رمزٍ لإسقاط النظام الى مُنعطفٍ يُعيد سوريا لكَنَفِ الدولة الشرعية والشعب السوري!
جاء الإنجاز في داريا بموجب اتفاق بين الجيش السوري والجماعات المسلحة، والذي ينص على تسليم جميع المسلحين أسلحتهم المتوسطة والثقيلة، ثم خروجهم من المدينة وكذلك إجلاء المدنيين، بدءاً من الجمعة المنصرمة وحتى أمس الإثنين. لكن الإنجاز العسكري للجيش السوري، لم ينعكس فقط على داريا ودمشق، بل طال جغرافيا الدولة السورية بأكملها. فيما تمتد إنعكاساته، في الميدان نحو الجنوب السوري، والتي سترفع بالنتيجة من مستوى إنتصارات الجيش السوري. لكن لهذه الإنتصارات الميدانية، العديد من الآثار المعنوية والسياسية، والتي ستعود لصالح النظام والدولة الشرعية. فما هي الحقائق والوقائع التي تُبرز أهمية إنتصار الجيش السوري في داريا؟ وكيف سينعكس ذلك لصالح النظام والشعب السوري على الصعد كافة؟
أهمية عودة داريا: حقائق ووقائع عسكرية
إن أهمية عودة داريا الى حضن دمشق لا تقتصر على هذه المدينة فحسب. بل إن لذلك العديد من الإنعكاسات المبنية على حقائق الجغرافيا العسكرية والتي يمكن تشريحها بالتالي:
– تقع داريا على بعد 8 كليومتر نحو جنوب غرب مدينة دمشق، بالقرب من مطار “مزة” العسكري ومقر الفرقة الرابعة وهي متاخمة للحرس الرئاسي والقصر الجمهوري. واليوم أصبحت داريا أكبر مدن الغوطة الغربية والمعقل الأبرز للمسلحين بعد دوما تحت سيطرة الدولة السورية بالكامل. ومن خلال التدقيق بخارطة دمشق العسكرية، نجد أن نقاطاً مهمة كانت بيد المسلحين، تُهدد خاصرة دمشق وهي داريا والمعظمية من الغرب، ودوما من الشرق. واليوم بعد عودة داريا فإن المعظمية باتت بحكم الساقطة عسكرياً. وبالتالي فيمكن الجزم بأن إخراج داريا من المعادلة العسكرية للمسلحين، يعني إخراج الغوطة الغربية من المعادلة. كما أن طريق صحنايا – دمشق سيخضع للجيش السوري.
– من الناحية العسكرية التي تتعلق بالجبهات، فإن عودة داريا عسكرياً الى الجيش السوري يعني تضعضع العديد من الجبهات بحسب ما يُشير خبراء. حيث أن رقعة الأمان العسكري لمناطق سيطرة الجيش السوري اتسعت اليوم خصوصاً في محيط دمشق. وهو ما سيؤثر سلباً على الجماعات المسلحة في جبهات خان الشيخ والمعضمية وجوبر وكافة مناطق الغوطة وصولاً لدوما، والتي كانت تُهدد خاصرة دمشق من جهة الشرق.
– إن تحرير داريا من المسلحين سيؤثر على جبهة الجنوب السوري أي درعا والقنيطرة. فداريا من الجنوب تتصل بأتوستراد دمشق درعا، وهو الذي سيُصبح تحت سيطرة الجيش السوري. مما يعني قطع خطوط إمداد المسلحين نحو الحدود الأردنية وعزل العاصمة دمشق وتحصينها بوجه مسلحي درعا والقنيطرة. مما يجعل النظام قادراً على التحكُّم بشكل أكبر بالجنوب السوري من خلال العاصمة دمشق، وبالتالي الحدود الأردنية والعراقية.
