الاستيطان ومكانته في الاستراتيجية الاسرائيلية
يندرج بناء المستوطنات اليهودية في الاراضي الفلسطينية تحت اطار عملية تثبيت الحدود السياسية للكيان الاسرائيلي وما يسمى بـ “نظام الدفاع المناطقي” حيث تؤدي المستوطنات دورا امنيا مزدوجا فهي من جهة تستخدم لمواجهة الازمة الامنية الناتجة عن وجود الاقلية العربية التي تسكن في الاراضي المحتلة ومن جهة اخرى تستخدم ايضا للرد السريع على اي هجوم عسكري مفاجئ بالاضافة الى جمع المعلومات.
ان الكيان الاسرائيلي قد أخذ بعين الاعتبار حاجاته العسكرية والجغرافية والتخطيط المدني في سياساته الاستيطانية وقضية بناء المستوطنات اليهودية فهذا الكيان ومنذ نشأته اتبع استراتيجية عسكرية كان من بديهياتها ايجاد بلدات مسلحة لتستخدم في الدفاع المناطقي لكن الدور الاساسي لهذه المستوطنات المتصلة ببعضها البعض في اطار نظام الدفاع المناطقي يتخطى المهام الدفاعية فوجود المستوطنات يقدم الخدمات التالية ايضا لكيان الاحتلال.
1- السيطرة على الاقلية العربية في الاراضي المحتلة عبر كسر ارادة المقاومة لديهم ومنع بلورة اي نوع من النشاط السياسي أو الثقافي في اوساطهم لاجبارهم على الهجرة.
2- التغلغل في اراضي الدول العربية المحاذية لفلسطين وخاصة في العقود الماضية لمهاجمة الكتل الفلسطينية الموجودة هناك وكذلك حراسة المناطق الحدودية.
ان المستوطنات اليهودية تحتوي بداخلها تحصينات واجهزة وعتاد عسكرية وامكانيات ومؤن متناسبة مع مهامها الامنية والمطلوب منها عرقلة القوات المهاجمة على الكيان الاسرائيلي في حال نشوب الحرب عبر تكتيك شن الحرب المناطقية.
وتتلخص بعض مهام نظام الدفاع المناطقي للمستوطنات اليهودية في النقطتين التاليتين:
الحفاظ على امن الجبهة الداخلية ليتفرغ الجيش لمهامه الرئيسية القتالية الهجومية.
ايجاد حاجز دائمي امام خطر المنظمات العربية للكيان الاسرائيلي والايحاء بأن هذا الكيان هو حصن منيع وان اماكن اسكان اليهود هي محصنة.
وينبغي التأكيد ان هذه المهام تندرج ايضا في اطار ضرورة ايجاد عمق استراتيجي للكيان الاسرائيلي غير الشرعي واللقيط الذي يبحث دوما عن ايجاد الأمن على حدوده ويعتبر العمق الاستراتيجي حاجة ملحة جدا.
ان الكيان الاسرئيلي ومن اجل ايجاد عمق استراتيجي لنفسه يتبع الاساليب العسكرية التالية:
الأخذ بزمام المبادرة بشكل دائمي عبر اتباع سياسة هجومية وشن الحروب الوقائية ضد الدول العربية ونقل المعركة بسرعة الى اراضي الاعداء لأن هذا الكيان يدرك جيدا المشاكل التي تنجم عن حرب طويلة في هذه المنطقة الحساسة.
ايجاد عمق استراتيجي مزيف ومصطنع قائم على اساس تفوق دائمي في مجل امتلاك الاسلحة كمّا ونوعا.
الاعتماد على كادر بشري كفوء ومحترف وكذلك القدرة على التعبئة السريعة والفورية.
اعفاء الجيش النظامي من المهام الثانوية مثل حماية المنشآت الحيوية وخطوط المواصلات لضمان جهوزية الجيش في تنفيذ المهام الرئيسية في جبهات القتال.
دعم جبهات القتال بهدف ضمان استمرار النشاط الحربي مثل العمليات العسكرية والقيام بالمهام اللوجستية ونقل القوات العسكرية من جبهة قتال الى اخرى.
وفي هذا الاطار يمكن فهم مدى اهمية المستوطنات اليهودية فيما يتعلق بالدفاع المناطقي وموضوع العمق الاستراتيجي في الكيان الاسرائيلي فهذه المستوطنات تتولى مهام دعم واسناد القوات الاسرئيلية المتواجدة في الخطوط الامامية للقتال وتقدم الخدمات اللوجستية وتؤمن نظم الجبهة الداخلية، ويقوم بهذا المهام الاشخاص الذين لم يبلغوا بعد سن الخدمة العسكرية او كبار السن غير المشاركين في الخدمة العسكرية.
وهكذا يشكل المستوطنون جيشا محليا يسيطر على اراضي تواجده والاراضي القريبة منها في وقت الازمات وهذا الجيش مجهز بانواع الاسلحة والمدرعات، وهناك امور وقضايا يأخذها الاسرائيليون بعين الاعتبار في بناء هذه المستوطنات وهي:
بناء المستوطنات في المناطق الحيوية والاستراتيجية مثل التلال والهضاب وسفوح الجبال.
بناء المستوطنات قرب المناطق السكنية العربية بهدف محاصرتها وقطع الاتصال بين المناطق العربية والنفوذ في الترابط الجغرافي للمنطقة.
بناء المستوطنات بهدف تجزئة وتقسيم الضفة الغربية الى وحدات جغرافية صغيرة وتسهيل السيطرة على هذه المناطق والتحكم بها.
بناء المستوطنات بشكل يمكّن المستوطنين من اداء دور مؤثر في دعم القوات الاسرائيلية وقمع العرب في حال نشوب حرب طويل الامد مع العرب الساكنين في الاراضي المحتلة.
وفيما يتعلق بالاعتبارات الأمنية التي يوليها الاسرائيليون أهمية في بناء المستوطنات يمكن الاشارة الى الامور التالية:
1- الكيان الاسرائيلي وتحت ذريعة بناء طرق مواصلات وطرق التفافية وانفاق للمستوطنات يحاصر في الحقيقة البلدات الفلسطينية ويسيطر بالكامل على طرق مواصلات البلدات الفلسطينية.
2- ان من اهم اهداف الكيان الاسرائيلي من بناء المستوطنات هو منع توسع المجمعات والكتل الفلسطينية نحو الغرب ولذلك يتعمد الكيان الاسرائيلي بناء مستوطناته في النقطة المقبلة للبلدات الفلسطينية.
3- ان عمليات الاحتلال وبناء المستوطنات الاسرائيلية شملت معظم مناطق الضفة الغربية ومنها جبل الخليل وبيت لحم والقدس ورام الله ووادي نهر الاردن كما وافق هذا الكيان على توسيع المستوطنات الموجودة سابقا في الضفة الغربية ومدينة القدس من اجل استيعاب اعداد اكبر من اليهود المهاجرين.
المصدر / الوقت