التحديات التي تواجه حركة أنصار الله لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية
رغم الإنجازات الملحوظة التي حققتها حركة أنصار الله في اليمن خلال السنوات الأخيرة في العديد من المجالات بفضل الدعم الجماهيري الذي تتمتع به وقدرتها على التعبئة الشعبية، لازالت هذه الحركة تواجه الكثير من التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي في شتى الميادين السياسية والأمنية والإقتصادية.
في هذا المقال سنتطرق إلى أهم هذه التحديات وسبل الخروج منها على ضوء الحقائق التاريخية والإجتماعية والمعطيات المتوفرة على أرض الواقع. وقبل الخوض في تفاصيل هذه التحديات لابد من الإشارة إلى أن حركة أنصار الله التي كانت تسمى في السابق بـ (حركة الشباب المؤمن) تأسست عام 1992 وكانت تتخذ من صعدة شمال البلاد مركزاً لها، كما عُرف أنصارها والموالين لها بإسم الحوثيين نسبة إلى مؤسسها “حسين الحوثي” وقائدها الحالي “عبد الملك بدر الدين الحوثي”. وأيدت الحركة الإحتجاجات الشعبية عام 2011 وإعتصمت مراراً في “ساحات التغيير” بصنعاء وصعدة، وخاضت إشتباكات مسلحة مع قوات نظام الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح.
أمّا التحديات التي تواجه أنصار الله في الوقت الحاضر فيمكن تلخيصها بما يلي:
الإجماع الوطني
يعتبر اليمن من الدول التي يغلب عليها الطابع القبلي والتي لا تخضع في معظم الأحيان لقوانين رسمية من أجل ضبط حركتها وإنتماءاتها لهذه الجهة أو تلك، والتي غالباً ما تتأثر بالولاءات الإجتماعية والروابط التاريخية والدينية. وقد أدى هذا الأمر إلى أن تعيش البلاد في حالة بعيدة عن الإجماع الوطني، وبات من الصعوبة تشكيل حكومة وطنية تجمع كافة الكيانات السياسية في البلاد، خصوصاً وإن اليمن كان منقسماً في السابق إلى شمالي وجنوبي إلى أن توحد في 22 مايو 1990. ولازالت بعض الحركات السياسية الجنوبية تطالب بفصل هذا الجزء عن الحكومة المركزية.
إنعدام الأمن والإستقرار
لم يشهد اليمن منذ عقود إستقراراً حقيقياً بسبب الإضطرابات الداخلية التي بلغت ذروتها في التظاهرات الشعبية عام 2011. ورغم التغيير السياسي الذي حصل في 2012 بعد تسليم علي عبد الله صالح السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي لم تستقر الأوضاع الأمنية، كما تدهورت الحالة الإقتصادية نتيجة الأخطاء الكارثية التي إرتكبتها الحكومات المتعاقبة على هذا البلد.
وبعد عزل منصور هادي عن منصبه في 22 يناير 2015 وسيطرة حركة أنصار الله على مقاليد الأمور في البلاد سارع النظام السعودي لشن عدوان واسع على اليمن بتاريخ 26 آذار 2015 بدعم من حلفائه الغربيين والإقليميين بقيادة أمريكا والذي لايزال مستمراً حتى الساعة. وقد أدى هذا العدوان إلى مقتل وجرح الآلاف من اليمنيين وتخريب البنى التحتية بما فيها المستشفيات ومحطات المياه والطاقة ومستودعات الأغذية والأدوية.
وهذا الوضع السياسي والإقتصادي المضطرب لم يوفر بطبيعة الحال الفرصة لحركة أنصار الله لتشكيل حكومة وطنية مستقرة قادرة على تلبية متطلبات وتطلعات الشعب اليمني في باقي المجالات. وقد أثر هذا الوضع المرتبك سلباً على هيكلية الجيش اليمني.
الضعف الإقتصادي
يعد اليمن من أفقر بلدان العالم بسبب ضعف إمكاناته المادية من جهة، والسياسات الإقتصادية الفاشلة التي إنتهجتها الحكومات السابقة من جهة أخرى، والحصار الشامل المفروض على البلاد منذ بدء العدوان السعودي قبل نحو 16 شهراً من ناحية ثالثة.
وقد زاد تدهور الوضع السياسي والأمني من تفاقم الوضع الإقتصادي الذي أثر بدوره على الأوضاع الإجتماعية والثقافية والتعليمية والخدمية في عموم البلاد. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من نصف اليمنيين يعيشون الآن تحت خط الفقر بسبب الأوضاع الإقتصادية المتردية.
إنعدام الثقة بين المكونات السياسية
يوصف اليمن بأنه بلد الإئتلافات السياسية السريعة الزوال؛ فهذه التحالفات لا تدوم سوى فترة قصيرة جداً ثم ما تلبث أن تنتهي مع أول عارض إجتماعي أو أزمة سياسية أو تدهور أمني، خاصة في ظل التدخلات الأجنبية التي تسعى لبث الفرقة وإثارة الخلافات بين هذه الأطراف السياسية، وهو ما تقوم به السعودية حالياً من خلال دعمها للجماعات الموالية لها بالأموال والسلاح خصوصاً في جنوب البلاد، بالإضافة إلى دعمها المتواصل للجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة التي تسعى لبث النعرات الطائفية وإرتكاب المجازر البشعة بحق الشعب اليمني.
وقد ساهم هذا الوضع المرتبك بمنع حركة أنصار الله من الإرتباط بتحالفات مع الأطراف السياسية الأخرى، وحتى تحالفها مع حزب المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبد الله صالح في الوقت الحاضر إنّما جاء إستجابة لحاجة أمنية وعسكرية لمواجهة العدوان السعودي على البلاد وليس بهدف تشكيل إئتلاف سياسي ضمن إستراتيجية ترمي إلى تشكيل حكومة إئتلافية لإنقاذ البلاد من التفكك والتشرذم السياسي في إدارة شؤون الدولة.
ضعف الهيكلية الإجتماعية
لم يشهد اليمن طيلة تاريخه الحديث إنسجاماً إجتماعياً واضحاً بسبب تباين إنتماءاته القبلية والطائفية، بالإضافة إلى الخلافات السياسية والتدخلات الخارجية، والتي أدت إلى حصول إنقسامات في شتى الميادين وإنشقاقات في صفوف الجيش والمؤسسات الحكومية نتيجة الولاءات المختلفة لهذا الطرف أو ذلك أو لهذه الدولة الأجنبية أو تلك لاسيّما السعودية.
الإفتقار إلى الخبرة في إدارة شؤون الدولة
الإفتقار إلى الخبرة في إدارة شؤون الدولة ووجود شخصيات نافذة ومؤثرة سياسياً يمنع من إتخاذ خطوات وإجراءات من شأنها ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية والإقتصادية، بسبب تنسيق تلك الشخصيات مع أطراف خارجية لتحقيق مكاسب شخصية أو فئوية على حساب أمن وإستقرار ومصلحة الشعب اليمني المظلوم.
الإعتراف الإقليمي والدولي
لا زالت حركة أنصار الله تواجه تحدياً آخر لا يقل أهمية عن التحديات الأخرى إن لم يكن أكبر، ويتمثل هذا التحدي بعدم إعتراف الكثير من الدول رسمياً بهذه الحركة خصوصاً أمريكا وحلفائها الغربيين، والسعودية وحلفائها الإقليميين لاسيّما من قبل دول مجلس التعاون ودول عربية أخرى بينها مصر. وهذا الأمر شكّل عقبة أساسية بوجه الحكومة التي تعتزم الحركة تشكيلها.
العدوان السعودي
هذا العدوان المتواصل منذ نحو ستة أشهر تسبب بإنشغال حركة أنصار الله عن التفرغ للهمّ الداخلي وتشكيل الحكومة وتوجيه الطاقات نحو إعادة بناء البلد الذي يعاني من النزاعات الداخلية والسياسات الفاشلة للأنظمة السابقة التي تعاقبت على حكمه طيلة العقود الأربعة الماضية.
ويعتقد معظم المراقبين في الوقت الحاضر بأن الشرط المهم والأساسي للبدء بتشكيل حكومة وطنية في اليمن يتطلب أولاً التحرك بإتجاه وقف العدوان السعودي ومنع تحرك عملائها في داخل البلاد لاسيّما في المدن الجنوبية، والتنسيق التام مع بقية الأطراف السياسية لتعزيز اللحمة الوطنية والسلم الأهلي بين كافة شرائح المجتمع، والإسراع بوضع خطط وبرامج إستراتيجية لإعادة الإعمار والنهوض بالقطاع الإقتصادي الذي يشكل الركيزة الأساسية لتثبيت الوضع السياسي وبسط الأمن في عموم البلاد.
المصدر / الوقت