التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

المفاجأة الاستراتيجية؛ قاعدة “همدان” ورسائلها الإقليمية والدوليّة 

أدخل الإعلان الإيراني الروسي المشترك حول استخدام سلاح جو موسكو مطار همدان الإيراني لضرب مواقع الإرهابيين في سوريا، الحرب القائمة في مرحلة جديدة.

ويأتي الإعلان الجديد بالتزامن مع ترتيب تركيا لأوراقها الإقليمية والدولية إثر الانقلاب الفاشل، حاملاً معه جملةً من الرسائل في اتجاهات عدّة فاجأت العديد من العواصم الإقليمية والدولية.

على الصعيد الدولي، تكشف هذه الخطوة جديّة كل من إيران وروسيا في محاربة الإرهاب، خاصّة أن هذه الهجمات تستهدف بشكلها الرئيسي تنظيمي داعش الإرهابي وجبهة النصرة في الرقّة وحلب وإدلب. في الواقع تأتي الخطوة الأخيرة في إطار التعاون الإستراتيجي الروسي الإيراني في مكافحة الإرهاب، وتحمل طابعاً عسكرياً يتوّج مرحلة جديدة بدأت مع التدخل الروسي المباشر في الأزمة السوريّة، إثر زيارة قائد فيلق “القدس” الإيراني اللواء قاسم سليماني.

من الناحية التقنية، يوفّر استخدام القاذفات الروسيّة الإستراتيجية، “تو-22 إم 3″ و”سو-34” لمطار همدان الإيراني، أحد أهم المطارات غرب البلاد، امتيازات عسكرية وتكتيكية عدة. كانت القاذفات الروسيّة تقلع من مطار موزدوك في جمهورية أوسيتيا الشمالية جنوب روسيا، لتقطع مسار متعرّج يمتدّ لحوالي 3000 كيلومتر، تستغرق ساعتين وتتضمّنها عملية التزوّد بالوقود في الجو أو الهبوط في إيران للتزوّد بالوقود في طريق العودة. في المقابل، تقطع القاذفات الروسيّة حالياً مسافة لا تتجاوز 700 كيلومتر للوصول إلى أهدافها في سوريا في أقل من 30 دقيقة، الأمر الذي سيؤدي إلى استهداف قوافل المسلحين وتحرّكاتهم بصورة آنية.

قصر المسافة ومدة التحليق تتيح لسلاح الجو تحميل بقرابة 22 طنا من القنابل والأسلحة بدلاً من 5-8 أطنان في المرحلة السابقة، الأمر الذي يوفّر قدرات أكبر على تنفيذ عمليات جوية أكثر كثافة.

لا تقتصر فوائد “همدان” على الناحيتين المسافة والزمان والفاعلية، بل توفّر القاعدة الإيرانية مزيدا من الأمن للطائرات الروسية أثناء قيامها بعمليات الإقلاع والهبوط، مقارنة بقاعدة حميميم، القريبة من مسرح الأعمال القتالية، والغير مناسبة لاستقبال هذا النوع من القاذفات”تو-22 إم3″ التي تعد من الأضخم في العالم.

إيرانيّاً، يكشف هذا التعاون مع روسيا عن عمق العلاقات واستراتيجيتها بين البلدين، فحضور القاذفات الروسيّة في أهم قاعدة عسكرية إيرانية غرب البلاد يعزّز فرص التعاون العسكري إلى ما بعد الـ”اس300″. كذلك، تثبت هذه الخطوة، التي أثارت امتعاض واشنطن، حقيقة الموقف الإيراني في مواجهة الإرهاب، وتساهم في نقل الصورّة الحقيقية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لكافّة شعوب العالم، خاصّة أنها من أوائل الدول التي أخذت على عاتقها، في سوريا والعراق، مكافحة الإرهاب دون الازدواجيّة الأمريكية التي دأبت في الفترة السابقة على لصق تهم دعم الإرهاب بطهران في المنطقة. أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، على شمخاني، أعلن عن وجود تعاون استراتيجي بين موسكو وطهران لمكافحة الإرهاب في سوريا، وأن البلدين يتبادلان الإمكانيات والقدرات في هذا المجال، مشددا على بدء عمليات جديدة واسعة النطاق ضد الإرهاب. تكفي الإشارة إلى أن هذه المرّة الأولى التي تسمح فيها طهران لطائرات أجنبية مقاتلة باستخدام منشآتها العسكرية منذ الثورة الإسلاميّة عام 1979.

لا ينحصر الأمر بإيران فقط، فلروسيا حصّة كبرى من التطورات الأخيرة التي تعزّز فرص توطيد موسكو لقدمها في الشرق الأوسط، ولكن عبر البوابة الإيرانية هذه المرّة. فهذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها روسيا قواعد عسكرية خارج سوريا في منطقة الشرق الأوسط. روسيا التي كانت قبل فترة تدافع عن حدودها الخلفية، تسعى اليوم لإعادة ثقلها إلى منطقة الشرق الأوسط على حساب الهيمنة الأمريكية التي تلقّت عدّة ضربات سواءً في سوريا، العراق أو لبنان.

أمريكيّاً، لم تنتظر واشنطن طويلاً حتى تخرج عن صمتها إزاء التحالف “الدولي” الجديد الذي ينذر بأفول النجم الأمريكي في المنطقة، وفق صحيفة “جيوراليزم بوست” الإسرائيلية، فقد أعرب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر عن أسفه إزاء هذا التحالف غير المستغرب. التخبّط ظهر جليّاً في الموقف الأمريكي حيث حاولت أشارت الخارجيّة الأمريكية إلى أن واشنطن “تدرس مسألة ما إذا كان استخدام روسيا للقاعدة الإيرانية انتهاكا لقرارات مجلس الأمن الدولي”، فضلاً عن كونه يثبت إزدواجيّة واشنطن في التعاطي مع الإرهاب.

تركياً، لن تكون أنقرة بعيدة عن الخطوة الأخيرة التي تأتي بعد أقل من أسبوع على لقاء بوتين و أردوغان في مدينة سان بطرسبورج، وكذلك زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى العاصمة التركيّة. الخطوة قد تعزّز الإنسحاب التركي من المحور الأمريكي الغربي نحو نظيره الإيراني الروسي حيث لم يستبعد رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد فيكتور أوزيروف، إقدام أنقرة على خطوة مماثلة عبر تقديمها قاعدة انجرليك الجوية لاستخدامها من قبل الطيران الحربي الروسي في عملياته ضد الإرهابيين في سوريا.

عراقيّاً، سمحت بغداد بفتح أجواءها لمرور الطائرات الروسيّة “وفق شروط” لم تحدّدها، كما صرّح رئيس الوزراء حيدر العبادي. الموافقة العراقية على فتح المجال الجوي أمام الطائرات، وصواريخ”كاليبر” الروسية المجنحة والبعيدة المدى، تسمح لبغداد بانتهاز فرصة “القاذفات” الروسيّة لتوجيه ضربات مؤلمة لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة الموصل تمهيداً للعملية البريّة التي نشهد اليوم قرع طبولها.

يبدو أن مشهد العمليات على الأرض قد بدأ بالاكتمال نسبيّاً للشروع بمرحلة جديدة عنوان إنهاء الأزمتين السورية والعراقية عبر محور سداسي (إيراني، روسي، تركي، سوري، عراقي ولبناني) يحفظ وحدة الأراضي السورية والعراقية والتركيّة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق