التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

مغامرات الجيش الأمريكي في الخليج الفارسي، ماذا وراء محاولات استفزاز إيران؟ 

في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، قامت البحرية الإيرانية بتوقيف 10 من جنود البحرية الأمريكية، قالوا إنهم دخلوا المياه الإقليمية بالخطأ. قوة الرد الإيراني وسرعته، فاجأ الأمريكيين الذين وجدوا في الحادثة إهانة كبيرة لهيبة الجيش الأمريكي، وقد تفاعل الحادث بشدة في الداخل الأمريكي، لدرجة أن القيادة المركزية في البحرية الأمريكية قامت وبعد 5 أشهر من الحادثة بإقالة قائد الفرقة البحرية المسؤول عن الجنود الذين احتجزتهم قوات البحرية الإيرنية، وأفرجت عنهم لاحقاً بعد تدخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لدى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.

أمريكا في ذلك الوقت وقعت بين امتحانين صعبين، إذ أن الرد على التدخل الإيراني السريع، قد يجر الأوضاع نحو تصعيد عسكري، لا ترغبه أمريكا ولا تطيقه، خاصة وأن إيران ليست بالخصم السهل وقد راكمت قدرات دفاعية كبيرة، أما الخيار الآخر المتمثل بالسكوت -والذي كان أهون الشرّين- فقد أدى إلى كسر هيبة الجيش الأمريكي، والاضرار بسمعته بوصفه جيش القوة العظمى في العالم.

بعد ذلك الحادث، كان لافتاً، أن أمريكا تعمدت في أكثر من مناسبة، الاقتراب من المياه الإقليمية الإيرانية، ومن ثم الترويج في وسائل الاعلام إلى أن البوراج الحربية الأمريكية تتعرض لمضايقات من زوارق البحرية الإيرانية، وفي 24 أغسطس/آب الماضي اقتربت مدمرة أمريكية محملة بصورايخ بالستية من المياه الإقليمية الإيرانية، اعترضتها سفن البحرية الإيرانية واضطرتها لتغيير مسارها، وقالت أمريكا وقتها في وسائل الاعلام بأن المدمرة الأمريكية تعرضت لتحرش وعمل غير احترافي من قبل قوات البحرية الإيرانية، كما عرضت شريطاً مصوراً للتحرك السريع لزوارق البحرية الإيرانية واقترابها مسافة أقل من 300 متر من المدمرة الأمريكية.

أيضا هذا الحدث أخذ حيزاً هاماً من الاهتمام الاعلامي الأمريكي، بل وأصبح مادة للمعركة الانتخابية في الداخل، حيث وعد مرشح الرئاسة الجمهوري “دونالد ترامب” بأنه إذا أصبح رئيساً سوف لن يسمح “لزوارق إيران الصغيرة” بتطويق “المدمرات الأمريكية الجميلة” حسب تعبيره.

ومؤخراً، وتحديداً بالأمس 13 سبتمبر/أيلول، نقلت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين أن القوات الايرانية هددت طائرتي تجسس اميركيتين باستهدافهما اثناء تحليقهما في مهمة قرب السواحل الايرانية في الخليج الفارسي، وذلك مطلع الأسبوع الحالي، وأشار المسؤلون إلى ان القوات العسكرية الايرانية أبلغت الطائرتين خلال مهمتهما بتغيير مسارهما وإلا سيتم إسقاطهما، وقال المسؤلون إن الطائرتين العسكريتين الامريكيتين تجاهلتا التحذير فى “اختبار لرد الفعل الإيراني” حسب تعبيرهم. وأيضا وصف المسؤولون الأمريكيون التهديد الإيراني بإسقاط طائراتهم بالأمر “غير الاحترافي”.

السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تصر أمريكا على تكرار محاولات استفزاز إيران بالقرب من حدودها البرية والبحرية، وهي تعلم أن إيران لن تقف مكتوفة الإيدي وستتحرك تجاه أي اقتراب من مياهها وسمائها، وبنفس الوقت فإن أمريكا لن ترغب بالطبع بالتورط بأي عمل عسكري مع إيران، كما أنها لا تريد أن تعرض هيبتها العسكرية للخطر، فماذا تريد أمريكا؟

الجواب على هذا الاستفسار، جاء بالأمس الإثنين على لسان قائد البحرية الأمريكية “جون ريتشاردسون”، الذي دعا إلى اتفاق بين إيران وأمريكا على قواعد سلوك لتفادي “خطر سوء التقدير” وفق تعبيره، وقال ريتشاردسون: “إن سلسلة من المواجهات القريبة بين البحرية الأمريكية وسفن قتالية إيرانية في الخليج الفارسي تظهر ضرورة أن تتفق إيران وأمريكا على قواعد سلوك لتفادي خطر سوء التقدير”، وأضاف بأن اتفاقات من هذا النوع جرت بين أمريكا وروسيا والصين ساعدت في تقليص مثل هذه المخاطر.

إذاً، فأمريكا تبحث عن حجة للتفاوض مع إيران، وكل الاستفزازات الحدودية المتكررة التي قامت بها، إنما كان هدفها خلق حدث يستدعي من إيران القبول للجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات مع أمريكا، وذلك بهدف جر إيران لمفاوضات استنزاف على غرار تلك التي أجرتها أمريكا مع ليبيا وكوبا والاتحاد السوفيتي، وتسببت في نهاية المطاف بفرض الشروط الأمريكية على الجميع.

أمريكا التي تبرع في بيع الوهم إلى الدول التي تتفاوض معها، تريد أن تمارس هذا الدور مع إيران بعد أن يئست من كل محاولات استغلال مفاوضات الاتفاق النووي لجر إيران للتفاوض حول قضايا المنطقة، والمساومة على مواقفها، حيث حال القرار المبدأي الذي أعلن عنه مرشد الثورة الاسلامية سماحة السید علي خامنئي، بحصر المفاوضات بالقضية النووية فقط، دون جر إيران لأي مفاوضات من نوع آخر، واليوم تبحث أمريكا مجدداً عن مدخل للعلاقات السياسية مع إيران، علّها تكسب بالسياسة والمفاوضات ما عجزت عن تحقيقه بالقوة والحصار والحظر الاقتصادي طوال 37 عاماً من عمر الثورة الاسلامية.

من ناحية أخرى، فإن الاتفاق على “قواعد السلوك” بين أمريكا وإيران، من شأنه أن يلملم هيبة القوات الأمريكية في منطقة الخليج الفارسي، ويطمئن أمريكا حول أمن قواتها البحرية، ويشكل اعترافاً إيرانياً ضمنياً بشرعية انتشار هذه القوات في المنطقة.

إيران التي أختبرت أمريكا في أكثر من ميدان، تعلم أن كل الدعوات الأمريكية للتفاوض، ما هي إلا محاولات للخداع والتضليل، حيث أن أمريكا مازالت تماطل حتى الآن بقضية رفع العقوبات بعد الاتفاق النووي، بالرغم من أن إيران قد التزمت من جهتها بكل بنود الاتفاق، والتجربة الإيرانية تثبت أنها بالتأكيد لن تمنح أمريكا بالتفاوض، ما عجزت الأخيرة عن تحقيقة بالقوة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق