التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

الصهاينة يسعون لإبتلاع المسجد الأقصى من خلال “التقسيم الزماني والمكاني” 

ضمن مساعيه المتكررة لتهويد المسجد الأقصى المبارك والسيطرة عليه، طرح الكيان الإسرائيلي منتصف عام 2012 مسودة مشروع داخل أروقة الكنيست (البرلمان) لتقسيم المسجد مكانياً وزمانياً بين المسلمين واليهود، وهي الخطة التي بدأ تطبيقها بالفعل مع الإقتحامات التي يقوم بها المستوطنون تحت رعاية الحكومة وقوات الأمن والشرطة الإسرائيلية.

وهذه الفكرة طرحها اليمين الإسرائيلي بقيادة “حزب الليكود” تمهيداً لتهويد المسجد الأقصى، من خلال تكريس سياسة إقتحام المسجد والإعتداء على المرابطين داخله، وفرض تقسيم ساحاته زمانياً بين الفلسطينيين والمحتلين الإسرائيليين في غير أوقات الصلاة كمرحلة أولية يتبعها تقسيم مكاني، ثم السيطرة الكاملة عليه لاحقاً، وتغيير هويته ببناء ما يسميه الكيان الإسرائيلي “الهيكل الثالث” مكان قبة الصخرة.

التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى

يهدف هذا المشروع إلى تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، ويتفرع إلى مرحلتين أساسيتين، الأولى هي التقسيم الزماني، والتي تقضي باقتسام ساعات وأيام الأسبوع والسنة بين اليهود والمسلمين. أيّ يكون لليهود أيام خاصة لهم وحدهم داخل الأقصى خلال أعيادهم، ويكون لهم أوقات طوال أيام الأسبوع خاصة بهم أيضاً، كان أبرزها كل يوم صباحاً من الساعة 7:30 حتى الساعة 11:00، وفي فترة الظهيرة من الساعة 1:30 حتى الساعة 2:30.

أما التقسيم المكاني فيهدف لإقتطاع مساحات خاصة باليهود داخل المسجد الأقصى، تمهيداً لإقتطاع مساحات تصبح أشبه بكنيس توراتي داخل المسجد.

وبدأت إجراءات الإحتلال الفعلية لتقسيم الأقصى عام 1967 مع إحتلال مدينة القدس وما تبقى من أراضي فلسطين بعد النكبة؛ فقد إقتحم آنذاك الجنرال “مردخاي جور” المسجد مع جنوده، ورفع علم الكيان الإسرائيلي على قبة الصخرة، وحرق المصاحف ومنع الصلاة فيه، كما صادر مفاتيح أبواب المسجد وأغلقه أسبوعا كاملاً، حيث مُنعت فيه الصلاة ولم يرفع الأذان.

وأعيدت المفاتيح إلى الأوقاف الأردنية التي تولت شؤون المسجد، بإستثناء مفتاح باب المغاربة المخصص حالياً لإقتحامات المستوطنين. ومنذ تولي الأردن إدارة الأوقاف وشؤون المسجد الأقصى، حُددت فترتان: صباحية بين الساعة السابعة والنصف والعاشرة، وأخرى مسائية بين الواحدة والثانية ظهراً، لدخول السياح الأجانب إلى المسجد.

وما زال الكيان الإسرائيلي يرفض حتى اليوم إعادة مفتاح باب المغاربة؛ لإستخدامه في إدخال اليهود والمتطرفين إلى المسجد، بدون إذن الأوقاف. كما تم الإستيلاء على حائط البراق، وتحويله إلى مزار لليهود؛ بينما منع المسلمون من دخوله.

وبعد إندلاع إنتفاضة الأقصى عام 2000، التي أطلق شرارتها إقتحام زعيم حزب الليكود آنذاك “أرييل شارون” للمسجد الأقصى، أصبح الكيان الإسرائيلي يتحكم بحركة الدخول والخروج ضمن الوقتين المحددين، وشرع في إدخال مجموعات من المستوطنين إلى المسجد بحراسة أمنية.

ولم تتوقف إقتحامات المستوطنين عند السير في مسالك محددة ومغادرة باحات الأقصى، بل تطور الأمر إلى إقتحامات وإعتداءات للجيش الإسرائيلي طالت المصلّى القبلي، فضلاً عن إصدار قرارات ضد الفلسطينيين ممن يحاول منع إقتحامات المستوطنين.

ويتيح الكيان الإسرائيلي للزوار من غير المسلمين زيارة المسجد من الساعة السابعة حتى الحادية عشرة صباحاً، وهو الأمر الذي يستخدمه كغطاء لإقتحامات المستوطنين للمسجد، في حين يضيّق الخناق على المصلّين المسلمين، ويمنع فئات منهم من دخول المسجد.

ويشارك العديد من المسؤولين الإسرائيليين بالإقتحامات التي تجري في المسجد، بينهم وزراء وأعضاء في “حزب الليكود” الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، الأمر الذي يشير إلى دعم حكومي كبير للجماعات المتطرفة التي تقتحم الأقصى.

ويعيد التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى للأذهان تجربة المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة، حيث قُسِّم المسجد بين المسلمين واليهود بعد المجزرة التي إرتكبها الإرهابي الصهيوني “باروخ غولدشتاين” بحق المصلين خلال صلاة فجر من يوم 25 فبراير/شباط 1994 (14 رمضان 1414 ه.ق)، والتي أدت إلى إستشهاد 29 فلسطينياً وجرح 150 آخرين.

وبعد ذلك قررت لجنة عسكرية إسرائيلية إقتطاع أكثر من نصف المسجد وتخصيصه للمستوطنين، مع إغلاقه تماماً أمام المسلمين أثناء الأعياد اليهودية. ومن حينها لم يعد المسجد الإبراهيمي خاصاً بالفلسطينيين وحدهم.

وكانت صحيفة “يديعوت أحرونوت” نقلت في وقت سابق خبراً عن مسودة إقتراح مشروع لإقامة صلوات يهودية في المسجد الأقصى، تقدمت به عضو الكنيست “ميري ريجب” من حزب الليكود وعضو الكنيست “فحاليق بار” من “حزب العمل” الذي صرّح بأنه فخور بتقديم مثل هذا المشروع، وقد سبقه تصريح “إيلي بن دهان” وهو من حزب “البيت اليهودي” ونائب وزير الأديان أنه أنهى وضع لوائح وترتيبات لصلوات يهودية في المسجد الأقصى، وهي بانتظار مصادقة رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو”، الأمر الذي يشير إلى أن هناك إجماعاً صهيونياً حول طرح هذا الملف.

وبحسب “يديعوت أحرونوت” هدّدت “ميري ريجب” بأنها ستعمل على إغلاق المسجد الأقصى أمام المسلمين في حال تصدّيهم لمثل هذه الصلوات أو إقتحامات المسجد الأقصى، وقالت إنها ستمضي لإقامة صلوات يهودية رسمية وعلنية في “جبل الهيكل” حسب التسمية الصهيونية للمسجد الأقصى.

وأشارت ريجب أيضاً إلى أنها ستتوجه إلى المحكمة الإسرائيلية العليا إذا لم يوافق نتنياهو على هذا المقترح الذي يتضمن إستخدام اللباس والشعارات والممارسة “التعبدية” الرسمية في الأقصى.

ورغم أن المسجد الأقصى بكامل مساحته الـ 144 دونماً، ما فوق الأرض وما تحتها، يعد حقاً خالصاً للمسلمين وحدهم دينياً وتاريخياً وفي وثائق الأمم المتحدة أيضاً؛ إلاّ أن مكر الكيان الإسرائيلي تسلل من باب آخر وتمكن من الحصول على دعم كبير في الكنيست لتقسيم أوقات الصلاة في الأقصى، وكذلك إيجاد مساحات من المسجد تخصص لليهود في أوقات معينة، ويمنع في أوقات أخرى دخول أيّ مسلم للمسجد خاصة في مواسم الأعياد والإحتفالات اليهودية، كما يمنع رفع الآذان للصلاة في أوقات أو أيام معينة، ما يعني أن مقترح قانون “ريجب” يقضي بتقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً.

وفي وقت سابق أمر نتنياهو بإغلاق المسجد الأقصى ومنع أيّ مظاهر للمنع أو التصدي لإقتحامات اليهود أو صلواتهم في المسجد الأقصى، ومعاقبة كل من يحاول ذلك، ولو برفع الصوت، بغرامة تصل إلى 50 ألف شیکل، أيّ ما يعادل حوالي 14 ألف دولار، تدفع لليهودي حين يمنع من إقتحام الأقصى.

ومع تصاعد بطولات الفلسطينيين في التصدي للمستوطنين والجيش الإسرائيلي، ومنعهم من تدنيس المسجد الأقصى وباحته والدخول في مواجهات معهم، أعلن وزير “الأمن الداخلي” في الكيان الإسرائيلي “جلعاد أردان” عن مشروع يهدف إلى إبعاد المرابطين بالقوة خارج الأقصى وتعبيد الطريق نحو المستوطنين لدخول المسجد بحرية.

في سياق متصل أشار رئيس قسم الخرائط في “بيت الشرق” خليل التفكجي إلى أن الحفريات التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي تهدف في الحقيقة إلى تغيير معالم الأقصى ووضع الرواية اليهودية مكان الرواية الإسلامية في محاولة لفرض أمر واقع بواجهة دينية عبر طمس المعالم الإسلامية وإبراز اليهودية المزعومة مجسدة في الهيكل المزعوم. وأوضح التفكجي إن سلطات الكيان الإسرائيلي بصدد إقامة متاحف حول ساحات الأقصى لتغيير معالمه وجلب السياح وإقناعهم بالرواية الإسرائيلية عن أصل المدينة.

الخلاصة

ما تفعله سلطات الإحتلال في القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك سبق لها وأن قامت به وفعلته في الحرم الإبراهيمي بالخليل عام 1994. وكان لعدم الإعتراض الجدّي من قبل العرب والمسلمين إزاء ذلك، العامل الرئيس في نقل الفكرة وتطبيقها في المسجد الأقصى خلال أقل من 20 عاماً، ما يشكل خطورة بالغة على مستقبل المسجد.

وتعتقد سلطات الإحتلال بأن الظروف الحالية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط قد لا تتكرر في المستقبل المنظور، ما يعني أنها في عجلة من أمرها لتنفيذ التقسيم المكاني نظراً لإنشعال الكثير من الدول العربية والإسلامية بأوضاعها الداخلية مما يسهل عليها تنفيذ مخططها التقسيمي بحق الأقصى بأقل خسارة ممكنة.

أخيراً ينبغي القول بأن تقسيم المسجد الأقصى لم يعد مخططاً فقط، بل بات أمراً تعمل سلطات الكيان الإسرائيلي على تطبيقه بالقوة على أرض الواقع بهدف التعجيل بنزع الهوية والسيادة الإسلامية عن المسجد ونزع صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الإحتلال. وتسارعت هذه الإجراءات مع محاولات السيطرة على أرض المسجد وتغيير معالمه الدينية بإدعاء أن لليهود أماكن في هذا المكان المقدس. أيّ بمعنى آخر تغير الأسلوب المتبع من قبل سلطات الإحتلال من الإعتداء على المسجد الأقصى إلى الإعتداء على هوية المسجد.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق