لماذا ترفض واشنطن وصم “جيش الإسلام” بالإرهاب؟
لم يعد الكلام عن تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي حكراً على الجماعات السياسية والعسكرية التي خلعت عن نفسها الرداء الإسلامي، بل صار عندنا في “الوطن العربي” دولاً ومؤسسات وجماعات مسّلحة تتّخذ من الإسلام شعاراً لها، تحرص على إنشاء أفضل العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، إلا أنها في الوقت عينه تتّخذ من ردائها الإسلامي شعاراً للهجوم على لأبناء منطقتها لأعذار طائفيّة تارةً ومذهبيّة أخرى.
آخر هذه الحلقات ظهرت على لسان الناطق باسم “جيش الإسلام”، إسلام علوش، الذي قال في مقابلة له مع موقع “منتدى التفكير الإقليمي” الإسرائيلي، أجرته أجرتها الباحثة الإسرائيلية أليزابيثتسوركوب.
علوش أوضح في معرض ردّه على سؤال يتعلّق بموقف تنظيم جيش الإسلام بخصوص اتفاق السلام بين سوريا والكيان الإسرائيلي بالقول: إن اتفاق السلام مع “إسرائيل” ليس مستبعداً، وأضاف إن الأمر يعود لمؤسسات الدولة السورية بعد انتصار ما سماها الثورة.
المفارقة أن تصدر هذه التصريحات عن جيش الإسلام، وليس الجيش الحرّ على سبيل المثال، فمن منّا لا يذكر زهران علوش عندما توعّد في فيديو له بقتل الشیعة في سوريا، مخاطباً السيد زينب (ع) بالقول: ترحلين مع النظام.
هذه المفارقة تدعونا للتساؤل عن الدعم الأمريكي لهذه الجماعات، فلطالما سمعت السؤال التالي من داعمي التدخّل الأمريكي في المنطقة: كيف لأمريكا أن تفضّل جماعات الإسلام السياسي، أو حتّى الجماعات المسلّحة التي تتبنّى الإسلام السياسي على جماعات أخرى “أمريكية” الهوى؟
لم تكن الإجابة على هذا السؤال تقنع العديد من السائلين، إلا أن أحداث ما يسمّى بالربيع العربي كشفت حقيقة هذا الأمر لناحية الأبعاد والخلفيات والتداعيات، كما أن التداعيات الأخيرة على الساحة العربيّة، لاسيّما السورية منها، عزّز من قناعات العديد ممن رفضوا سباقاً الرأي القائل بأهميّة هذه الجماعات، حتى المسلّحة منها، للإدارة الأمريكية، لا بل دورها الاستراتيجية في المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد.
هكذا هي الحال في بلادنا العربية، فبعد أن كانت القضية الفلسطينية، والمسجد الأقصى القبلة والبوصلة للعرب والمسلمين، أصحبنا نعيش اليوم في واقع متبدّل تظهر عليه البصمات الأمريكية التي تسعى شيئاً فشيئاً لشرعنة الكيان الإسرائيلي، وأقلمته مع بيئته العربية والمسلمة.
لا تقتصر هذه التصريحات على منظمات “إسلاميّة” كجيش الإسلام، بل هناك دول عربية وضعت نفسها على جادّة التطبيع، وفي مقدّمته السعودية، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية بالأمس في تقرير جديد لها، أن العلاقات السعودية الإسرائيلية بدأت تأخذ طابع التحالف الواضح. وأكدت الصحيفة الأمريكية في افتتاحيتها التي حملت عنوان ” Can Israel and the Arab States Be Friends?”، “هل يمكن لإسرائيل والدول العربية أن يكونوا أصدقاء؟”، أن السعودية وإسرائيل تتعاونا “أحيانا، وبشكل سري، في الشؤون الأمنية والاستخبارية”. ونقلت الصحيفة عن رئيس مشروع الشرق في أمريكا، دانيال ليفي، بأن الكيان الإسرائيلي أقام قنوات رسمية متعددة للتواصل مع السعودية والإمارات، ووصف هذه القنوات بـ”الحقيقية والكبيرة”.
بالعودة إلى الموقف الجديد الذي صدر عن المتحدّث باسم جيش الإسلام، تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:
أولاً: إن هذا التصريح يكشف عن السبب الرئيسي لمخالفة كل من أمريكا والسعودية، وضع “جيش الإسلام” على اللائحة. كذلك، كافّة الجماعات الإرهابية التي ارتكبت جرائم في سوريا لازالت بعيدة عن لوائح الإرهاب لعدم تخطّيها الخطوط الحمراء الأمريكية في المنطقة والمتمثّلة في الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: تنقسم شعوب المنطقة، كما هو الحال في كافّة شعوب العالم، إلى قسمين رئيسيين، الأول يلتزم بالعقائد الدينية (الإسلامية) والقسم الآخر لا يولي اهتماماً كبيراً بالمعتقدات الدينيّة. أمريكا من خلال هذه التصريحات تعتقد أنه يمكنها السيطرة على شريحة واسعة من الذين يتّخذون من المعتقدات الإسلامية شعاراً لمحاربة الكيان الإسرائيلي وتحرير قبلة المسلمين الأولى. إن هذه التصريحات التي تصدر عن جهة تدعي الإسلام، تصب في خانة التطبيع وشرعنة الكيان الإسرائيلي في المنطقة لا أكثر، وتجربة الرئيس المصري السابق محمد مرسي خير دليل على ذلك.
ثالثاً: تصبّ هذه التصريحات في سياق الفتنة الأمريكية التي تسعى لتقسيم المنطقة على أساس طائفي وعرقي، وبالتالي تحاول السعودية، ومن خلفها أمريكا، تحويل البوصلة نحو دول المنطقة بالكامل وحذف الكيان الإسرائيلي من دائرة العداء. ولعل هذا الأمر يضفي طابعاً من الخصوصيّة لهذه الجماعات في القاموس الأمريكي.
رابعاً: فيما يخصّ جيش الإسلام، يسعى هذا التنظيم لكسب حماية أكبر من السعودية وأمريكا، لاسيّما في ظل انسحاب الجماعات المسلّحة من داريّا، الأمر الذي يقف بشكل أساسي خلف هذه التصريحات. هنا لا يمكن التغافل عن كون هذه التصريحات تثبت التناغم السعودي الإسرائيلي في مشاريع المنطقة.
تُثبت هذه التصريحات التي ترتفع وتيرتها يوماً بعد أخر واقع الجماعات الإرهابية في المنطقة التي تعلب دوراً بارزاً في الخريطة الأمريكية. في الواقع، يمكننا القول أنّ هذه الجماعات لا تحارب عن الكيان الإسرائيلي فحسب، بل تؤسس لواقع خطير يهدف للتطبيع الكامل معه، بدلاً من اعتباره “غدّةً سرطانية”.
المصدر / الوقت