التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

أبعاد ودلالات؛ ما حقيقة الادعاءات حول “حصار تعز”؟ 

رغم اختلاف المشهد العام بين الأزمات الإقليمية في كل من سوريا والعراق واليمن، إلا أن الدخول في تفاصيل الميدان ترسم جملة من التشابهات التي تؤكد وجد يد خفيّة واحدة تدير كل هذه الجبهات.

ولعل انتهاز فرصة الأعياد المباركة سواء عيدي الفطر أو الأضحى من الأطراف الأقوى دولياً لإيجاد تغييرات ميدانية جديدة تصب في صالحها، من أبرز هذه المشتركات التي شاهدناها لأكثر من مرّة سواءً في سوريا أو العراق أو اليمن.

يمنياً، تطفو في هذه الأيام من قبل القوات المدعومة سعودياً وأمريكاً على سطوح الإعلام دعوات لرفع الحصار عن مدينة تعز، ثالث كبرى المدن اليمنية، وذلك بالتزامن مع عيد الأضحى المبارك.

فقد اتهم الإعلام السعودي قوات الجيش واللجان الشعبية بمحاصرتهم للمدينة ومنعهم دخول المستلزمات الضرورية للمستشفيات من أدوية وأسطوانات أوكسيجن ومواد أخرى، كما نقلت قناة الجزيرة القطرية التي خسرت بلادها بالأمس ثلاثة من جنودها “أثناء تأدية الواجب ضمن قوات التحالف العربي المشاركة في عملية إعادة الأمل في الجمهورية اليمنية الشقيقة”، تقريراً “عن تظاهر العشرات (وليس المئات) في ساحة الحرية بمدينة تعز اليمنية عقب أدائهم صلاة عيد الأضحى، مطالبين برفع الحصار عن المدينة ووقف القصف الذي يشنها الحوثيون على المدنيين والأحياء السكنية”.

المشهد الميداني

لفهم حقيقة هذه الادعاءات لا بد من رسم صورة واضحة حول المشهد الميداني في تعز، لاسيّما أن هذه الإدعاءات تتزامن وغارات الطائرات السعودية (غارتان بالأمس لطيران العدوان السعودي الأمريكي على جبل أومان بمديرية التعزية بتعز) على مواقع الجيش واللجان، فكيف تكون الهدنة والطائرات السعودية تواصل قصفها للمدينة، أم هل تُريد الرياض هدنة من جانب واحد أو بالأحرى تستثنني الطائرات السعودية، كما طالب وفدها سابقاً في مفاوضات الكويت؟

ميدانياً، تأتي هذه الدعوات إثر إحراز القوات اليمنية تقدما ملحوظاً في محافظة تعز حيث باتت قوات هادي والمرتزقة بين فكي كماشة، فقد أحكمت قوات الجيش واللجان الشعبية سيطرتها على خطوط الإمداد الرئيسية لقوات هادي والمرتزقة. الطرق الرئيسية هي كالتالي، أولاً الطريق المؤدية شمالاً للحديدة وفيها مقبنة وشمير إحدى أكبر تجمعات المرتزقة في تعز. ثانياً، ومن الغرب توجد منطقة الضباب التابعة لمديرية صبر الموادم التي يحاول المرتزقة السيطرة عليها ليتسنى لهم قطع خط إمداد الجيش اليمني واللجان الشعبية. ثالثاً، منطقة التربة التي تربط المحافظة مع الجنوبحيث تم قطعها مؤخراً من هيجة العبد في المقاطرة. ورابعاً، هي الطريق القادمة من لحج إلى كرش إلى الراهدة فتعز.

الأبعاد والدلالات

لا نختلف في معاناة سكّان تعز جرّاء نقص المواد التموينية والطبيّة، إلا أن هذه المعانات لا تقتصر على التعزيين فحسب، بل حالهم حال كل أبناء الشعب اليمني، ولمعرفة السبب في ذلك لا بد من مشاهدة الطائرات الحربية التي تعطّل مطار صنعاء، والسفن التي تحاصر الموانئ في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث لا علم لنا بتواجد قوات الجيش واللجان الشعبية هناك، إلاّ إذا ثبت العكس لاحقاً.

إن هذه الادعاءات الجديدة تحمل جملة من الدلالات التي لا يمكن فصلها عن الاستراتيجية العامة للعدوان السعودي على اليمن، أبرزها:

أولاً: لا شكّ في أن الحديث عن تكرار تجربة هدنة الأعياد يهدف لاستغلالها في تحقيق تقدم هنا أو خرق من هناك، لاسيّما أن الطرف اليمني المدعوم سعودياً وأمريكياً هو الأقوى على الساحة الدولية. مع العلم ان هذه الدعوات تكشف زيف الإدعاءات التي أمطرنا بها الإعلام السعودية قبل فترة بخصوص السيطرة على تعز، فضلاً عن صنعاء.

ثانياً: السؤال الذي يطرح نفسه اليوم من الذي تحاصرهم قوات الجيش واللجان الشعبية في تعز، هل هم قوات هادي أم السكان؟ وهل تمنع قوات الجيش واللجان الشعبية، في حال تسليمنا بمحاصرتها للمدينة، دخول المساعدات الغذائية والطبيّة للسكان؟ إذا كان الأمر كذلك، لماذا لم تعترض المنظمات الإنسانية والحقوقية على هذا التصرّف حتى الساعة؟ لماذا لم تتحدّث هذه الأصوات أنفسها عن الهدنة في الصراري عندما تمّت محاصرتها، ليس ذلك فحسب بل تعرّض السكّان هناك لتهجير والقتل الوحشي والتنكيل وإحراق بيوت الله وتفجير بيوت المواطنين وفرض حصار اقتصادي كعقاب جماعي؟

ثالثاً: تحاول قوّات المرتزقة كسر الحلقات التي أمسكت بها قوّت الجيش اليمني لكسر عزلتهم، إلاّ أن قوات الجيش واللجان تتجّنب فتح معارك في المناطق ذات الكثافة السكّانية. الاستراتيجية القادمة لقوات هادي ستكون عبر إشعال الجبهات داخل المدينة بغية الإضرار بالمدنيين واستغلال هذا الأمر على الصعيد الإعلامي.

رابعاً: بعض ضعف القوات الموالية للسعودية والفلتان الأمني في مدينة عدن، ثاني المدن اليمنية، في ظل تواجد تنظيمي القاعدة وداعش في الجنوب، يبدو أن هناك توجّه لبسط السيطرة التامّة على محافظة تعز، ثالث كبرى المدن والعاصمة الثقافية لليمن. فلا نستغرب أن تكون هذه الدعوات مقدّمة لفرض السيطرة التامة على محافظة تعز التي تتحكّم بمضيق باب المندب الاستراتيجي، حينها من الممكن أن تكون هذه المحافظة مقرّاً جديداً للحكومة اليمنية.

اذاً، وبعد فشل حكومة هادي في تحقيق الاستقرار الأمني في عدن في ظل نفوذ القاعدة وداعش هناك، أي خسارتها للمدن الأولى (صنعاء) والثانية (عدن)، لا بد من التوجّه نحو المدينة الثالثة (تعز). هنا تجد الإشارة إلى أن هذه الخطوة ربّما تشكّل الحجر الأساس لقلب السعودية للطاولة على الجميع، أي تقسيم اليمن عبر إعطاء عدن للحراك الجنوب، وبالتالي خلط الأوراق من جديد، ولكن في حال فشل مخطّطها في تعز، لن تصل السعودية إلى مبتغاها.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق