قادة أمنيون إسرائيليون: حرب “لبنان الثالثة” يجب ألا تطول وإلا فإن خسائرنا ستكون كبيرة
تناولت صحيفة “إسرائيل اليوم” آراء خبراء ومحللين عسكريين حول اخفاقات حرب تموز عام 2006 واستخلاص الدروس منها تمهيدًا للمواجهة القادمة مع حزب الله، في الذكرى العاشرة للعدوان الإسرائيلي.
وذكّر التحقيق الصحفي الذي نشره الموقع الإلكتروني للصحيفة، بما قالته لجنة “فينوغراد”، التي حققت في اخفاقات الحرب: “لو كان من المعروف مسبقًا بأنه لا يوجد استعداد أو إمكانية لتحقيق الانتصار، فقد كان من الأجدر الامتناع منذ البداية عن الخروج للحرب أو إلى خطوات من شأنها التدهور نحوها”.
وأشار تحقيق “إسرائيل اليوم” إلى أنه بعد 10 سنوات من الحرب، و8 سنوات على كتابة تقرير “فينوغراد”، يستدل من قراءة متجددة لصفحاته التي بلغت 629 صفحة، أن هذا المفهوم الذي لم يتم اقتباسه كان كما يبدو سبب الفشل: فضعف وعي القيادة الإسرائيلية هو الذي زرع كما يبدو، الاخفاقات الكثيرة في حرب لبنان، وهو الذي يعتبر مفتاحًا لفهم تسلسل الأحداث التي قادت إلى ما يعتبر حتى اليوم من قبل الكثيرين بمثابة إخفاق كبير، بينما يعتبره آخرون فشلًا مدويًا.
وأوضح أن “الدقة التاريخية تحتم التذكير بأن أول من وضع الإصبع على هذا النقص الأساسي لدى قيادة تلك الأيام – الطموح إلى الحسم والانتصار الذي ميّز الجيش في السابق، كان العميد احتياط أهران لبران، من كبار قادة شعبة الاستخبارات سابقًا. فلبران الذي كتب الكثير من الدراسات في مجالات الجيش والأمن، لاحظ فور انتهاء الحرب الاخفاقات في القدرات العسكرية للجيش، ودور القيادة السياسية، لكن ما أثاره بشكل خاص هو هذا النقص”.
واستمرت حرب لبنان الثانية 34 يومًا. وبدأت بهجوم مخطط من قبل حزب الله في المنطقة الحدودية، في الحادث الذي تم خلاله أسر جنديين إسرائيليين، وقتل ثلاثة آخرين.
وجرّ هذا الحدث الهجوم الإسرائيلي الجوي المكثف، ومن ثم إلى عملية برية مترددة، ترافقت على مدار عدة أسابيع بالتردد والنقاش الداخلي الصعب: هل يمكن السماح للجيش الإسرائيلي بخوض عملية برية والى أي حد.
وتم خلال الحرب، تجنيد 89 ألفًا من جنود الاحتياط الإسرائيلي، ولكن في أي مرحلة من مراحل القتال لم يتواجد على أرض لبنان أكثر من 10 آلاف جندي في نفس الوقت.
وفي بداية العدوان بدأ حزب الله بقصف الجبهة الداخلية الإسرائيلية بقذائف الهاون والصواريخ. وتم تغطية الجليل كله، بل هوجمت حيفا بالصواريخ طويلة المدى. وقتل نتيجة لذلك 44 إسرائيليًا و12 جنديًا، وأصيب حوالي 2000 بجراح متفاوتة. وترك حوالي ثلث سكان الشمال بيوتهم وانتقلوا إلى منطقة المركز “تل أبيب” وجنوبًا. وتضررت الكثير من الأملاك.
واتضح أن جاهزية القوات البرية الإسرائيلية للحرب كانت متدنية. سنوات المواجهة الطويلة مع الفلسطينيين، وخاصة الانتفاضة الثانية، سحقت جاهزية الجيش للمواجهة مع حزب الله.
ويشعر رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي خلال السنوات التي سبقت الحرب، الجنرال احتياط غيورا آيلاند – والذي استقال قبل نصف سنة من اندلاعها- بأن النقاش حول الربح والخسارة في حرب “لبنان الثانية” استهلك نفسه.
ويقول “إن المسألة الجوهرية هي هل تعلمنا ما يجب أن نتعلمه لكي ندير حرب “لبنان الثالثة” بشكل أفضل من الثانية؟!”، معربًا عن اعتقاده بأن “تقرير “فينوغراد” لم يذكر بشكل مدهش جدًا أكبر خطأ حدث في حرب “لبنان الثانية””.
هذا الخطأ، حسب آيلاند، كمن في النظرة الإستراتيجية الإسرائيلية إلى حزب الله على أنه “العدو الأساسي”.
وأضاف أنه “على مدار أسابيع طويلة جدًا، كانت الحكومة اللبنانية والبنى التحتية اللبنانية خارج اللعبة. وكانت النتيجة أن العالم سلم بالحرب. واستغرقت الحرب 34 يومًا، وبالنسبة للعالم كان يمكنها أن تستمر لهذه الفترة. حقيقة أن “إسرائيل” وحزب الله يقتل أحدهما الآخر لم تترك أي أثر خاص. لو تم الإسراع بشكل أكبر إلى ضرب لبنان وبشكل أوسع، لأدى ذلك إلى تقصير فترة الحرب”، على حد تعبيره.
وتابع آيلاند يقول : “اليوم، يتفق الجميع على أن المصلحة الإسرائيلية هي خوض حروب قصيرة، ولكن ما الذي سيحدث إذا اندلعت حرب “لبنان الثالثة”؟ هل ستكون قصيرة؟ لقد تحسنا ظاهرًا، استخلصنا العبر، طورنا القوة الهجومية، والقوة الدفاعية، ولكن هناك مصطلح يسمى “تناسب القوى”، وحين أضع الجيش الإسرائيلي أمام حزب الله، أجد أننا تحسنا فعلًا، ولكن بمفهوم القدرات العسكرية الشاملة، تحسن حزب الله أكثر منا”.
وبيّن أن لدى حزب الله صواريخ أكثر مما كان لديهم آنذاك، ومداها أصبح أكبر. إنهم يغطون بسهولة كل أجواء “إسرائيل”. ولديهم رؤوس حربية أكبر، كما أن إخفائها في المناطق المأهولة أصبح أفضل، وكذلك تحسنت دقة الصواريخ لديهم. يمكن للصاروخ الدقيق إصابة أكثر النقاط الحساسة لديك، سواء كان المطار أو المستشفيات أو ميناء أو محطة للطاقة.
ولفت آيلاند إلى أن “إسرائيل” صغيرة مع عدد قليل من البنى التحتية القومية المعروفة أماكنها. نتيجة اطلاق صواريخ كهذه يمكن أن يكون سيئًا جدًا. “إذا تواصلت حرب “لبنان الثالثة” 34 يومًا، مثل حرب “لبنان الثانية”، ستكون النتائج أصعب عدة أضعاف، لأنه ومن دون علاقة بالسؤال حول عدد رجال حزب الله الذين سنقتلهم مقارنة بالحرب السابقة، سيكون الضرر لدينا أكبر بكثير ولن نستطيع القول بأننا نجحنا”، كما قال.
وأكد آيلاند أن لجنة “فينوغراد” وقعت في فخ التفاصيل، منوهًا إلى أنها “دخلت إلى القرارات التكتيكية، لكنها لم تصل إلى المستوى الاستراتيجي، ولم تسأل الأسئلة المبدئية حول فرضيات الحكومة”.
