الأسرار الحقيقية للصراعات العالمية (الجزء الأول)
في وقتٍ يظن فيه الكثيرون بأن الحروب في العالم، سياسية أو عسكرية، لا بد من التعرُّف على أسرار نشوب الحروب. فعلى الرغم من أن الحروب تأخذ طابعاً عسكرياً وسياسياً في أغلب الأحيان، لكن أسبابها الحقيقية تكمن في خلفياتٍ إقتصادية، بينما تستخدم الدول أدوات الخلافات الدينية والعرقية والمذهبية، للترويج لتدخلاتها. فما هي الأسرار الإقتصادية، والتي يجب معرفتها حول الأسباب الحقيقية لنشوب الحروب؟
الواقع الحالي: بركانٌ يمكن أن ينفجر
يعيش العالم اليوم أحد أكبر المحطات التاريخية، والتي يبدو فيها الواقع الإقليمي والدولي، قابلاً للإشتعال، والتدحرج نحو الحرب. في ظل مشهدٍ عالمي دولي، يمكن القول بأن الجميع فيه، جعل من مسألة القضاء على الإرهاب ذريعته. وهنا لسنا في صدد الحديث عن الإرهاب ونشوئه وكيفية إستغلاله. لكن الواقع اليوم، يوضح بأن الإرهاب يُشكِّل الخطر الموضوع في مقدمة قائمة الأمن القومي التي تخص الدول.
الى جانب كل ذلك، فإن الأزمة الدولية بإمتياز أي الأزمة السورية تدخل عامها الخامس، فيما دخلت الأزمة اليمنية عامها الثاني. والقاسم المُشترك بين الأزمتين، هو تصارع قوىً إقليمية ودولية، في ميدان الآخرين. مع الأخذ بعين الإعتبار، التفاوت الحاصل بين الأزمتين لجهة الأطراف والميدان، وأهداف ومصداقية كل طرف.
فكيف يمكن شرح الأسباب الإستراتيجيّة الإقتصاديّة المُرتبطة بهذه الأزمات، والتي يمكن القول بأنها معارك النفط والغاز؟ سنأخذ بعض الدول كعيِّنات:
الصراع بين أمريكا وروسيا
تُعتبر روسيا المُصدّر الأوّل للغاز في العالم بحسب الإحصاءات. حيث تستحوذ على ما يقارب الستين في المئة من إجمالي المبيعات في سوق الغاز العالمي. وهي تبيع ما يزيد عن 400 مليار طن من الغاز السائل سنوياً. وهنا فإن السؤال الأبرز هو، كيف يمكن لسياسات روسيا الخارجية الى جانب سياساتها العسكرية والأمنية، أن تتفق مع الأهداف الإقتصادية لها، في ظل صراعها الدولي مع واشنطن؟
تستخدم موسكو عبر شركتها “غاز بروم” العملاقة، شبكة من الأنابيب الضخمة، والتي تمتد من روسيا مروراً بأوكرانيا وبيلاروسيا ثم الى دول أوروبا الشرقيّة سابقاً، وصولاً إلى بلجيكا وألمانيا. وتمر بعض هذه الأنابيب تحت بحر البلطيق، والذي يربط بشكل مباشر بين إحتياطي سيبيريا الضخم من الغاز الطبيعي من جهة، وألمانيا من الجهة الأخرى. وهنا فإن الأنابيب لا بد من أن تعبر المياه الإقليمية لأوكرانيا. لكن الخلاف الذي حصل بين كل من روسيا وأوكرانيا ولأسبابٍ مالية تتعلق بكيفية تقسيم حصص الغاز بين الطرفين، تحوَّل الى خلافٍ أمني وعسكري، بعد أن تدخلت واشنطن لدى أوكرانيا، مُحرضةً على تأجيج الخلاف. ليتطور من خلافٍ ماليٍ إقتصادي، الى خلافٍ أمنيٍ عسكري، كانت مفاعيله أكبر من جغرافيا المياه الإقليمية، ليُصبح أزمة دولية ساهمت واشنطن في جعلها أزمة أوروبا بوجه موسكو.
وهو الأمر الذي حاولت موسكو التعويض عنه، لعدم جعله نقطة ضعفٍ تستغلها واشنطن لتحقيق أهدافها. فالأزمة التي حصلت بين روسيا وأوكرانيا منذ سنتين، تطورت إقتصادياً في نواحٍ أخرى، وصلت الى العقوبات التي فرضتها أوروبا على موسكو، تماشياً مع السياسة الأمريكية. وهو الأمر الذي يُثبت، بأن أدوات الضغط الإقتصادية، تُعتبر فعالةً في تحقيق الأهداف السياسية أو العسكرية. مما جعل موسكو تعود لتفعيل الإتفاق الذي سبق أن وقَّعته مع أنقرة قبل الحرب السوريّة، والذي يقضي بإنشاء خط أنابيب لتصدير الغاز إلى أوروبا من خلال عبور المياه الإقليميّة لتركيا تحت البحر الأسود، بدلاً من عبوره المياه الإقليميّة لأوكرانيا. لكن هذه المساعي، توقّفت منذ أن اندلعت حرب التصريحات بين موسكو وأنقرة، جراء إسقاط تركيا لطائرةٍ عسكرية روسية.
مخططات تركيا وارتباطها بالأزمة السورية
تركيا تُعتبر دولةً إقليمية، ساعية لتعزيز وضعها السياسي والعسكري. كما أنها لا تُخفي سعيها للزعامة الإقليمية. لكن دخولها الحرب في سوريا، وبالطريقة التي حصلت، جعل الكثيرين يضعون علامات استفهامٍ كبرى، حول أهداف تركيا الحقيقية، والتي قد تجعلها تساهم في ضرب استقرار دولةٍ على حدودها، مما قد يساهم في تهدد أمنها القومي.
بعيداً عن الحقائق السياسية التي تضعها تركيا في نسج تحالفاتها في المنطقة، فإن الخبراء الإقتصاديون أفصحوا عن نوايا أنقرة وأهدافها الإقتصادية. وهي المسألة التي لا تأخذ الكثير من النقاش، بسبب الإنشغال في تحليل الأوضاع السياسية، بعيداً عن أسبابها الجذرية. فكيف ترتبط أهداف تركيا السياسية بمخططاتها الإقتصادية؟
كانت أنقرة تخطط لإقامة شبكةٍ من الأنابيب، تهدف لتجميع غاز المنطقة في تركيا، قبل تصديره الى أوروبا، مما يجعل الدول كافة بحاجة لها. وبحسب الخبراء، يمكن أن يحصل ذلك من خلال مساراتٍ عدة، تمتد من أذربيجان عبر جورجيا وصولاً الى تركيا، ثم من خلال بلغاريا يمكن إيصال الغاز لأوروبا. كما أن الخطة التركية، تشمل الغاز العربي، حيث خططت بناء شبكة تربط مصر بالأردن فسوريا، ثم تركيا، ويتم ربطها بالعراق لاحقاً. لكن كل تلك الخطط، انهارت بسبب فشل الرهانات في الأزمة السورية.
قطر ومحاولة القضاء على طموحات شركة “غاز بروم” الروسية
يعرف الجميع أن قطر تمتلك أكبر مخزونٍ من احتياط الغاز في العالم. وهي قامت بوضع مشروعٍ يقضي بتمرير خط أنابيب غاز يصلها بتركيا عبر عددٍ من الدول العربية مروراً بسوريا. لكن السلطات السورية رفضت ذلك، كونها قامت يتوقيع العديد من الإتفاقيات مع روسيا وإيران بهذا الشأن، وعملت على ربط أنبوب غاز يمر من إيران والعراق عبر أراضيها، بشبكة “غاز بروم” الروسية. مما دفع قطر، لشراء أسطولٍ بحري لنقل الغاز من قطر الى مختلف دول العالم، وذلك بتحريضٍ أمريكيٍ يهدف لسحب العقود من يد روسيا.
لا شك أن الغاز بات أحد أهم الموارد الطبيعية التي تسعى الدول لتأمينها. وهو في الحقيقة، أحد أهم أسباب الحروب في العالم اليوم. في وقتٍ تأخذ السياسة كامل المشهد. لكن الأسباب لم تكن يوماً سياسية. بل كانت دائماً إقتصادية.
المصدر / الوقت