إنتصارات الجيش السوري في حلب نقطة تحول إستراتيجية في الحرب على الإرهاب
بعد سلسلة من الإنتصارات الباهرة تمكن الجيش السوري وقوات المقاومة المتحالفة معه من إحكام حصارها على مدينة حلب شمال غرب البلاد بعد تطهير الطريق الحيوي المعروف بـ “الكاستيلو” الذي يصل بين أحياء حلب الشرقية ومعاقل الجماعات الإرهابية في الريف الشمالي ككفر حمرة وعندان وحريتان وأجزاء واسعة من حي “بني زيد” وحي “الليرمون”.
وقد إعترفت الجماعات الإرهابية بمقتل المئات من عناصرها وتدمير العشرات من المدرعات والآليات التابعة لها في هذه العمليات التي بدأت منذ شهر تقريباً والتي يمكن القول بأنها حسمت إستراتيجياً بعد أن تمت السيطرة على منطقة “مزارع الملاح” التي تتمتع بميزات جغرافية هامّة، حيثُ يحدّها من الشرق “مخيم حندرات” الواقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة، ومن الغرب “الأرض الحمراء” التي تعد إمتداداً لأراضي مدينة “حريتان” الواقعة أيضاً تحت سيطرة المسلحين، ومن الشمال إمتداد لأراضي “باشكوي” وحندرات الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري، ومن الجنوب طريق الكاستيلو شريان المسلحين بإتجاه الأحياء الشرقية لحلب.
وبهذا التقدم والسيطرة يكون الجيش السوري قد أغلقَ آخر طرق إمداد الجماعات المسلحة المتمركزة بأحياء شرق حلب والتي تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية (300 ألف مدني يقطنون الأحياء الشرقية).
كما تؤمن هذه السيطرة نقطة إرتكاز هامّة للجيش السوري لفتح محور عمليات جديد نحو مخيم حندرات وتوسيع طوقه عبر الذهاب نحو مزارع حريتان وصولاً لمبنى “الكارفور” الواقع على طريق “حلب – غازي عنتاب”. وقد أمّنَ هذا التقدم إتساع رقعة وعمق مساحة الأمان للبقعة التي تتضمن الأراضي الواصلة بين المنطقة الصناعية وطريق نبل والزهراء.
وكان الجيش السوري مدعوماً بالمقاومة قد دخل حي “بني زيد” بعد فرار إرهابيي ما يسمى “جبهة النصرة” و “جيش الفتح” ومجموعات “نور الدين الزنكي” بإتجاه بلدة حريتان المجاورة ومنها إلى ريف أدلب تاركين وراءهم الأسلحة والذخيرة.
وتكمن أهمية السيطرة على “بني زيد” في الحدّ من القصف العشوائي للجماعات الإرهابية التي كانت متمركزة في هذا الحي بإتجاه المدنيين في حلب ما يمنح رقعة أمان أوسع في المنطقة. كما ستقطع هذه السيطرة الشريان الحيوي الوحيد المتبقي لإرهابيي الأحياء الشرقية لحلب الذي كانت تَعبُر من خلاله إمداداتهم، خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار قرب الحي من منطقة “ضهرة عبد ربه” ومنها إلى مدينة حريتان خط إمداد الإرهابيين عبر ريف أدلب ومنه إلى الحدود التركية.
وتتيح السيطرة على حي “بني زيد” كذلك تنسيقاً أكبر بين الجيش السوري والوحدات الكردية في حي “الشيخ مقصود” تمهيداً لفتح جبهة جديدة بإتجاه “معامل الشقيف” و “مخيم حندرات” شمال حلب، وإبعاد خط التماس مع الجماعات المسلحة إلى خارج الحدود الشمالية لمدينة حلب لتصبح على تماس مع الريف الشمالي.
ويكتسب حي بني زيد أهمية إستراتيجية لجهة حسم معارك حلب نظراً لموقعه الجغرافي وشدة التحصينات التي أقامتها العصابات الإرهابية فيه على مدى 4 سنوات والبنية غير المنظمة والمتشابكة لأبنيته التي هي بالأساس عشوائيات أقيمت على هامش المدينة.
وكان حي “بني زيد” قد وقع تحت سيطرة الجماعات الإرهابية في منتصف تشرين الأول 2012، بعدما دخله مسلحو ما كان يعرف سابقاً بـ “لواء شهداء بدر ” بزعامة “خالد الحياني” قبل أن يقتل برصاص الجيش السوري العام الماضي خلال إشتباكات في المنطقة.
وتوخى الجيش السوري وحلفاؤه بشكل أساسي من وراء هذه العملية، إنهاء الوجود المسلح للإرهابيين في الأحياء المذكورة ومنع تدفقهم إليها من الحدود التركية عبر ريف أدلب وصولاً إلى منطقة “الكاستيلو – الليرمون”، كما إستهدفت العملية إيقاف قصف الإرهابيين المتواصل على أحياء حلب كافة وطريق الكاستيلو الذي كان يستخدم لإدخال الأسلحة والعربات المفخخة إلى حلب.
في هذه الأثناء أفاد مصدر ميداني أن عملية الجيش العسكرية في “الليرمون” الصناعية قادت إلى مد النفوذ على منطقة واسعة من المعامل التي كانت تشكل عصب الإقتصاد في حلب ويقع بعضها على مقربة من طريق الكاستيلو من جهة مستديرة الليرمون التي سبق للجيش وأن سيطر عليها نارياً.
ومن شأن مواصلة الجيش تقدمه بإتجاه “ضهرة عبد ربه” الحيوية أن يفرض معادلة ميدانية جديدة في كل المنطقة، حيث يضع قدمه على أرض الكاستيلو ويشرف نارياً على الصالات الصناعية لـ “الليرمون” وهي التي تتمركز فيها “جبهة النصرة” وتشن منها هجمات نحو حي الزهراء الذي كان يقع جزء منه تحت سيطرتها.
لهذه الأسباب مجتمعة، وبسبب الخسائر الكبيرة المترتبة على تقدم الجيش السوري على هذه المحاور، تسعى الجماعات المسلحة إلى تنفيذ هجمات سريعة لا يمكن وصفها سوى بـ “الإنتحار الجماعي” كما عبّر عن ذلك الناطق بإسم حركة “أحرار الشام” حيث تستميت هذه الجماعات وعلى رأسها “حركة نور الدين الزنكي” و “جبهة النصرة” لإحراز أي تقدم في هذا المحور، أو منع الجيش السوري من تثبيت دفاعاته في المنطقة، إلاّ أنَّ كافة هجماتهم قد فشلت، ومُنيت الفصائل المشاركة فيها بخسائر كبيرة بالعدّة والعتاد.
ويعتقد المراقبون بأنه لم يبقَ أمام الجماعات الإرهابية المتبقية في أحياء حلب الشرقية إمّا الهروب إلى أرياف أدلب كما فعلت غالبية الجماعات المسلحة مع قادة أساسيين بإعتراف صفحاتهم، أو إنتظار الموت الذي سيلقونه في حال بقائهم، أو الإستسلام للجيش السوري الذي تعهد بأنه لن يترك المدنيين تحت رحمة هذه الجماعات داخل الأحياء الشرقية، خصوصاً وأن الجيش قد سيطر على مخازن ومعامل كبيرة لتصنيع القذائف والصواريخ التي تصنع من قبل المسلحين، فضلاً عن آليات وعتاد كثير.
المصدر / الوقت