ويتفق الجنرال احتياط عاموس يدلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية خلال حرب لبنان، مع ما يطرح آيلاند.
وقال إن “لبنان لم يدفع الثمن الذي كان يجب أن يدفعه. “إسرائيل” استجابت للضغط الدولي ولم تسبب للبنان ما يكفي من الضرر. لقد أوصينا أنا ورئيس الأركان، لكن القيادة السياسية برئاسة أيهود أولمرت، قررت الرفض”.
وشدد يدلين على أن إحدى الطرق لتقصير الحروب الأخرى تكمن في “توجيه ضربة قاسية للبنى التحتية القومية الداعمة للحرب، كمحطات الطاقة والمواصلات”، مشيرًا أن الذي “يصغي لخَلفه في شعبة الاستخبارات الجنرال هرتسي هليفي، وسمعه يصرح بأن “لبنان سيدفع ثمنًا باهظًا جدًا إذا هاجمنا حزب الله”، يفهم بأنه تم غرس هذا الوعي لدينا”، كما قال.
وحسب ادعاء يدلين فإن “الجيش و”إسرائيل” مستعدان اليوم لحرب “لبنان الثالثة”، إذا اندلعت، بشكل أفضل بكثير من حيث التدريبات والخطط والنظريات”.
بدوره، اعتبر عضو لجنة فينوغراد البروفيسور يحزقيل درور، أن استمرار تواجد وزير الحرب الإسرائيلي في حينه عمير بيرتس، “الذي لا يفهم بالأمن” في الحياة السياسية، فضيحة.
وأعرب درور عن أسفه لأنه لم يتم معاقبة أولمرت على سلوكه في حرب لبنان، وطرده فقط لأسباب أخرى. رئيس الأركان فقط، دان حالوتس، “الذي لم يسلك بشكل لائق” دفع الثمن الذي كان مجديًا دفعه.
واستذكر درور كيف “هرب أصحاب مناصب، إلى منطقة المركز. لقد دخلوا إلى السيارات وانصرفوا، ومن بينهم رؤساء بلديات. كان يجب معاقبتهم، وهذا لم يتم. هذا يعتبر بمثابة خيانة للمنصب في ساعة الحرب”.
وفي سؤاله عن توقعه لموعد اندلاع حرب “لبنان الثالثة” والاستعدادات لها، ” يجب الاستعداد لعدة احتمالات. في حال وقوع حرب أخرى يجب تفعيل ضربات حاسمة أو عمل القليل والكفيل بتلقين الدرس او الكثير المدمر. في الحرب القادمة يجب الاستعداد لهجمات “السايبر”. على الجبهة الداخلية أيضًا الاستعداد بما يتفق مع مستودعات صواريخ حزب الله”.
المؤرخ العسكري العميد الياشيف شمشي، الذي حلل في كتبه العديد من المعارك على المستوى التكتيكي والنظامي، بما في ذلك حرب لبنان، يوافق على أن المشاكل والفشل على المستويات العليا أثرت على الوحدات القتالية، لكنه لا يعفي الألوية المقاتلة من المسؤولية عن نتائج الحرب.
وقال شمشي: “أنا، كباحث عسكري، يهمني ما حدث فعلًا على أرض الواقع، ومن كانوا في لبنان هي الكتائب التي خاضت المعارك، التي قمت بدراسة بعضها، وكانت المشكلة الرئيسية في مجال الروح القتالية وقيم الحرب”، على حد تعبيره.
ومضى يقول :”القادة خرجوا إلى الحرب دون أن يكونوا مستعدين لدفع ثمنها، ولم يفعلوا كل شيء من أجل الانتصار. التمسك بالمهمة أصبح ثانويًا، والأهم كان إعادة الجنود إلى البيت بسلام. هذا وضع غير محتمل يمنع تقبله بتاتًا. لقد تجاهل القادة أن اختبارهم الأول هو تنفيذ المهام والانتصار في المعركة”.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق