المساعي الإسرائيلية لدعم استقلال الأكراد: مصالح وأهداف
لم تعد العلاقة الوثيقة بين الأكراد والكيان الإسرائيلي، أمراً سرياً. في وقتٍ خرجت فيه تصريحات قادة الکيان الإسرائيلي، للحديث عن ضرورة إقامة دولة كردية مستقلة. وهو الأمر الذي يوضح مسار انفتاح الكيان على بعض الأطراف، لأسباب تعود لمصالحه الخاصة. حيث تعددت الأسباب، بين تقسيم سوريا والعراق، ومحاصرة تركيا، على الرغم من أن الأخيرة تسعى لعلاقات مع تل أبيب، الى جانب أهدافٍ خفية أخرى. فماذا في مساعي الكيان الإسرائيلي لدعم الأكراد في إقامة دولة مستقلة؟
تقريرٌ حول أهم الإعترافات الإسرائيلية بدعم قيام دولة كردية
خلال هذا العام، تصاعد الحديث العلني في تل أبيب عن علاقات قديمة بينها وبين الأكراد لا سيما في شمال العراق. في وقتٍ خرج مسؤولون في الکيان الإسرائيلي، ليُعبِّروا عن دعمهم لقيام دولة كردية، دون إخفاء هدف تفكيك العراق وسوريا إلى دويلات. وهو ما يخدم مصلحة الكيان الإسرائيلي.
بداية الشهر الحالي، خرج رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مؤتمرٍ نظمه معهد دراسات الأمن القومي، للحديث عن دعمه للدولة الكردية المستقلة في العراق، معتبراً حمولات النفط الكردي التي تصل الكيان الإسرائيلي، تعبيراً عن استمرار العلاقات السرية التي ربطت الجانبين منذ سنوات طويلة. فيما وضع نتنياهو هذه العلاقة، بموقع الأولوية اليوم، خصوصاً في ظل التطورات الحاصلة والتغيرات التي تجري في المنطقة، والتي لا بد من أن تواكبها تل أبيب ببناء تحالفات مع أطراف يمكن أن يكونوا شركاء مصالح. خصوصاً في ظل التغيرات التي ستُنهي مرحلة ما بعد اتفاقية سايكس بيكو.
من جهته صرَّح المحلل الإسرائيلي “أرييه شافيط”، بأن اللقاءات التي عقدها كلٌ من شمعون بيريز وأفغدور ليبرمان، مع مسؤولين أمريكيين وفرنسيين في باريس مؤخراً، هدفت لتشكيل مساع دولية، من أجل مساعدة الأكراد في بناء دولة مستقلة، يعترف بها العالم. مؤكداً أن ذلك يتعلق بحجم العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والأكراد، ومدى تجاوبهم مع المصالح الإسرائيلية.
كذلك فإن “ميخايل هرتسوغ” الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط والجنرال الإحتياط في الجيش الإسرائيلي، أشار في حديث صحفي بداية الشهر الحالي، الى أن تل أبيب تحاول اليوم دعم الأكراد في استقلالهم، لأن ذلك يعني تفكيك سوريا والعراق بالتحديد، وإبتزاز تركيا.
أما وزير التعليم الإسرائيلي السابق غدعون ساعر، فكان آخر من طالب بدعم الأكراد. حيث حثَّ دوائر صنع القرار في تل أبيب بدعم إقامة دولة كردية مستقلة، خصوصاً في ظل الإنهيار الحاصل في الشرق الأوسط اليوم. موضحاً بأن العلاقة بين “إسرائيل” والأكراد بدأت منذ أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفيد بن غوريون، سياسة “تحالف الأطراف”، والتي فرضت قيام تعاون قوي بين الجانبين الكردي والإسرائيلي.
