الإتفاق النووي: كيف سيكون الرد الإيراني على نكث الغرب بتعهداته؟
بعد 13 عاماً من المد والجزر بين طهران والغرب، أبرمت الجمهورية الإسلامية الإتفاق النووي بعد مفاوضات شاقّة في جنيف على صيغة “رابح-رابح”، حيث قدّم كل طرف شيئ، وخسر شيئاً آخر مقابل إغلاق “الملف” مع الإحتفاظ بحق فتحه من جديد في حال أخل أحد الطرفين بإلتزماته.
اليوم، وبعد مرور أكثر من عام على الإتفاق ثبُت إلتزام طهران بتعهداتها وفق ما أعلن المتحدّث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي الذي قال: ” إن إيران التزمت عملياً ببنود الإتفاق ونحن بدورنا إلتزمنا أيضاً بهذه البنود”، في حين أن نص تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) جاء فيه: تؤكد الوكالة على أن إيران لازالت ملتزمة بتنفيذ إلتزاماتها التي نصت عليها وثيقة الإتفاق النووي.
في المقابل، لم تلتزم واشنطن بتعهّداتها محاولةً نقل الملف إلى البرنامج الصاروخي وحقوق الإنسان، حيث إتهمت طهران أمريكا بتنفيذ 10 % من إلتزاماتها النووية، فضلاً عن تهديد مرشحين الرئاسة الأمريكية بنسف الإتفاق، وقدّ علّق قائد الثورة الإسلامية على هذه التصريحات بالقول”ان الجمهورية الإسلامية لا تنقض الإتفاق النووي، لكن في حال نقضه الطرف المقابل حيث أن مرشحي رئاسة الجمهورية الأمريكية يهددون الآن بتمزيق الإتفاق النووي، فإننا سنحرقه”.
ماذا يعني حرق الإتفاق؟
بعد أن ثبت إلتزام طهران بتعهداتها، مقابل نسف واشنطن لكافّة تعهداتها المبرمة في الإتفاق النووي، يبدو أن طهران وصلت إلى طريق مسدود تحدّث عنه عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الاسلامي، جواد كريمي قدوسي قبل مدّة، فهل ستبقى ايران مكتوفة الأيدي؟ وإلى متى ستبقى طهران ملتزمة بتعهداتها النووية في ظل نكث الطرف الأخر؟ ماذا يعني حرق طهران للإتفاق؟
إن المراجعة الدقيقة لسير 13 سنة من المفاوضات تميط اللثام عن رد طهران المرتقب، فضلاً عن العديد من التصريحات الجديدة التي ظهرات على لسان المسؤولين الإيرانيين في مؤسسة الطاقة النووية الإيرانية وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى بعض التجارب السابقة.
تجربة “سعد آباد”
أبرمت طهران أولى إتفاقاتها النووية مع دول الترويكا الأوروبية وقتها (فرنسا ألمانيا وبريطانيا) في تشرين الاول من العام 2003، بما يعرف “إتفاقية سعد آباد” حيث فاوضت حكومة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، الذي كلّف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الشيخ حسن روحاني، الرئيس الحالي، بإدراة الملف. أوقفت اتفاقية سعد اباد، ولاحقاً اتفاق باريس وبروكسل، كافّة أجهزة الطرد المركزي التي كان عددها 305. بعد سنتين من عدم إلتزام الترويكا بتعهداتها جاء الرد الإيراني قاسياً حيث فضّت حكومة الرئيس خاتمي، التي وقعت الاتفاق، الأختام وأعلنت استئناف النشاط النووي قبل يومين من تسلم الرئيس أحمدي نجاد مقاليد الحكم في العام 2005، الذي عمل بدوره على تسريع العجلة النووية لتزداد أعداد أجهزة الطرد المركزي من 300 إلى الآلاف، فضلاً عن تفعيل العمل بمفاعل آراك للمياه الثقيلة وارتفع حجم اليورانيوم المخصب.
التجربة الثانية
مع نزع الإختام وتسريع العجلة النووية أضاف الغرب سلسلة جديدة من العقوبات ضد طهران، بغية إجبارها على وقف التخصيب، الذي تخلّت عنه طوعاً في اتفاقية “سعد آباد”، وقد أصدر مجلس حكام الوكالة للطاقة الذرية، 12 قراراً ضد إيران، إضافة إلى ست عقوبات من مجلس الأمن على خلفية البرنامج النووي، وعقوبات أخرى صدرت عن الكونغرس الأمريكي.
