قراءةٌ في الجانب الإقتصادي من الأزمة السورية: بين الماضي والحاضر والمستقبل
شكلت الحرب على سوريا أزمة للدولة والنظام على الصعد كافة ومنها الصعيد الإقتصادي. وهو الأمر الذي لم يلقَ الأهمية المطلوبة، في ظل إعطاء الأولوية للنقاش السياسي فيما يخص الأزمة السورية. وهو الأمر الذي يحتاج للوقوف عنده، خصوصاً أن الحرب الكونية على سوريا أنتجت مشكلات تفوق قدرة الدولة، لا سيما حجم الدمار الذي حلَّ بالمنشآت وكذلك التهجير. في حين تُعتبر الأزمة السبب الرئيسي لكافة هذه المشكلات والتي لم تكن موجودة قبل الحرب، خصوصاً أن سوريا كانت من الدول التي تتمتع بإقتصادٍ مُتنامٍ بوتيرة متزايدة. فكيف يمكن وصف الإقتصاد السوري قبل وخلال الأزمة؟ وما هي أسباب تراجع الليرة السورية؟ ولماذا يمكن للإقتصاد السوري أن يتعافى؟
الإقتصاد السوري قبل الأزمة
يُعتبر الإقتصاد السوري من الإقتصاديات الأقوى في العالم العربي والشرق الأوسط. حيث تُثبت الإحصاءات أن الإقتصاد السوري مرَّ بمرحلة مستقرة من النمو وصلت الى 5.5 % بين العامين 2006 و 2010. وهو ما شكَّل أعلى نسب النمو المسجلة في الشرق الأوسط وفقاً لإحصاءات البنك الدولي. وهنا فإن الليرة السورية بقيت حتى بداية الأزمة مستقرة ومحافظة على قيمتها، حيث كان الدولار يساوي 47 ليرة سورية. في حين شكَّلت بداية الأزمة، مرحلة تراجع قيمة الليرة السورية لمستوياتها الأدنى.
الإقتصاد السوري في ظل الأزمة
لا شك أن الحديث عن المشكلات الإقتصادية يجب أن يبدأ في ذكر الأزمات التي ضربت القطاعات الأساسية. وهنا يمكن وصف الوضع الإقتصادي في سوريا اليوم جراء الحرب على الشكل التالي:
– يعتمد الإقتصاد السوري بشكل عام على مكون رئيسي وهو الإيراد من صادرات النفط. حيث كانت تصل صادرات سوريا قبل الحرب الى أكثر من 380 ألف برميل نفط يومياً، يتضمن تأمين الإكتفاء الذاتي من النفط الى جانب إنتاج الغاز للإستهلاك المحلي. في حين جاءت الحرب لتجعل عدداً كبيراً من آبار النفط تحت سلطة المجموعات المسلحة، مما أدى الى تراجع إنتاج النفط وسرقة عائداته. حيث تقوم هذه المجموعات بتهريب النفط عبر تركيا وبعض الدول الأوربية وبيعه بأسعار متدنية، وبالتالي تسرق حصة وحق المواطن السوري.
– يعتمد الدخل السوري على الزراعة والسياحة الى جانب النفط. حيث تُشكل الزراعة ما نسبته 15 % والسياحة ما نسبته 12%. فيما تُشكل عائدات التجارة الدولية ما يُقدَّر بـ 12 مليار دولار سنوياً من الصادرات. واليوم نتيجة الأزمة، حدث شلل في عمل القطاعات الأساسية الثلاثة وهو ما أثر على الإقتصاد السوري.
– شكَّلت السياسة الدولية من قبل العديد من الأطراف أداة ضغطٍ أثرت على عمل المؤسسات المالية في سوريا، حيث تم إيقاف التعامل مع البنوك وهو ما ضرب الليرة السورية.
أسباب تراجع قيمة الليرة السورية
عدة مشكلات إقتصادية برزت نتيجة الأزمة السورية والتي أثَّرت بشكل كبير على الإقتصاد السوري. حيث تراجعت معظم المؤشرات الإقتصادية وانخفض حجم الإنتاج الى جانب تراجع الناتج المحلي ومعدل الصادرات. فيما ارتفعت نسبة الإستيراد وارتفعت معها معدلات البطالة العمالية. لكن المشكلة المركزية والتي تعتبر الأهم والأخطر على أي إقتصاد، تتعلق بتراجع قيمة الليرة السورية. وهنا يمكن تشخيص أسباب هذه المشكلة المركزية بالتالي:
– السبب الأول يتعلق بأثر الأزمة على الداخل السوري، حيث أن أي اختلال في سوق العملات أو سعر الصرف يُعتبر نتيجة طبيعية لأي مشكلة أمنية تحصل في أي بلد وهو ما يضرب الإستقرار مما يُفقد العملة المحلية قيمتها.
– السبب الثاني يتعلق بالخارج وهو أن الدول مارست سياسات إقتصادية بشعة بحق الشعب السوري وذلك بهدف إضعاف النظام عبر إيقاف إستيراد النفط والذي يُشكِّل الداعم الأكبر للعملات الأجنبية في سوريا، الى جانب سياسات الممانعة الإقليمية والدولية التي فُرضت على المصرف المركزي السوري. في حين شكَّلت أسواق المضاربة المالية العربية مشكلة أخرى لليرة السورية، خصوصاً سوق المضاربة المالية السعودية في جدة، وهو ما عاد بكامله لأسباب سياسية.
– السبب الثالث يتعلق بعدم قدرة الدولة والبنك المركزي على حل كافة المشكلات المالية والإقتصادية جراء الأزمة، مما ساهم في خلق سوق وهمية فاقمت من الأزمة.
كيف يمكن للإقتصاد السوري أن يتعافى مستقبلاً؟
عدة خطوات يبدو أنها قابلة للتنفيذ في ظل تقدم الجيش السوري واستعادته للعديد من المناطق. وهنا نُشير لها بالتالي:
أولاً: حل مشكلة إنتاج النفط. تنتج سوريا ما يُقارب 380 ألف برميل من النفط يومياً قبل الأزمة، وقد انخفض هذا الإنتاج إلى 10 آلاف برميل بسبب سيطرة المسلحين على أكثر آبار النفط التي تقع في الشمال السوري على الحدود مع تركيا. مما يجعل تحرير هذه المناطق أولوية لدى النظام السوري، والذي يبدو أنه يتوجه لتحقيق ذلك.
ثانياً: تراجع الدول الإقليمية والغربية عن مواقفها تجاه العقوبات الإقتصادية على سوريا والتي أدت إلى صعوبة دخول المواد والسلع من الخارج الى جانب إيقاف عمل البنوك. وهو ما يُمكن أن يحصل نتيجة السياسة الحالية للدول والتي باتت تجد من النظام طرفاً أساسياً في أي حل للأزمة. وبالتالي فإن السعي للتقارب مع النظام السوري لا يمكن أن يتم في ظل عقوبات تؤثر على سوريا شعباً ودولة. في حين ساهمت الأدوار التي لعبتها أطراف دولية كروسيا وإيران في دعم الوضع السوري على الصعيد الإقتصادي.
ثالثاً: بعد تخطي المرحلة الحالية، يمكن التوقع بإنفراج الوضع بشكل أكبر لصالح النظام السوري، مما يمكنه من وضع رؤية وخطة واضحة للنظام المالي في سوريا، حيث أن نتائج الحرب الحالية زادت من خطر المشاريع الإستثمارية والتي شكلت عاملاً لفرار رؤوس الأموال، وغياب قدرة الدولة على التخطيط الدقيق. لذلك فإن زوال هذه المشكلات، يجعل النظام قادراً على تشكيل فريق عمل مؤهَّل للتعامل مع مشكلة انهيار الإقتصاد بطريقة علاجية فعَّالة. فيما تُشير تقديرات الخبراء الى أن سوريا تحتاج لما يقارب 180 مليار دولار لإعادة إعمارها.
يبدو أن الوضع في سوريا يتجه لحلول إقتصادية تتبع الحلول العسكرية والسياسية. فالعامل الإقتصادي يُعتبر النتيجة الحتمية للمشكلات السياسية والعسكرية، والتي يدفع المواطن السوري ضريبتها نتيجة المؤامرة العالمية ضد النظام والشعب السوري. فيما يجب انتظار انتهاء الجيش من مرحلة إعادة بسط سلطته الشرعية، لينتقل الى المرحلة التالية من إعادة إصلاح مع أفسدته الحرب على الصعد كافة.
المصدر / الوقت