الجماعات المسلحة: قبل وبعد داريا
مع بداية الأزمة في سوريا شكَّلت داريا رمزاً لمن أسموا أنفسهم ثواراً. وفي العام 2012 دخلت الجماعات المسلحة الى داريا وقاموا بسرقة ثرواتها وتدميرها. كما عملوا على ترويع الأهالي، من خلال مجازر راح ضحيتها مئات المواطنين الأبرياء. ولأسباب تعود لوجود العديد من المنشآت الصناعية فيها، الى جانب كونها خاصرة للعاصمة السورية دمشق، اتخذت منها الجماعات المسلحة منطلقاً للإعتداء اليومي على العاصمة السورية، من خلال القصف شبه اليومي وهو ما لم يعد بمقدور المسلحين اليوم.
ولعل أبرز ما ورد كدليلٍ على وضع المسلحين وحالتهم بعد عودة داريا لكنف الدولة السورية، هو ما نقله موقع “المدن” التابع لما يُسمى المعارضة السورية، عن حالة من الغضب تسود المسلحين في محافظتي درعا والغوطة بعد أن فرَّ رفاقهم في داريا وتركوها. مُبررين عدم مساندتهم للجماعات المسلحة في داريا، بصعوبة المعركة وحاجتها لثلاثة أشهر من القتال.
نتائج ودلالات أكبر من داريا
يبدو واضحاً أن الإنجاز النوعي والجديد للجيش السوري، سيؤدي الى نتائج أكبر من جغرافيا داريا. وهنا نُشير للتالي:
أولاً: إن سقوط داريا سيكون مقدمة لسقوط العديد من المناطق التابعة للمسليحين. وهو ما أبرزنا تفاصيله أعلاه. فيما يعني ذلك، أن مُسلسل إنتصارات الجيش السوري سيرتفع، وسيتراجع نفوذ الجماعات المُسلحة على طول الجغرافيا السورية. مما يُسقط العديد من الأوراق السياسية، والمُرتبطة بوضع الميدان السوري. وهو ما يعني حتماً، عودة الطرف السوري الرسمي لفرض ما يُريد، دون حاجة لإنتظار نتائج الميدان.
ثانياً: من الناحية المعنوية، شكَّل إنتصار الجيش السوري في داريا، مقدمة للحديث عن إنتصار النظام السوري. وهو ما بِتنا نشهده في كافة وسائل الإعلام، حتى التابعة لدول سعت لإسقاط النظام. مما يعني أن المَوازين في سوريا باتت واضحة، وتميل للنظام السوري بشكل كبير. وهو ما كان يُنكره بعض الإعلام لأسباب سياسية ومعنوية، تهدف لدعم المسلحين. أما اليوم، وبعد أن باتت المصادر الإعلامية لما يُسمى بالمعارضة السورية أو المسلحين، تتحدث عن خسائر وغضب، لم يعد بالإمكان إخفاء الحقائق. وهو ما سيُؤثر بالنتيجة حتماً على معنويات الأطراف المناوئة للنظام محلياً وإقليمياً.
ثالثاً: إن حالة الفرح العارمة والتي سادت الشعب السوري خصوصاً أهالي دمشق الذين كانوا يعيشون تحت القصف شبه اليومي، تُثبت أن خيارات النظام السوري تستمد قوتها وشرعيتها من الشعب الحاضن لها. وبالتالي، فإن العالم بأسره رأى اليوم، أن إنجاز داريا، لم يُعد فقط المدينة الى أهلها ودولتها، بل جعلها نموذجاً لإرادة الشعب السوري العازمة على الحياة، ودليلاً إضافياً على أهلية وأحقية وقدرة النظام السوري على تأمن كافة مطالب العيش والحماية للشعب السوري.
عادت داريا الى كنف الدولة السورية، كمقدمةٍ يبدو أن خاتمتها ستكون عودة كافة المناطق التي ستسقط الواحدة تلو الأخرى. وسيَسقط معها مشاريع الحاقدين على الشعب السوري منذ خمس سنوات. عادت داريا التي جعلها البعض رمزاً لما أسموه ثورتهم ضد النظام الشرعي، لتُثبت أنها لم تكن لهم ولا معهم، بل هي داريا السورية لأهلها المُنطوين تحت لواء النظام السوري. فأضحت داريا اليوم، المُنعطف الذي سيُعيد سوريا الى كَنَفِ الدولة الشرعية والشعب السوري، بعد أن كانت رمزاً لإسقاط النظام.
المصدر / الوقت