لم تعبأ طهران بالعقوبات الجديدة التي أغلقت الأرض والسماء والبحر بوجهها، الأمر الذي أجبر أمريكا في العام 2006 على الدخول في المفاوضات التي تعرف بـ”5+1″، لتبدأ بعدها مماطلات أمريكية تارةً عبر العمل على وضع العصي في العجلة النووية، وأخرى عبر عقوبات لإقتصادية تثقل كاهل طهران، إلا أن ردّ طهران جاء صاعقاً هذه المرّة أيضاً حيث رفع الإيرانيون نسبة التخصيب من 3.5% إلى 20%، تبعت ذلك عمليات إنتاج قضبان الوقود النووي. آنذاك، أصرّ المفاوضون الغربيون على المماطلة، معتبرين كلام المفاوض النووي سعيد جليلي ” إننا قادرون على إنتاج الوقود النووي بنسبة 20%، وعلى صنع قضبان الوقود النووي بأنفسنا” مناورة دبلوماسيّة لا أكثر، إلا أن المفاجئة هذه المرّة جاءت على لسان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي إفتتح تدشين خط إنتاج الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% بجهود إيرانية بحتة ومن دون أي مساعدة خارجية. لم تكتفي طهران برد الـ20%، بل هدد مجلس الشورى الإيراني الغرب برفع مستوى التخصيب إلى 60 في المئة.
تجربة “خطوة بخطة”
حاولت روسيا في العام 2011 الدخول بشكل جدّي على خط المفاوضات عبر مقترحها “خطوة بخطوة” حيث شملت المباحثات كافة مفاصل المشروع النووي، وكافة أشكال الحظر وكان. بعد مباحثات موسكو، في حزيران 2012، برزت قناعة جديدة لدى الغرب حول ضرورة العمل على ورقة المقترحات الإيرانية. قناعة شاهدنا أثارها في رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي خامنئي، بالحاجة الأميركية للحوار.
بعد تسلّم الرئيس روحاني مقاليد الحكم، وكذلك تسلّم محمد جواد ظريف مقاليد التفاوض النووي في العام 2013، أظهرً ليونةً دبلوماسيّة أفضت إلى إلغاء الحكومة الجديدة، كبادرة حسن نيّة، نسبة الـ20%، ووافقت على نسبة 3.6 %، وقد سارع الغرب إلى الثناء على “التراجع الإيراني”. في جنيف أعلن عن اتفاق إطار يعترف بحق إيران بتخصيب اليورانيوم، وإنتهى الأمر بالإتفاق النووي، والذي حمل في طياته صفقة “خطوة بخطو” حيث تنهي طهران برنامجها النووي مؤقتاً مقابل رفع العقوبات الغربية.
تجربة الإتفاق النووي
إن تجربة الإتفاق النووي لا تنذر بالخير، خاصّة أن أمريكا لم تلتزم بتعهداتها معتقدةً أن طهران غير قادرة على إستعادة عجلتها النووي بعد صب “قلب أراك” بالإسمنت وتعطيل أغلب أجهزة الطرد المركزي، ولكن يبدو جلياً أن طهران التي تلتزم بتعهداتها، تمهل الطرف الأخر وقت كافي للتراجع عن “نكثه بالعهد”، ولكن لا تهمله. لا تنتظر طويلاً حتى تعلن عن مفاجئة نووية تهزّ أركان الطرف المقابل، وقد أعلن المتحدث بإسم منظمة الطاقة الذرية الايرانية بهروز كمالوندي أنه”في حالة اثبات خرق الغرب خطة العمل المشترك الشاملة من قبل لجنة الاشراف على الاتفاق النووي، فإن امكانية عودة ايران الى المربع الاول من التخصيب قائمة وكما قال قائد الثورة، “يمكننا صناعة 100 الف وحدة تخصيب خلال شهر ونصف الشهر”. ربمّا يضحك المفاوض الغربي، كما ضحكوا على “مناورة الـ20%” لسعيد جليلي، ولكن هل سيستيقظون بعد مدّة على مشاركة الرئيس الإيراني بحفل تدشين خط إنتاج الوقود النووي وتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% بجهود إيرانية بحتة ومن دون أي مساعدة خارجية؟. هنا يعلّق إحدى المراقبين في الشأن النووي على ردّ طهران المرتقب: إذا إستمر الغرب بنقض تعهداته أو مزّق الرئيس الأمريكي الجديد الإتفاق النووي، نعم، ستحرق طهران الإتفاق، ولكن بوقود نووي مخصّب بنسبة 60%.
المصدر / الوقت