهَّدت واشنطن ومنذ سنوات، لواقعٍ من التوتر بين الصين والدول المحيطة ببحرها. وذلك عبر ترويجها الدائم، لوجود مشكلة بين الأطراف المحيطة ببحر الصين. وهو ما دفعها لإرسال أسطولٍ حربي من حاملة طائرات وسفن حربية الى المنطقة، تحت ذريعة دعم حلفائها. في حين تؤكد الصين دوماً، أنه لا يوجد مشكلة حول حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي.

– ولكي تُدعِّم واشنطن سياستها، سعت لزيادة التوتر في العلاقات عبر إقناع الدول المُحيطة ببحر الصين، بالتوجه للمحاكم. وهو ما أدى لزيادة مستوى التوتر بين الأطراف. فيما عملت واشنطن على جعل قرارات المحكمة، ضد المصالح الصينية، كثمنٍ لمضي تلك الدول في السياسة الأمريكية.

– كلُّ ذلك، يهدف لخلق واقعٍ جيوسياسي لصالح واشنطن. يجعل الدول المحيطة ببحر الصين، عاملاً يضغط بحد ذاته على واقع الصين في المنطقة.

كثيرةٌ هي دلالات السياسة الأمريكية في منطقة الهادئ. فيما يبدو واضحاً أن الحرب الباردة، بين كلٍ من الصين وواشنطن، تشتعل من وقتٍ لآخر. وهو ما يعني أن المشهد السياسي الذي قد يجمع الطرفين، لا يُعبِّر إلا عن نوعٍ من التوازن بالتراضي، يُجيد حياكته أطراف الصراع العالمي. فمن سينتصر في النهاية، في حربٍ باردةٍ تجري في بحر الصين الجنوبي، وتُعبِّر عن صراعٍ حقيقيٍ حول الجغرافيا السياسية للمنطقة هناك؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق