الشدّ والجذب في العلاقات الروسية التركية
عندما اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في نوفمبر الماضي اسقاط الأتراك للقاذفة الروسية فوق سوريا طعنة في الظهر وتحدث عن عواقبه الوخيمة ربما لم يكن يتصور الكثيرون ان الجانبين سيرمّمان العلاقات بينمها في أقل من 9 أشهر، ان اردوغان الذي إتصل في البداية ببوتين ومن ثم زاره في روسيا اعتبر إحياء العلاقات الثنائية مسعى من أجل التوصل لأهداف أكبر، ومع وجود عوامل سرعت ترميم العلاقات لكن الخلافات في الرؤى حول القضايا الإقليمية لازالت باقية.
دور الانقلاب الفاشل في ترميم العلاقات
رغم وجود مساعي لتحسين العلاقات قبل انقلاب 15 يوليو لكن هذا الانقلاب وفر الأرضية لعودة العلاقات بشكل أكبر، ان إدانة روسيا للانقلاب أوجدت علاقة نفسية ايجابية في نفوس المسؤولين الأتراك خاصة مع صمت حلفاء تركيا التقليديين إزاء الانقلاب، وبعبارة أخرى ان الانقلاب الفاشل هو الذي دفع باتجاه إحياء العلاقات الروسية التركية في وقت يواصل اردوغان بحدة انتقاداته للغرب قائلا انه هو من مهد للانقلاب والتعدي على الديمقراطية التركية و”من يدعم عدونا لايمكن ان يكون صديقنا”، كما انتقد اردوغان الأمريكيين مرارا لعدم تسليم فتح الله غولن واتخذ موقفا مماثلا تجاه الأوروبيين لكن في المقابل قام بوتين بدعم اردوغان بسرعة في وجه الانقلابيين.
التشابه في الرؤى تجاه الغرب
هناك من يقول ان تركيا وروسيا تتشابهان في الرؤى فحينما شهدت روسيا تظاهرات معارضة لبوتين في عام 2011 أشارت وسائل الاعلام الرسمية التركية الى وجود مؤامرة غربية لدعم المعارضين وحينما شهدت تركيا ملفات فساد لبعض اعضاء حزب العدالة والتنمية اعتبر اردوغان ذلك مؤامرة غربية، وهنا يمكن القول ان روسيا وتركيا تقتربان من بعضهما البعض لتشكيل حلف ضد الغرب فالمعارضة للغرب يقرب الجانبين الى بعضهما البعض.
تأثير القضية السورية
تعتبر القضية السورية أهم قضية عالقة بين الجانبين فبوتين يدعم بشار الأسد فيما تدعم تركيا أعدائه وتغض الطرف عن الدعم السعودي للجماعات المسلحة التي تكافحها روسيا، والسؤال المطروح الآن هو هل يجب على تركيا ان تغير استراتيجيتها؟ ان تطهير الجيش التركي قد أضعف تركيا وطالما يستمر هذا الأمر فإن الدور التركي في سوريا سيتراجع.
سعي اردوغان لتعزيز سلطاته وإتساع الملعب الروسي
يحاول اردوغان رسم دور مهيمن لنفسه على الساحة الدولية وإن عملية التطهير التي يجريها الآن في تركيا ضد اعدائه تعزز سلطته وهذا يتعارض مع المبادئ الغربية وهكذا عندما يقف اردوغان في وجه الغرب يصبح المجال مفتوحا أمام روسيا للعب كما يشاء والوقوف الى جانب الطرف الذي يريده أمام الطرف الآخر، بعبارة أخرى يمكن لروسيا ان تستفيد من التقارب مع الغرب أو التباعد عن الغرب، من جهة أخرى نجد ان الغرب يعرب عن قلقه من إستئثار اردوغان بالسلطة لكنه لا يقوم بخطوة عملية لوقف ذلك وهذا يدعم مقولة بوتين بأن الغرب منافق ويقبل بالقمع والإستئثار بالسلطة، وهكذا يمكن القول ان خطوات اردوغان زادت من هامش المناورة الروسية دوليا.
دور الدوافع الاقتصادية
لروسيا وتركيا دوافع اقتصادية من وراء تحسين العلاقات ايضا فالزراعة والسياحة في تركيا تضررت بسبب العقوبات الروسية ومن جهة أخرى كانت روسيا تبحث منذ الأزمة الأوكرانية عن طريق بديل لإيصال غازها الى جنوب اوروبا بدلا عن أوكرانيا وكانت هناك خطة طموحة لإنشاء خط عبر تركيا الى البلقان واوروبا المركزية والان تم إحياء هذا المشروع مجددا وسيتم مد هذا الخط عبر البحر الأسود وستصبح تركيا الركن الأساس لتأمين الطاقة في اوروبا حتى عام 2020 رغم اعتقاد البعض بأن روسيا ستجعل تركيا تابعة لها بسبب هذا المشروع.
المصدر / الوقت