رئيس الجمهورية: الإصلاح لن ينجز مادام الانتماء الطائفي والعرقي هو المقياس
بغداد ـ سياسة ـ الرأي ـ
أكد رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم أن الإصلاح السياسي والإداري والمالي لن ينجز، ولن تتحقق المصالحة الاجتماعية أو السلم الاهلي، طالما يظل الانتماء الطائفي والعرقي هو المقياس، مشيرا إلى أن المشكلة هي في طبيعة بناء الأحزاب على أسس مذهبية ودينية وقومية، وهي بعد ذلك تكمن في اخفاق الحياة السياسية في انتاج أحزاب قائمة على أساس المواطنة .
وذكر معصوم في بيان رئاسي تلقت ( الرأي ) الدولية نسخة منه اليوم “ان المحاصصة خلقت امتيازات ونفوذاً لكثيرين ما كانوا ليحصلوا عليها من دون تكريس المحاصصة ،ولقد كان تقاسم الحصص ممراً سهلا لنيل الامتيازات التي ينحدر بعضها إلى مستوى الفساد “، مبينا انه ” قد بات من الصعب الآن على قوى كثيرة التخلي عن هذا المبدأ الذي يعزو الجميع إليه مشكلات الحكم والسلطة في العراق”.
واكمل “كان من الطبيعي أن تُشكَّل الحكومات في العراق ما بعد 2003 على أساس القاعدة الواسعة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية”.
وأضاف”و{حكومة الوحدة الوطنية} في العادة هي حكومة تفرضها ظروف معينة تواجهها البلاد؛ كالحرب، والكوارث الطبيعية، أو تمليها طبيعة الحياة السياسية. وهي أحياناً حكومة انتقالية مهمتها اجراء الانتخابات. هكذا كان العمل بمثل هذه الحكومة في العراق مقبولاً بالنسبة إلى الحكومة المؤقتة {2004}، وكذلك بالنسبة إلى الحكومة الانتقالية {2005}. فقد كانت ظروف البلد ومحاولة تقريب مختلف الأطراف على أساس الشراكة هي الدافع الذي أملى ضرورة اعتماد مبدأ {حكومة الوحدة الوطنية}، ولكن عند تشكيل الحكومة في الدورة الأولى لمجلس النواب عام {2006} كان الأجدر هو تشكيل حكومة أكثرية، لم يحصل هذا بفعل طبيعة بناء القوى السياسية الأساسية التي لم يكن بينها حزب أو كتلة عابرة فعلاً للتنوعات القومية والدينية والمذهبية.
وبين “لقد أفرزت الانتخابات كتلاً برلمانية كبرى؛ شيعية ثم سنية وكردستانية، وكان تمثيل جميع المكونات الاجتماعية في الحكومة هو داعي التمسك بحكومة وحدة وطنية”.
وتابع “من الصحيح أن أطرافاً وشخصيات حاولت أن تشكل كتلاً عابرة للطائفية لكن هذه الإرادة، وبعد وصول ممثلين لتلك الكتل إلى البرلمان، لم تصمد طويلاً؛ فقد كان النزوع الطائفي أكبر من مجرد الإرادات الوطنية، فعملياً ما إن كانت كتلة تضم شيئا من التنوع الوطني تفوز وتبلغ مجلس النواب حتى كانت تجد أعضاءها وقد تفرقوا حسب الولاءات حتى وإن بقيت الكتلة تحتفظ شكلياً باسمها ، واقعاً يمكن أن نعزو هذا الحال إلى عامل نفسي سياسي؛ إلى {خوف} قديم من العزل على أسس قومية ومذهبية، وقد جرى تكريسه ومضاعفته بعد 2003 لأسباب سياسية.
وقال “حيث ما زال الشارع الشيعي والكردي محكوماً بالخوف من الماضي ويتصرف انتخابياً في ضوء ذلك، بينما الشارع السني يحيا تحت وطأة الخوف من المستقبل.
واكمل بالقول “لقد كان يجري {استثمار} هذا الخوف سياسياً لتبنى الحياة السياسية على أساسه بدلاً من أن تعمل السياسة على تحرير الناس منه والمضي بالمسار الديمقراطي على أسس المواطنة التي تكفل حقوق الجميع بتنوعهم واختلافاتهم المذهبية والدينية والقومية والسياسية، لقد وفر هذا الجو النفسي مجالاً للتصارع بين القوى السياسية الممثلة للمكونات وبين الكتل داخل المكون الواحد نفسه، فبدلا من التنافس انتخابيا على أساس تحقيق المنجزات للمواطنين ظل يجري استمرار التخويف واعتماده وسيلة للكسب الانتخابي، وهذا ما جعل التنافس شديداً حتى بين القوى السياسية داخل المكون الواحد وعلى أساس تنمية الخوف بين المواطنين وعمل كل قوة من أجل أن تقدّم نفسها لجمهورها على أنها الضامن الوحيد لأمنهم ومستقبلهم من أخطار الآخرين عليهم”.
وبين “نستطيع الآن أن نعزو جانباً أساسياً من مشكلات إدارة الحكم القائمة في العراق منذ 2006 حتى الآن إلى أنها نتيجة هذا الصراع داخل الكتل الكبرى وكذلك بينها وبين بقية الكتل المشاركة في الحكومة، لقد فرضت هذه الطبيعة في تركيبة القوى والكتل أشكالاً من التنافس داخل كل كتلة من جانب وبينها وبين الكتل الأخرى من جانب آخر، هذا ما فرض منذ اليوم الاول مبدأ {المحاصصة} عملياً، وهو مبدأ أُريد تهذيبه بتسمية {التوافق}”.
واوضح “لكن التوافق نظام من التفكير والعمل السياسي هو غير النسب العددية في المناصب، كما أن المحاصصة شيء آخر هو غير مبدأ التوازن في الدوائر والمؤسسات الذي يستحق من الجميع احترامه، مبينا ” خلقت المحاصصة امتيازات ونفوذاً لكثيرين ما كانوا ليحصلوا عليها من دون تكريس المحاصصة. لقد كان تقاسم الحصص ممراً سهلا لنيل الامتيازات التي ينحدر بعضها إلى مستوى الفساد. وبعد هذا فقد بات من الصعب الآن على قوى كثيرة التخلي عن هذا المبدأ الذي يعزو الجميع إليه مشكلات الحكم والسلطة في العراق من دون أن يبادر طرف إلى كسر المحاصصة ويقدم بذلك مثالا للآخرين يحفزهم أو يحرجهم ويضطرهم إلى الإسهام بالانتهاء من مبدأ الحصص والنسب العددية”.
وتابع ” التوازن كما قلنا هو غير المحاصصة، وهو حال يوفره العمل بمبدأ المواطنة في شغل المناصب والوظائف العامة وعلى أساس الكفاءة والحاجة، ولعل هذا يستدعي التفكير جدياً بـ {مجلس الخدمة} كجهة تناط بها مسؤولية التوظيف في أجهزة ومؤسسات الدولة التي ينبغي إبعادها تماماً عن الاستخدام السياسي، مشيرا الى إن” المحاصصة قيّدت فرص التوافق، فالانشغال بالحصص ينحرف بالتفكير والعمل السياسي نحو المصالح الذاتية ونحو التركيز عليها، فيما التوافق يتطلب بعض التخفيض في سقفها لصالح ما هو مشترك، وهذا ما لم يحصل.
ونوه الى انه “كان المفروض أن يظل {الائتلاف} داخل مجلس الوزراء حصراً، لكن المحاصصة فرضت نفسها وبُدعها السيئة، وأخذت بعداً آخر وسلوكاً عملياً يختلف عن المعنى السياسي للائتلاف. هكذا صار الوزير المنتمي إلى هذا الحزب وداخل هذه الكتلة ينظر إلى الوزارة ويتصرف بها وكأنها ضيعة له ثم لحزبه وبعد ذلك لكتلته. وغدت المشكلة أعمق حين امتد نظام المحاصصة في العمق من هياكل الدولة بمختلف مستوياتها حتى صار تعيين عمال الخدمات في وزارة أو مؤسسة، وبأجر يومي، خاضعاً لهذه المعايير، وبما أتخم المؤسسات ليس بالبطالة المقنعة فحسب وإنما حتى بمشكلات كبيرة ضاعفت مشكلات إدارة السياسة والحكم في البلد. وكان هذا مما يذكّر ويعيد بصيغة أو بأخرى سياسة {تبعيث} المؤسسات الحكومية والمجتمع التي اتبعها النظام الدكتاتوري السابق، وهي سياسة أدت إلى ما أدت اليه “.
واكد ضرورة مواجهة هذه المشكلات والاعتراف بها. تشخيص المشكلة هو الخطوة الأولى اللازمة للمعالجة والانتهاء من مشكلة جوهرية، وهذا التشخيص غالباً ما يتحاج إلى الإقدام من أجل بلوغه، وهذا الإقدام يجب أن نمضي به حثيثاً لنقف عند عمق المشكلة التي أربكت النظام السياسي ما بعد 2003. فالمشكلة الجذرية هي في طبيعة بناء الأحزاب على أسس مذهبية ودينية وقومية، وهي بعد ذلك تكمن في اخفاق الحياة السياسية في انتاج أحزاب قائمة على أساس المواطنة .
وقال “هذه الخصائص المؤثرة سلباً في تقويم الحياة السياسية كانت تزداد تحصناً مع تقدم السنوات وراحت تخلق وسائل إدامتها، بخلاف المنطق الذي يتطلب تجاوز تلك الطبيعة، والانسجام مع متطلبات تحرير الحياة السياسية من مشاكلها والانطلاق لبناء الدولة المدنية وتحقيق الإصلاحات.
وختم معصوم بالقول “بهذا الإقرار نخلص إلى نتيجة مفيدة وهي أن الإصلاح السياسي والإداري والمالي لن ينجز ، ولن تتحقق المصالحة الاجتماعية أو السلم الاهلي، طالما يظل الانتماء الطائفي والعرقي هو المقياس ولا حل بغير الوصول إلى كتل سياسية تقوم على أسس المواطنة أولاً وعلى ما تقدمه هذه الكتلة أو تلك من برامج مكرسة لخدمة المواطنين ولمصلحة الشعب وحياته الملموسة ثانياً، ويكون الناخب العراقي حراً في التصويت لبرنامج هذا الحزب أو تلك الكتلة حسب قناعته وحده، وينبغي التحرر من لحظة الخوف، الخوف الذي جرى تكريسه من الماضي ومن المستقبل لدواعٍ سياسية، والخوف من معالجة المشكلات بحلول صائبة وعملية. هذا التحرر لا يتحقق بالتمنيات وإنما بتغييرات تشريعية وبعمل سياسي غير متردد وبكثير من التفهم للمشكلات الوطنية العاصفة، آنذاك فقط ستكون لدينا فرصة تشكيل ائتلاف حاكم ومعارضة وطنية جادة وفي اطار العملية السياسية لتستقيم الديمقراطية في بلدنا”.انتهى