هل تستطيع السعودية العيش من دون ايران؟
يبدو السؤال عن إمكانية عيش المملكة السعودية من دون ايران سؤالا خادعا الا أن مضمون المقال سيوضح المعنى المقصود به.
إن المتتبع لإعلام المملكة السعودية سيلحظ حجم التحريض الممنهج الذي يمارسه هذا الاعلام تبعا لحكومته ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، متكئا في هجومه على موضوع الحج. وبنظرة سريعة الى الايام الاربعة الاخيرة (من الاحد الى الاربعاء) كنموذج لهذا الاعلام فإننا سنجد الاحصائية التالية :
• الاحد (11/9/2016م):
ثمانية عشر مقالا توزعت على الصحف السعودية، دون ان تحتسب المقالات التي صدرت ظهرا على الصفحات الالكترونية لهذه الصحف، وتنوعت المقالات بين استهداف لإيران كدولة واستهداف لمرشدها الامام السيد علي الخامنئي. وننتقي النماذج :
– خامنئي يحول ركن الحج من مكة المكرمة إلى كربلاء ( صحيفة اليوم).
– النظام الإيراني اعتاد الدجل والكذب لتضليل الرأي العام (عكاظ).
– الحج بلا إيران: مصحف سماحة السيد (الوطن)
– إيران جمهورية الشيطان! (الجزيرة).
– إيران.. شيطان يسري في التفاصيل (الجزيرة).
– إيران.. نظام المشانق..؟! (الجزيرة)
– إيران عدو ديننا وقومياتنا وأوطاننا! (مكة)
• الاثنين (12/9/2016م):
ايضا عدد المقالات اثنا عشر مقالا صدرت حتى صباح يوم الاثنين منها على سبيل المثال:
– الطغاة والحج (عكاظ).
– علماء: إرسال إيران حجاجها إلى كربلاء والنجف إمعان في البدعة! (عكاظ)
– أم القرى الإيرانية.. هذه هي القضية! (الجزيرة)
– اشقياء إيران.. ومرشدهم البليد!! (الجزيرة).
– حج كما شرعه الله .. بلا بدع ولا شعارات (الاقتصادية).
– السعودية تحتفل بالحجاج وإيران تحتفل بالشيطان (الاقتصادية).
– المجوس والشجرة الملعونة! (الشرق الاوسط).
– لا يحج ملالي طهران لاعتقادهم أنهم فوق التكليف (مكة).
• الثلاثاء (13/9/2016م):
عدد المقالات بلغ ثلاثة عشر مقالا منها:
– الخمينيون الشياطين يخسرون (الشرق).
– ليس لهم إلا النعيق والهذيان! (عكاظ).
– خامنئي.. وحيدا في المنزل (عكاظ).
– أيها الحجاج الشيعة.. قولوا لإيران! (المدينة).
– خامنئي يفتقد أدب الحياء في الإسلام (الشرق الاوسط).
– الحج وسقوط ورقة التوت عن النظام الإيراني (الشرق الاوسط).
• الاربعاء (14/9/2016م):
خمسة عشر مقالا منها:
– المغردون يبعثون #رسالة ـ للإرهابي ـ خامنئي (عكاظ).
– للعمائم السود: هنا منى (الوطن).
– (هذا اللي كان ناقص يا خامنئي) (الجزيرة).
– إيران العدوانية (الجزيرة).
– فرحة ضيوف الرحمن وحزن خامنئي!! (الجزيرة).
هذه بعض العينات مما يسمى بالإعلام السعودي والذي يبدو انه منابر تكفير وشتائم لا منابر اعلام وصحافة. وبعيدا عن هذه السفاهات المدونة في تفاصيل هذه المقالات، يمكننا ان نسجل الملاحظات التالية:
1- يبدو ان هذه الصحف تمارس مسابقة في السباب والشتائم وهذا ان دل على شيء فانما يدل على طبيعة العقل المشغل لهذا الاعلام.
2- إن هذا الاعلام يمارس التشويه عبر الكذب الصريح على طائفة بأكملها (الشيعة). فمن المعلوم لكل أحد ان زيارة الشيعة لمراقد أئمتهم في العراق او ايران او حتى القطيف ( رغم تعذر زيارة الاخيرة بسبب القمع الوهابي) انما هو زيارة لا حجاً ولا يسقط وجوب الحج على المستطيع باي حال من الاحوال. ومع ذلك لا تزال الوهابية تمارس الكذب عبر الادعاء ان الشيعة يحجون الى مراقد ائمتهم. ولا يمكن الاحتجاج ببعض الصور التي نشرت هذا العام حول ارتداء بعض الشيعة لملابس تشبه ملابس الاحرام اثناء زيارتهم للعتبات المقدسة في العراق، اذ من المعلوم انها خطوة اعلامية للرد على قيام الوهابية وحكام المملكة بمنع الحجاج الايرانيين من اداء فريضة الحج، وارتداء هذه الملابس لا يجعل زيارتهم حجاً.
