قمة الساعات القليلة في نواكشوط، قرارات هزيلة و خلافات كبيرة
الوقت- تؤرخ القمة العربية في العاصمة الموريتانية نواكشوط، والتي اختتمت أعمالها مساء أمس الإثنين، لمرحلة جديدة من الجمود في العمل العربي المشترك، فبالرغم من أن القمم السابقة لم تتسم بالفاعلية والتأثير في القضايا العربية، إلا أن القمة الحالية كانت الأولى التي يحاول فيها القادة العرب، التنصل من استضافتها أو الحضور فيها، وقد نشهد في الأعوام المقبلة إلغاء كامل لهذه القمم “العبثية” كما يصفها البعض، وذلك في ظل هيمنة دول البترودلار وغياب الدور الفاعل من الأعضاء المؤسسين، أي الدول العربية الوازنة التي كانت تشكل القرار العربي خلال العقود الماضية والمتمثلة بسوريا والعراق ومصر.
اللافت أن عبء استضافة القمة تحملته موريتانيا البلد العربي الفقير، وذات التاريخ العريق في دعم القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، فيما اعتذرت الدول العربية الكبيرة والغنية، حتى عن الحضور فيها، الأمر الذي يعكس درجة الجمود في العمل العربي المشترك في الوقت الحالي.
محقة هي المغرب عندما اعتذرت عن استضافة القمة العربية في شهر شباط الماضي على أراضيها، بدعوى أنه لا تتوافر الظروف الموضوعية لإنجاحها، فهي لا تريد أن تكون سبباً في بيانات ومواقف عربية غير محسوبة ومفروضة بالقوة أو الإكراه أو الرشوة من قبل السعودية وبعض حلفائها، وذلك في ظل الأوضاع المأساوية التي يشهدها العالم العربي وهو يحترق من اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وانشغال مصر بمشاكلها الداخلية، وتفكك السودان وضياع ليبيا ووهن تونس ومشاكل المغرب وموريتانيا الإقتصادية والسياسية.
خلال هذه القمة لم تتردد السعودية كما في القمم السابقة في محاولة جر الدول العربية لقرارات تعزز من أهدافها ومواقفها ضد إيران وسوريا وحزب الله، وشرعنة حربها على اليمن، ودعم مواقفها المطبّعة مع الکیان الإسرائيلي، حيث كان لافتاً أن اجتماع القمة جاء بعد 48 ساعة فقط من زيارة وفد سعودي غير رسمي برئاسة اللواء المتقاعد أنور عشقي، للكيان الصهيوني، الأمر الذي وجد فيه مراقبون مسعى سعودي لتعبيد الطريق أمام تطبيع العلاقات السعودية الاسرائيلية.
إلا أن المساعي السعودية لاقت هذه المرة مقاومة من الدول العربية، والتي عبرت عن معارضتها بخفض مستوى التمثيل في القمة، كما أن كواليس المؤتمر التحضيري الذي سبق انعقاد القمة، دلت بوضوح إلى الاختلافات بين الدول العربية، ومعارضة السياسات التي تحاول السعودية إملاءها على بقية الدول، حيث أن الضغوط السعودية لم تفلح في اصدار قرار عن القمة باعتبار حزب الله، حركة ارهابية، مثلما فشلت ايضا في فرض مشاركة وفد للمعارضة السورية، ولو بصفة “مراقب” في المؤتمر، وجرى رفع العلم السوري الرسمي على سارية مقر المؤتمر بالوانه الحمراء والسوداء والبيضاء ونجومه الخضراء، وليس علم المعارضة، كما أن الكثير من الدول العربية لم تؤيد الموقف العدائي السعودي ضد إيران، وكان المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية أحمد عفيقي قد صرح قبيل انعقاد القمة بأن ثمة تباينا في وجهات النظر العربية حول الموقف من التدخل الإيراني في الشؤون العربية، والتوغل التركي في شمال العراق.
وقد غاب غالبية الزعماء العرب عن “قمة الأمل” وهو الاسم التي اختارته الجامعة العربية للقمة العربية الـ 27، حيث لم يكن لها من اسمها نصيب، واقتصرت مشاركة الزعماء على رؤساء السودان، جيبوتي، جزر القمر، وأمير الكويت، إلى جانب الرئيس اليمني المستقيل، عبد ربه منصور هادي، فيما اكتفى أمير قطر، تميم، بحضور جلسة الافتتاح. السبب الأساسي وراء هذا الغياب أن الزعماء العرب سئموا من لعب دور المصفق للسعودية التي باتت اليوم صاحبة القرار الأول في الجامعة العربية، والمشرعنة لكل التدخلات العسكرية في البلاد العربية من ليبيا إلى اليمن وسوريا، مما أسهم في تدمير هذه البلاد وتحويلها إلى ركام.
وكان للعراق دور بارز في التصدي للهيمنة الخليجية على قرارات القمة العربية، حيث وقف العراق الذي مثله وزير الخارجية ابراهيم الجعفري، ضد القرارات المشرعنة للعدوان على اليمن، كما كان له دور أساسي في منع اعطاء مقعد سوريا، لممثلي “معارضة الرياض”، وطالب العراق بقرار يندد بالتوغل التركي في الأراضي العراقية والضغط على تركيا لسحب قواتها العسكرية من الموصل، والتأكيد على ضرورة المواجهة المشتركة لمخاطر الارهاب، والتهديد الذي يمثله تنظيم داعش الارهابي لدول المنطقة.
من جانبها وسائل الاعلام في الجمهورية الاسلامية الإيرانية أدانت المساعي السعودية لاستغلال الجامعة العربية لتنفيذ مخططات عدائية ضد إيران، ورسم صورة وهمية عن ايران على أنها “معادية” للدول العربية، وكتبت صحيفة “جوان انلاين” مقالا عبرت فيه عن الموقف الإيراني من قمة نواكشوط، وقالت الصحيفة: “نحن من جانبنا نعتقد ان على الزعماء العرب لو ارادوا دعم الشعوب العربية حقا خلال قمة نواكشوط، فعليهم في قمتهم هذه الإهتمام بآلام الشعوب العربية وفي مقدمتها محاربة الارهاب ودعم الشعب الفلسطيني للتخلص من الاحتلال الصهيوني، لا ان يكرروا اتهاماتهم المشروخة السابقة، مرة اخرى ضد إيران.” وأضافت الصحيفة “إننا نعتقد ان الشعوب العربية ورغم المحاولات المشؤومة لتضليلها، باتت شعوب واعية تعرف العدو من الصديق وتدرك جيدا ان الدولة الوحيدة التي تزود المقاومة الفلسطينية بالسلاح هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وليست تركيا او السعودية او قطر او اي دولة اخرى في هذا العالم”.
في المحصلة، إن الجامعة العربية وقممها ستستعيد عافيتها، عندما يستعيد العراق وسوريا ومصر واليمن عافيتهم، ولن يتحقق ذلك إلا عندما يتم التخلص من الارهاب، واستئصال جذوره، واستعادة عمود خيمة الجامعة العربية، أي التمحور حول القضية الفلسطينية، وهي الأمور التي تقف السعودية على النقيض منها تماماً.
المصدر / الوقت