السياسة الخارجية التركية .. هل تتغير؟
ترك الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا تأثيرا واضحا على الشؤون الداخلية والخارجية لهذا البلد وتسعى التحليلات التي تقدم في هذا المجال الى شرح ما يدور في تركيا وحولها، ومن بين القضايا التي تجذب الاهتمام في هذه الايام كثيرا هو وجود “حقيقة واضحة” بأن هيمنة وسيطرة اردوغان قد تصدعت على الرغم من فشل الانقلاب وبقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة ونزول المواطنين الى الشوارع في مواجهة العسكريين الانقلابيين.
ان هذه الحقيقة ستترك تأثيرها على السياسة الداخلية ونوع التعامل مع العسكريين وطبيعة التعامل والحوار مع كافة التيارات السياسية والقومية المعارضة وكذلك كيفية التعامل مع الرأي العام ووسائل الاعلام والجماعات المتنفذة سواء الاقتصادية منها او السياسية، كما ستؤثر حتما على نوع العلاقة بين حكومة اردوغان وباقي التيارات والجماعات.
ويجب الانتباه انه وبعد مضي اسبوعين تقريبا على حدوث الانقلاب الفاشل فإن اسلوب تعامل اردوغان مع الآخرين متشدد وقاس جدا حيث تم اعتقال عشرات الآلاف ووضعهم في قفص الاتهام، كما حدث جدل آخر حول وسائل الاعلام ومواجهة اخرى بشأن تنظيم القوانين وقضايا من هذا القبيل، لكن فيما يتعلق بالقضايا الخارجية فالسؤال الرئيسي هو مدى تأثير هذا الانقلاب الفاشل من جهة ونجاح الحزب الحاكم في البقاء من جهة اخرى على السياسة الخارجية واولوياتها ومؤشراتها.
كما يبدو هناك مؤشرات على وجود تأثير للانقلاب الفاشل على المسار السياسي والسياسة الخارجية لأن السياسة الخارجية ليست مفصولة عن السياسة الداخلية، وعندما نقيّم مواقف الدول الكبرى مثل امريكا وروسيا والمؤسسات الدولية مثل الاتحاد الاوروبي وكذلك كافة دول المنطقة ازاء تركيا نجد ان هؤلاء قاموا بتغيير نظرتهم الى السياسة الخارجية التركية ويتبعون نمطا سياسيا جديدا ازاء هذا البلد.
ومن اجل هذا لايمكن الفصل بين الاوضاع التي نجمت عن الانقلاب التركي وبين السياسة الخارجية مع وجود احتمالات وتوقعات بحدوث تعديل في هذه السياسة الخارجية.
ومن جهة اخرى تتزايد الضغوط الداخلية في تركيا مع استمرار عمليات الاعتقال التي تؤثر سلبا على نظرة باقي الدول ومنها الاتحاد الاوروبي وامريكا، مع الأخذ بعين الاعتبار ان كل شرخ وتباعد بين تركيا والعالم الغربي سيؤدي الى تقارب تركيا مع روسيا وايران.
ان تغيير النظرة هذا يأتي في وقت تواجه تركيا هواجس جدية فهناك القضية السورية وموضوع تنظيم داعش الارهابي والقضية الكردية ومسألة تنظيم التعامل مع الدول الجارة وهذا فقط جانب قليل من التحديات التي تواجهها تركيا.
واذا عجزت حكومة العدالة والتنمية في استعادة هيمنتها بسرعة واذا استمرت الاضطرابات وحالة الطوارئ فإن القوة السياسية لهذه الدولة ستتلقى ضربة من الخارج بمعنى ان استمرار الاوضاع الراهنة ستؤثر سلبا على قوة تركيا في التأثير على محيطها الخارجي.
ومن القضايا الهامة الاخرى التي ينبغي الوقوف عندها هو الدور الرئيسي والمحوري للعسكريين في تركيا فهؤلاء ركن اساسي في اي تغيير يحصل في المنطقة ولذلك اذا استمر في تركيا اذلال العسكريين واعتقالهم ومواجهتهم فهذا سيؤثر سلبا على السياسة الامنية التركية في المنطقة.
ان عدم الوثوق بالقسم الاعظم من الجيش وتغييره في المستقبل سيضع اردوغان امام تحديات اكبر واكثر جدية ولذلك ينبغي على الحكومة ان تكسب ثقة الجيش من جديد وتدرك بأن استمرار هذه الاوضاع المتغيرة وغير المستقرة له أثر سلبي على المحيط الخارجي.
المصدر / الوقت