3- في المقال الذي جاء بعنوان «لا يحج ملالي طهران لاعتقادهم أنهم فوق التكليف» الذي نشرته صحيفة مكة، نسبت الصحيفة لأستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى الدكتور «محمد السعيدي» قوله ان «عدم أداء المرجعيات الشيعية الكبرى في طهران وأعوانهم لفريضة الحج إلى ثلاثة أسباب، أهمها اعتقادهم أنهم فوق التكليف» على أن الذي يملك ادنى معرفة في العقائد الشيعية يعلم ان لا أحد فوق التكليف الشرعي. ولئِن كان الامام المعصوم عندهم لا يعفى بحال من الاحوال من التكليف الا ما نص عليه الشرع، فكيف يعفى من هم دونه؟ واذا كانت هذه السفاهات تصدر عمن وصفته الصحيفة « أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى» فماذا تركوا لمن هم دونه؟؟.
4- اذا كان الايرانيون مجوسا وغير مسلمين كما وصفهم المفتي السعودي، وكما وصفتهم الصحافة، وهم ايضا شياطين واعداء للدين وما الى ذلك من الاوصاف، فان السؤال الذي ينبغي ان تسأل عنه المملكة والوهابية ليس عن سبب منع الايرانيين من الحج هذا العام، بل عن سبب السماح لهم بالحج طوال الاعوام السابقة!
5- في الوقت الذي يواجه فيه الامام السيد على الخامنئي ملاحظات موضوعية عن الافكار الوهابية وتكفيرها للآخرين، اضافة لملاحظات على ادارتهم للحج، ترد الوهابية وصحافتها عليه بنفي التهم عن نفسها عبر تكفيره وتكفير الشيعة، الايرانيين منهم وغير الايرانيين، اضافة الى الكذب والافتراء عليهم وبأن ينسبوا إليهم أمورًا لا يقولون بها.
6- الهجوم على ايران لم يكن جديدا ولا يتعلق بأوضاع الحج، فقد سبق هذه الحملة حملة ايضا بعد الاتفاق النووي. على ان الملاحظ ان الاعلام السعودي اعترف ان الحملة بدأت منذ انتصار الثورة الاسلامية، وترافق ذلك مع مدح لنظام الشاه الايراني المخلوع الذي كان يهز العصا دوما للملكة وحكامها. ما يشير الى ان المشكلة الاساس للوهابية وآل سعود هو في النظام الاسلامي في ايران.
7- ان هذه الحملة ازدادت شراسة بعد ظهور الحركات التكفيرية والتي تبين للقاصي والداني انها وليدة الفكر الوهابي التكفيري، لا سيما مع علو الأصوات التي تطالب باتخاذ اجراءات بحق هذا الفكر، ثم اقامة مؤتمر غروزني الذي شخص الفكر الوهابي كفكر اقصائي تكفيري. وتعود قيمة المؤتمر في انه صدر من جهات تمثل المذاهب السنية الاساسية. وقد دفعت هذه الامور بالوهابية وحكام المملكة الى ممارسة عمليات تضليل كبيرة تتهم ايران بانها تقف وراء داعش وتنظيم القاعدة، رغم الصلة الواضحة بين هذه الجماعات والوهابية التكفيرية.
وعلى أي حال، من الواضح أن هذا الجنون السعودي يعود بشكل أساس منه الى ان الجماعات التكفيرية انقلبت على حكام المملكة لا على الفكر الوهابي، واخذت تميز بين الوهابية وآل سعود فكفرت الثانية لا الاولى وبهذا نفهم سبب كون العمليات التي شنها داعش داخل المملكة استهدفت القوى الامنية فيها لا عموم المدنيين. وكذلك نفهم طبيعة الخطاب الذي يوجهه ايمن الظواهري تجاه آل سعود وحكام المملكة لا لعموم مواطنيها.
من هنا ترى المملكة ان تصعيد العداء ضد ايران، وجعلها عدوا «دينيا» قد يحول انظار الجماعات التكفيرية عن المملكة بوصفها هدفا، ويحشّدها ضد عدو «مشترك» وتقدم المملكة نفسها بوصفها قائدة لهذه «الحملة». وبكلمة أخرى ان عداء المملكة لايران ابتعد عن كونه عداءً دينياً ينبع من مرتكزات وهابية تكفيرية؛ ليصبح عداء سياسيًا يتلبس بلباس الدين عن طريق ايجاد عدو مفترض بهدف ابعاد انظار الجماعات التكفيرية عن استهداف المملكة، وبهذا المعنى يمكن ايضاح العنوان الوارد في المقال عن طريق التساؤل التالي : هل يمكن للسعودية ان تعيش دون العداء لايران؟
محمد محمود مرتضى / فارس
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق