سياسة أنقرة تجاه الأكراد بعد الانقلاب الفاشل
كما كان متوقعا بادرت الحكومة التركية الى شن حملة تطهير واسعة جدا بعد الانقلاب العسكري الفاشل و اقدمت خلال الايام العشرة الماضية الى طرد 60 الف موظف بتهمة تأييد فتح الله غولن وادخال الكثيرين من هؤلاء الى السجون ايضا، لكن هناك قضية هامة اخرى هي تتعلق بالقضية الكردية والاشتباكات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني وأهم مؤسساته القانونية اي حزب الشعوب الديمقراطي، فهل تستمر الاشتباكات وهل يواصل اردوغان الاصرار على طلب ضرورة اعتقال صلاح الدين دميرتاش (رئيس الحزب) ورفاقه؟
وللاجابة يمكن القول ان قضية حزب العمال الكردستاني لم تشهد تغييرا في الاساس حتى تتغير سياسة الحكومة تجاه هذه القضية بعد الانقلاب الفاشل، صحيح ان حزب الشعوب الديمقراطية عارض الانقلاب الى جانب الاحزاب المعارضة الاخرى لكن الحقيقة ان الاكراد المقربين لحزب العمال الكردستاني وحتى في اسوأ الظروف لايعتبرون انفسهم جزءا من الشعب التركي لكي يبقوا الى جانب الحكومة والشعب التركي كما تعتبر الحكومة هؤلاء من الغرباء.
لقد التقى اردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم قادة الاحزاب المعارضة مرارا خلال الايام الماضية ودعوهم الى حضور تجمع اسطنبول الكبير لكن لم يتم توجيه الدعوة الى صلاح الدين دميرتاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي بل وجهت الحكومة انتقادات قاسية له ولباقي قادة حزبه كما قاطع الاعلام التركي الخاص ايضا هذا الحزب بالكامل في برامجه.
في المقابل يواصل دميرتاش ورفاقه اتخاذ مواقف حادة فدميرتاش الذي لم يتخذ موقفا واضحا من غولن وصف اردوغان بأبوبكر البغدادي رئيس تنظيم داعش! كما قال ان مؤيدي حزب لعدالة والتنمية الذين واجهوا دبابات الانقلابيين يشبهون الدواعش.
استمرار الحرب مع حزب العمال الكردستاني
رغم قول البعض ان الجيش تم اذلاله في الانقلاب الاخير لكن الحقيقة هي ان جزءا صغيرا من الجيش (1.5 بالمئة) شارك في الانقلاب و ان الجيش الذي يريد رد الاعتبار لنفسه فانه سيواصل بجدية اكبر الحرب ضد حزب العمال الكردستاني الذي ضعف جدا ولايستطيع مقاومة الجيش التركي وسيكتفي بشن هجمات متفرقة هنا وهناك.
وقد ضعف حزب الشعوب الديمقراطي ايضا وفقد مصداقيته فهو لايستطيع تنظيم تظاهرة يشارك فيها الآلاف ولذلك لايملك حزب العمال الكردستاني ورقة ضغط تذكر سوى اضراب سجنائه عن الطعام واثارة قضية سلامة رئيسه المسجون عبدالله اوجلان في الاعلام وفي المحاكم الاوروبية.
اما في خارج تركيا يستطيع حزب العمال الكردستاني الضغط على تركيا من 3 جهات اولها الدول الاوروبية وخاصة المانيا وفرنسا والسويد مع العلم بأن هذا الحزب خسر ايضا نسبة كبيرة من تأييد الاكراد الموجودين في اوروبا له بسبب اتباع سياسة الاشتباك مع تركيا.
اما الجهة الثانية فهي اقليم كردستان العراق الذي فيه 7 آلاف منتمي لحزب العمال الكردستاني من العسكريين والمدنيين ويستطيعون تهديد المصالح التركية مثل تفجير خطوط النفط وعرقلة مد خطوط الغاز وخلق مشاكل لمسعود بارزاني الحليف مع تركيا.
والجهة الثالثة هي المناطق الكردية في سوريا اي جزيرة وكوباني وعفرين التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي ينتمي في الاساس لحزب العمال الكردستاني ويتعاون الان مع الامريكيين، ورغم ان تركيا الحليفة مع امريكا طلبت من واشنطن عدم السماح بانتشار الاكراد في غرب نهر الفرات لكن امريكا هي بحاجة الان للاكراد في الحرب ضد داعش.
الاكراد وغولن
ان حزب العمال الكردستاني وقبل ان يكون تيارا كرديا هو مؤسسة ايديولوجية يسارية من النمط الاستاليني وفي نهاية قرن العشرين الماضي حدثت اشتباكات دامية بين انصار حزب العمال الكردستاني وبين انصار الاسلاميين في تركيا قتل فيها الالاف وهناك احتمالات بتجديد هذه الاشتباكات الان، لكن هناك معلوت تفيد ان غولن اقام علاقات مع مؤسسات تابعة لحزب العمال الكردستاني من اجل الاطاحة الناعمة بحزب العدالة والتنمية وهذا زاد من حالة انعدام الثقة بين اردوغان وحزب دميرتاش المؤيد لحزب العمال الكردستاني.
ان دميرتاش ورفاقه قاموا بخطوات مهمة خلال السنوات الثلاثة الاخيرة لاحلال السلام وتحويل الصراع من “مسلح” الى “سياسي” لكنهم ارتكبوا ايضا اخطاء استراتيجية بعد الانتخابات العامة في تركيا.
ومن اخطاء انصار هذا الحزب المشاركة في حفل تأبين احد قتلى حزب العمال الكردستاني الذي كان العنصر الرئيسي في هجوم اسطنبول الارهابي وقد اختار المعتدلون في هذا الحرب ايضا الصمت تجاه هذه الخطوة.
وفي المقابل ارتكبت الحكومة التركية ايضا اخطاء واهدرت الوقت وساهمت في تهميش مؤيدي التفاوض في داخل حزب العمال الكردستاني وتعزيز مكانة مؤيدي الحرب والتصادم.
ورغم هذا كله لا تمتلك انقرة طريقا وبوابة افضل للتصالح مع حزب العمال الكردستاني سوى حزب الشعوب الديمقراطي لأن الازمة الكردية وتهديدات حزب العال الكردستاني تعتبر اهم المشاكل في تركيا واهم تهديد لتنمية هذا البلد وان تركيا مجبرة على انهاء هذه القضية واتخاذ موقف شفاف امام تيار غولن وعدم الوثوق به.
المصدر / الوقت