تأثیر جماعة “غولن” على التطورات السياسية والإجتماعية في تركيا
تمتلك جماعة المعارض التركي “فتح الله غولن” التي يطلق عليها أيضاً إسم “إمبراطورية غولن” نفوذاً كبيراً في مختلف المجالات، ولديها صحف وإذاعات وتلفزيونات ومؤسسات مالية وتجارية ومدارس وجامعات ومساكن للطلبة في داخل البلاد وخارجها لاسيّما في بلدان آسيا الوسطى والقوقاز.
وتمكنت هذه الجماعة من إستثمار إمكاناتها في مجال الإعلام والتعليم والقطاعات الإقتصادية والتجارية إلى جانب فعالياتها السياسية والثقافية والدينية على الصعيدين الداخلي والخارجي. كما تتمتع بنفوذ واسع في أوساط الأجهزة الأمنية والقضائية والسياسية التركية وبعلاقات وثيقة مع إتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك المعروف إختصاراً بإسم (توسكون). ويعتقد بعض المراقبين بأن غولن هو الزعيم الروحي لهذا الإتحاد الذي يضم في صفوفه 7 لجان إقتصادية و 211 منتدىً عمّالياً و 55 ألف عضو في مختلف أنحاء تركيا.
وتقدر رؤوس الأموال المتداولة لهذا الإتحاد بأكثر من 30 مليار دولار يتم إستثمرها في مصارف وشركات ومراكز مالية مهمة، ومناجم للمعادن من بينها منجم لإستخراج الذهب في محافظة “إزمير” الميناء الرئيسي لتركيا في جزئها الآسيوي. ولتوسكون فروع في شتى المجالات التجارية والإعلامية والتعليمية في مدن رئيسية بالعالم بينها واشنطن وموسكو وبكين وأديس أبابا.
إلى جانب ذلك تملك جماعة غولن مراكز إقتصادية مهمة في الكثير من المدن التركية بينها بوسا وأنقرة وإسطنبول ومرسين وآدابازاري، بالإضافة إلى 473 شركة و أكثر من 73 منتدىً إقتصادياً. كما تملك مصنعاً لإنتاج السيارات في مدينة “قونية” التي تعتبر من أهم المدن الإقتصادية في تركيا. وقد شارك في إفتتاح هذا المصنع رجال أعمال وممثلون عن 27 بلداً من مختلف أنحاء العالم.
وتنشط جماعة غولن في أكثر من مئة دولة في مجالات عديدة وتقيم علاقات قوية مع عدد من هذه الدول. كما أن أركان الجماعة يقيمون في أمريكا ولهم علاقات قوية مع عدد من الأشخاص والمؤسسات المؤثرة هناك.
وتمكن تيار غولن أيضاً خلال السنوات الماضية من إختراق المؤسسات الإعلامية القضائية والعسكرية في تركيا. وأظهر شريط مسرّب “فتح الله غولن” وهو يحث أتباعه على التخفي وعدم الظهور قبل أن يتمكنوا من السيطرة على جميع الأجهزة والمؤسسات الإستراتيجية، ويطلب منهم كذلك “شراء قضاة” لكسب القضايا في المحاكم.
وعملت الجماعة سنين طويلة بصمت على تخريج القيادات وزرعهم في القضاء والشرطة والإستخبارات وغيرها، وبلغت عملية التغلغل هذه ذروتها بعد تحالف الجماعة مع حزب العدالة والتنمية برئاسة “رجب طيب أردوغان”، لكن الحكومة تنبّهت أخيراً وسعت للحد من هذا التغلغل.
وظل حزب العدالة والتنمية منذ إستلامه للسلطة بعد أول إنتخابات خاضها في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2002، متحالفاً مع جماعة غولن حتى إنهار هذا التحالف بعد نحو عشر سنوات إثر تراجع نفوذ العسكر ومحاكمة الإنقلابيين.
وحتى عام 2013، كان غولن حليفاً لأردوغان في إستراتيجيته الإقتصادية، كما كان جزءاً من الإستراتيجية الإجتماعية لإستعادة المحافظين في البلاد. وكان لهما عدو مشترك متمثل في العلمانيين الحاضرين بكثافة في الإدارة التركية.
وأدرجت الحكومة التركية إسم غولن لأول مرة في ملف التحقيق بقضية “الكيان الموازي” بصفة مشتبه بإدارة مجموعة إرهابية، ووجهت التهم للعديد من الإعلاميين والصحفيين بالسعي للتأثير على الرأي العام ضد الحكومة التركية بتعليمات وأوامر من غولن. كما اتُّهمت جماعة غولن بإعلان الحرب على حكومة حزب العدالة والتنمية عبر تسريب أشرطة تنصت غير مشروعة وفبركة تسجيلات صوتية.
ولم تؤسِّس جماعة غولن حزباً سياسياً ولا إحترفت العمل السياسي؛ بل كانت تسعى دائماً للتغلغل في مؤسسات الدولة، مكتفية في الإنتخابات بدعم مرشحين أو أحزاب معينة، مثل حزبي “الطريق القويم” و “الوطن الأم”.
وفي الوقت الذي تبتعد فيه الجماعة عن العمل السياسي الحزبي، فإنها تنهمك في التحالف مع الأحزاب السياسية في مقابل الدعم والإمتيازات، وتعمل على التغلغل في مؤسسات الدولة والوصول إلى المناصب العليا في مختلف المؤسسات تأهباً لمشروع سياسي مستقبلي.
ورغم تأكيد الحركة بأن مجال إشتغالها في الميادين الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، يرى خصومها بأن صراعها مع حكومة أردوغان يكشف إنخراطها في العمل السياسي من خلال أعضائها والمتعاطفين معها، إلى جانب تصريحات مؤسسها “غولن” الذي إنتقد مراراً قرارات الحكومة، وسبق أن إتهم أردوغان بجر البلاد نحو الديكتاتورية.
ويبدو أن نفوذ غولن المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999، لايزال ممتداً في كواليس الكثير من القطاعات التركية، لاسيّما الجيش، ما يفسر إتهام أنقرة له بالوقوف وراء الإنقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا مؤخراً. وقال روبرت أمستردام، أحد محامي الحكومة إن “هناك دلائل تشير إلى أن غولن يعمل بشكل وثيق مع بعض أعضاء القيادة العسكرية ضد الحكومة المنتخبة”.
والسؤال المطروح: هل ستقوم أمريكا بإعادة غولن إلى تركيا؟، خصوصاً وإن هناك إتفاقية بين أنقرة وواشنطن سارية المفعول تقضي بإعادة المتهمين من الجانبين، وبموجب هذه الإتفاقية أعادت تركيا الكثيرين ممن طالبت بهم السلطات الأمريكية للتحقيق معهم في قضايا الإرهاب أو غيرها من القضايا العادية.
في هذه الأثناء كشف وزير العدل التركي “بكير بوزداغ” أن بلاده لديها معلومات عن إحتمال هروب غولن من أمريكا إلى أستراليا أو المكسيك أو كندا أو جنوب أفريقيا أو مصر، متهماً في الوقت نفسه السلطات الامریكية بعلمها بأن غولن ضالع في محاولة الإنقلاب في 15 تموز/يوليو.
المصدر / الوقت