مصلحة الكيان الإسرائيلي في دعم استقلال الأكراد
بعد التقرير الذي يُوجز مساعي تل أبيب لبناء علاقة استراتيجية مع الأكراد، فإن السؤال الأهم هو: ما هي مصلحة تل أبيب في قيام دولة كردية؟
إن الإجابة على السؤال، تعني الإلتفات الى المصالح التي تسعى لها تل أبيب. فالجموح الإسرائيلي في تأمين كل ما يساهم في استقلال الأكراد، ليس حباً بهم، بل سعياً لتحقيق مصالح الكيان الإسرائيلي، وهو ما يجب أن يلتفت له، الأكراد تحديداً، الى جانب الأطراف التي تتغنى بعلاقتها بالكيان، لا سيما الطرف التركي، الذي يسعى لبناء مصالح مع الكيان الإسرائيلي، على الرغم من دعم الأخير لإستقلال الأكراد. فماذا في مصلحة الكيان الإسرائيلي؟
أولاً: حلم “دولة (إسرائيل) الكبرى”
خلال عام 2003، كشف الصحفي الأمريكي “واين مادسون”، عن مخطط إسرائيلي لتقسيم العراق، تحقيقاً لحلم “إسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات”. الأمر الذي لا يمكن أن يتم، دون تقسيم العراق، وتحويله الى ولايات تحكمها المذهبية والعرقية. وهو ما يدعمه تقوية الأكراد عبر دعمهم وتسليحهم. فيما أوكل اليهم الإسرائيليون مهمة شراء أراضٍ يعتبرها الصهاينة ملكية تاريخية لهم، حيث يوجد فيها أضرحة لأنبياء بني إسرائيل.
ثانياً: تقسيم العراق وسوريا ومحاصرة تركيا
لا شك أن مراجعة تاريخ الكيان الإسرائيلي، يجعلنا نجد أن استمرار الكيان يقوم على إضعاف الآخرين، لا سيما ضمن الجغرافيا السياسية الأهم بالنسبة لتل أبيب. وهو الأمر الذي يمكن أن ينطبق على كلٍ من العراق وسوريا. حيث أن الدولتين هما من الدول العربية المركزية في سياسة العالم العربي. وبالتالي فإن تقسيم هذه الدول، وتفكيكها، يعني القضاء على قرارها العربي. حيث أن سوريا، تنتمي لمحور المقاومة، وهو الأمر الذي بات ينطبق على العراق اليوم. مما يعني أن تفكيك هذه الدول، سيؤدي بالنتيجة الى ضرب محور المقاومة، الذي تتزعمه إيران. فيما لا يمكن ضمان ذلك، حيث أن الجغرافيا السياسية للأطراف، باتت اليوم رهن تطورات الأوضاع المستقبلية.
فيما يخص تركيا، فإن علاقتها بالكيان الإسرائيلي كانت متوترة دوماً، ولم تمر بفترة من الإستقرار السياسي. في حين تبدو مساعي أنقرة للتقارب مع تل أبيب كبيرة اليوم، لا سيما بعد شعور تركيا بالعزلة الدولية، وهو ما قد تشترك فيه مع الكيان الإسرائيلي. بينما سيكون ملف الأكراد، نقطة خلافٍ بين الطرفين، تجعلها تل أبيب، ورقة إبتزاز لأنقرة.
ثالثاً: المصلحة الإقتصادية الإسرائيلية
إن الجانب الخفي من العلاقة، هو المصلحة الإقتصادية لتل أبيب. حيث أن ما يُقارب 75% من نفط الأكراد، هو من حصة الكيان الإسرائيلي بحسب ما ينقل خبراء إقتصاديون. فيما كشفت صحيفة “معاريف” خلال عام 2014، عن أن شركات مقاولات كبيرة، تقوم بالإستثمار في إقليم كردستان، منذ فترة. وهو ما يدل على جذور العلاقة بين الطرفين. في وقت يقوم الموساد بإدارة هذه العمليات، لخدمة الأمن القومي الإسرائيلي، عبر عمليات تجارية وإقتصادية كبيرة، يرأسها “داني ياطوم”، رئيس الموساد السابق.
لا شك أن البعض تجمعه مصالح مع الكيان الإسرائيلي. فيما يبدو واضحاً أن تل أبيب تستفيد من الجميع، ففي وقتٍ تسعى فيه للتقرب من تركيا، تقوم بتقوية علاقتها مع الأكراد وهو ما لا يناسب أنقرة بتاتاً. الأمر الذي يستوجب فهم الطرفين التركي والكردي، لحقيقة أن المصالح الإسرائيلية هي الدافع لهذا الإنفتاح. وهو ما ستثبته الأيام المقبلة.
المصدر / الوقت