التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

أسئلةٌ دقيقة في مرحلةٍ مفصلية: قراءةٌ في اللقاء التركي الروسي! 

يحمل التاسع من آب هذا العام، محطةً ينتظرها كلٌ من الطرفين التركي والروسي، ليس لمجرد أنها ستجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بل لأنها ستكون بحسب المراقبين، حدثاً له الكثير من الدلالات التي تبدأ بمجرد اللقاء، ولا تنتهي بنتائجه. في حين يبدو واضحاً، أن الجغرافيا السياسية للطرفين، ستشكِّل ركيزة المستقبل السياسي للتفاهمات بينهما. كل ذلك يجري في ظل تغيُّرٍ في التوازنات على الصعيدين الإقليمي والدولي. فكيف يمكن تحليل أبعاد اللقاء المرتقب ودلالاته المهمة؟

تركيا وروسيا والحاجة المتبادلة

إن الواقع السياسي الحالي للرئيس التركي أردوغان، يجعله بحاجةٍ للتفاهم مع موسكو. وذلك لعدة أسباب نذكرها بالتالي:

أولاً: يَعتبر أردوغان مسألة الإنقلاب الفاشل، تحدياً لشخصه أكثر من أي شيٍ آخر. بل ينظر اليها على أنها رسالة من لا يريده في المعادلة المحلية التركية، والإقليمية في المنطقة. وهو القرار الذي لا يمكن أن يُؤخذ من طرفٍ داخليٍ تركيٍ فقط، بل يحتاج لرعايةٍ خارجية. وهو ما لم يغب عن خطاب أردوغان ونظامه، منذ أن حصلت محاولة الإنقلاب. فيما كانت أمريكا، الطرف الأكثر حضوراً كمُتهم في الخطاب الأردوغاني.

ثانياً: في المقابل لم يحصل حتى الآن، أن أطلقت تركيا موقفاً محدداً تجاه الدول الغربية، وتحديداً دول الناتو، خصوصاً فيما يخص العلاقة بالإنقلاب. فيما كان كلام أردوغان حول إمكانية تهديد علاقة تركيا بالناتو وبأن العلاقة مع الدول الأوروبية باتت متزعزعة، ورقةً مباشرة بيد الرئيس الروسي بوتين، الذي يُجيد استغلال النزاعات وتجييرها للصالح الروسي.

ثالثاً: بين الطرفين، تقف أمريكا منتظرة، وأوروبا كذلك، تتأمل في محاولات كلٍ من روسيا وتركيا التناغم في مصالحهما. فأمريكا والتي كانت تُعتبر كفيلة الطرف التركي، لم تعد كذلك، وأوروبا التي لم تُرد يوماً أردوغان وتركيا جزءاً من الإتحاد الأوروبي، باتت تتحمَّل نتيجة خروج تركيا من الوصاية الأمريكية.

الجغرافيا السياسية وإعادة خلط الأوراق

إن عدداً من الأمور يجب ملاحظتها، حين نلجأ لتحليل المصالح بين الطرفين التركي والروسي اليوم. وهو ما يمكن قوله بالتالي:

– من مصلحة الغرب، إبقاء علاقة الناتو بتركيا جيدة. وذلك لإعتبار أن وجودها في الحلف، يعني أنها تُشكِّل عضواً يُمثِّل الناتو، على الحدود مع روسيا. الأمر نفسه يُعتبر أولوية واشنطن، الساعية لمحاصرة روسيا، على الصعيد السياسي والعسكري.

– لكن تركيا والتي تحمل في داخلها عتباً كبيراً على الغرب لعدم ضمِّها للإتحاد الأوروبي، تجد في هذا الإتحاد اليوم، صراعاتٍ عديدة داخل مشروعٍ يشوبه الخطر. فبريطانيا المُنفصلة جديداً، هددت بذلك بقاء الكتلة الواحدة للإتحاد. مما يعني أن أنقرة باتت تعرف أن حلمها في الإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، لم يعد كما كان بالنسبة لها.

– وهو الأمر الذي قد تجد فيه موسكو فرصةً لها، لضرب الأحلام الأمريكية، لا سيما من خلال ضرب وحدة الناتو عبر التفاهم مع تركيا، وهو ما يعني بالمحصلة إزالة ورقةٍ جيوسياسية تعني الكثير لواشنطن في المنطقة والعالم. في وقتٍ هدَّدت فيه تركيا، بأنها قد تجعل من علاقتها بموسكو، بديلاً عن العلاقة بالناتو.

التحديات ودلالاتها

على الرغم من المصالح المشتركة بين الطرفين التركي والروسي، فإن عدداً من التحديات يمكن وضعها في خانة أنها تُحدِّد مستقبل الأمور. وهو ما لا يمكن الجزم به إلا من خلال انتظار نتائج الأيام المقبلة. في حين يمكن قول التالي:

أولاً: إن المصالح بين أنقرة وموسو، تفرضها الجغرافيا السياسية للبلدين. وهو ما قد يجعل الطرفين، وتحديداً تركيا وخصوصاً بعد العلاقة المتوترة لها مع واشنطن، لإعادة النظر في خياراتها التي تتعلق بأمنها القومي. مما يعني إعادة النظر بالشأن السوري، والدور التركي في تلك الأزمة. وهو ما تعتبره موسكو خطاً أحمر، لجهة ضرورة التراجع التركي عن الدور الفعلي في سوريا، وإفساح المجال أمام الجهود الروسية الدبلوماسية لتحقيق أهدافها في سوريا.

ثانياً: تعتبر العلاقة القوية بين تركيا وروسيا، ورقة قوةٍ للطرفين. فأنقرة تستطيع أن تبتزَّ أمريكا بالعلاقة مع روسيا، كطرفٍ دوليٍ بديل. فيما يمكن لروسيا أن تجعل علاقتها مع تركيا اليوم، رسالة لكلٍ من أوروبا وأمريكا. مما يُخفِّف على الطرف الروسي الإبتزاز الأوروبي له. وهي بالمحصلة تعني قلب التحالفات الإستراتيجية في المنطقة، لصالح المحور المعادي للسياسة الأمريكية.

ثالثاً: ستجعل تركيا نفسها، في حال حصل أن وطَّدت علاقاتها مع روسيا، محط تجاذب الأطراف الدولية. حيث تُعتبر تركيا من الناحية الجيوسياسية الإستراتيجية، دولة مفصلية في نسج العلاقات الدولية، لجهة موقعها. وهو ما سيؤثِّر على خيارات الدول كافة في المنطقة والعالم.

التساؤلات التي تنتظر الإجابة

عددٌ من التساؤلات، نختم بها مطلبنا، وننتظر الأيام المقبلة، لتُحدِّد الإجابة عنها. وهي:

– هل ستُضحي تركيا بمركزها في الناتو من أجل توطيد علاقتها مع موسكو؟ وما هو الثمن المطلوب؟

– ما هي ردة الفعل الأوروبية على الخطر الكامن في خروج تركيا من العباءة الأمريكية وتوجهها نحو روسيا؟

– هل توضح التوجهات التركية اليوم، بأن الإنعطافة التركية نحو روسيا، كانت سبب الإنقلاب في تركيا والذي اتهمت أنقرة، واشنطن بالضلوع فيه؟

أسئلةٌ كثيرة برسم اللقاء المرتقب. فيما يراقب الغرب وأمريكا المُقبل من الأيام بقلق. فتركيا هي التي ستُحدِّد مسار الكثير من الأمور فيما يخص علاقتها بكلٍ من الناتو وأمريكا. أما روسيا، فهي حتما، ستخرج أقوى مما كانت عليه، بعد توطيدها العلاقات مع تركيا. بالمُحصلة، فإن النتائج لا بد أن تنعكس على المنطقة، لا سيما فيما يخص إعادة خلط الأوراق السياسية والعسكرية. فهل سيُجيب اللقاء التركي الروسي المُرتقب، عن هذه الأسئلةٌ الدقيقة في هذه المرحلة المفصلية؟
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق