التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

دول الإتحاد الأوروبي: نحو عسكرة الأمن وتشكيل جيشٍ موحَّد! 

خرج الحديث الأوروبي عن تشكيل قوة عسكرية موحدة، ليلقى ترحيباً أوروبياً خجولاً لم يرتق لمستوى إمكانية التطبيق بعد، على الرغم من الحاجة له. في حين يمكن القول إن التحديات لذلك كثيرة، والآثار عديدة. وهو الأمر الذي تسعى له كلٌ من فرنسا وألمانيا تحديداً، في ظل شعورٍ بالتهديد الأمني. فماذا في المقترح الأوروبي لتشكيل جيشٍ موحد؟ وما هي أسباب وتحديات ونتائج ذلك؟

المُقترح الأوروبي محط بحث وزراء الدفاع

منذ أسبوع ذكرت وزارة الدفاع الألمانية، أن وزراء دفاع الإتحاد الأوروبي قد يتخذون أول القرارات بشأن إنشاء جيش مشترك في 15 تشرين الثاني من العام الجاري في بروكسل. وحسب المعطيات الرسمية التي كشفت عنها برلين، فإن زعماء الإتحاد الأوروبي سيُفصحون عن موقفهم من المفهوم المقترح المتعلق بإنشاء جيش أوروبي مشترك خلال اجتماع مجلس الإتحاد الأوروبي يومي 15 و16 كانون الأول اللاحق. وكان وزيرا الدفاع الفرنسي “جان إيف لو دريان” والألماني “أورسولا فون ديرلاين”، قد وجها رسالة إلى المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن للإتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” تضمنت مقترحات محددة. وكانت صحيفة “زودويتشيه تسايتونغ” قد أشارت الى أن المقترحات تتضمن إنشاء مقر قيادة مشتركة للعمليات العسكرية والمدنية للإتحاد الأوروبي، ومنظومة مُوحدة للرصد عبر الأقمار وتبادل الخدمات اللوجستية والموارد العسكرية والطبية.

فرنسا وألمانيا والدفع نحو قوات دفاع مشتركة

تعمل دول الإتحاد الأوروبي، لا سيما فرنسا وألمانيا، للدفع نحو تشكيل قوات دفاعٍ عسكريةٍ مشتركة. وهو الأمر الذي دعت إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند منذ أيام، خلال حديثهما عن أهمية تحديد مواضيع أجندة “قمة براتيسلافا” الأوروبية. وذكر هولاند وميركل بعض الأولويات لهذه الأجندة مثل تحقيق الأمن الأوروبي بقدرات دفاعية جديدة والعمل للتخطيط المشترك من أجل المستقبل الإقتصادي والإجتماعي الأوروبي. وهنا يُذكر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تُروج لهذه الفكرة منذ عام 2007.

الصحف الغربية تفضح المشروع السري

كشفت صحيفة “التايمز” في عددها الصادر في 27 أيار من العام الحالي، عن محاولة جرت لإبقاء مشروع تشكيل الجيش الأوروبي الموحد طي الكتمان في بريطانيا، وذلك حتى موعد إجراء الإستفتاء حول خروجها من الإتحاد. إلا أن “المشروع السري” بحسب الصحيفة، تسرب إلى الإعلام ونشرته صحف بريطانية، والتي أشارت الى أن مسؤولة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي “فيدريكا موغيريني” ساهمت في وضع مسودة ما يُسمى بـ “الجيش الأوروبي”.

أسباب التفكير بإنشاء جيش أوروبي

عدة أسباب يمكنها أن تشرح المساعي الأوروبية خلف الدفع بإتجاه تشكيل قوة إقليمية مشتركة، والتي يمكن الإشارة لها بالتالي:

أولاً: إن فكرة إنشاء جيش أوروبي موحَّد، تأتي كردة فعل طبيعية من دول الإتحاد بعد خروج بريطانيا. وهو الأمر الذي يعود لسبب يتعلق بأن بريطانيا كانت تُمثل أكبر قوة عسكرية داخل الإتحاد بالإضافة الى فرنسا وألمانيا. فيما دفع خروج بريطانيا كلاً من باريس وبرلين لرفع وتيرة العمل المُشترك في ظل حاجة فرنسية للدعم الأمني والعسكري الألماني في مواجهة التهديدات الإرهابية. كل ذلك يجري، على الرغم من وجود منافسة بينهم لقيادة الإتحاد الأوروبي.

ثانياً: لم يكن الناتو بمستوى طموحات الدول الاوروبية فيما يخص الأمن والشؤون العسكرية. وهو الأمر الذي يُبرزه سعي حلف الناتو الى زيادة الإنفاق العسكري بشكل غير موجَّه، في ظل مشكلات بينه وبين القيادة السياسية الأوروبية، والتي لم تعد تجد فيه الأهلية لتأمين قيادة الشأن العسكري الأوروبي المُوحد.

ثالثاً: شعور الدول الأوروبية بتراجع الإهتمام الأمريكي بالقارة الأوروبية وتوجهها لشرق آسيا، مما يدفع الدول الأوروبية للإعتماد على نفسها في مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية. وهو الأمر الذي ساهمت فيه مسألة إعلان أمريكا عن توجيه اهتمامها في جنوب آسيا والكاريبي، مما أثار مخاوف أوروبا حول دفاعاتها. الأمر الذي لحقه بحث الدول الأوروبية عن خطة بديلة، تهدف لمسك الحدود الداخلية والخارجية لحماية أمنها. وهنا تأتي جهود دول الإتحاد الأوروبي وتحديداً ألمانيا عبر إرسال سفن عبر البحر المتوسط وقبالة السواحل الليبية لأهداف أمنية أكثر مما هي دفاعية عسكرية.

التحديات والمصاعب

عدة عوامل داخلية وخارجية قد تساهم في إفشال هذا المشروع، وهي على الشكل التالي:

أولاً: على الرغم مما تبذله دول الإتحاد الأوروبي من جهود، وذلك لكي تظهر مُوحَّدة، إلا أنها ما تزال منقسمة حول العديد من المواضيع والتي يأتي في مقدمتها قضية اللاجئين. فيما تصاعدت في الآونة الأخيرة، الدعوات لإخراج الدول التي لا تلتزم مقررات الإتحاد كالمجر على سبيل المثال. وهو ما يُهدِّد إمكانية الإتفاق على مشروعٍ من هذا القبيل خصوصاً في ظل التغيُّرات الجذرية التي تشهدها أوروبا لا سيما على صعيد الأنظمة.

ثانياً: إن العمل على الإنتقال من سياسة الدفاع الناعمة الى السياسة الخشنة في الدفاع، يتطلب الكثير من مزايا التعاون على الصعيدين الأوروبي المحلي والإقليمي الى جانب وجود عمل إستخباراتي داخل وخارج دول أوروبا يُكافح عمليات الإرهاب وتهريب البشر عبر ليبيا وتركيا ودول افريقية أخرى، وهو الأمر غير الموجود بين الدول الأوروبية. فعلى الرغم من أن هذه الدول باتت مقتنعة بضرورة التنسيق من أجل محاربة التهديدات الأمنية، وضبط الحدود الداخلية والخارجية لها، إلا أنها ما تزال بعيدة عن القدرة على تحقيق ذلك، لأسباب تتعلق بالنظرة المتبادلة بين الدول الأوروبية تجاه بعضها البعض. وهو ما تُبرزه مسألة الحديث عن وجود دول أساسية وأخرى غير أساسية في الإتحاد.

ثالثاً: إن المشروع المطروح للبحث يلقى رفضاً أمريكياً غير مُعلن، خصوصاً أنه يُساهم في إخراج الدول الأوروبية من حاجتها لأمريكا، ويؤدي لتراجع الإعتماد الأوروبي على واشنطن. مما يجعل الرضا الأمريكي أولوية ليُبصر المشروع النور، إلا إذا قررت الدول الأوروبية الخروج عن التبعية لأمريكا وهو ما لم يتبيَّن حتى الآن.

آثار تشكيل جيش أوروبي مُوحَّد

عدة آثار يمكن أن يُنتجها تشكيل جيش أوروبي موحَّد:

– سيؤدي ذلك الى إضعاف حلف شمال الأطلسي وهو ما لا يصب في صالح الدول الأوروبية حالياً خصوصاً في ظل الصراع بينها وبين روسيا.

– سيؤدي بالدول الأوروبية للإنتقال من إستراتيجيات التمدد السياسي والعسكري الى الدفاع العسكري والأمني وهو ما يُساهم في تراجع الإهتمام الأوروبي بالسياسة الدولية الإستعمارية للمنطقة على الصعيد الخارجي. أما على الصعيد الداخلي، فهي ستُعطي السياسات العسكرية والأمنية أهمية كبيرة الى جانب الإهتمامات الإقتصادية.

– لا شك أن هكذا خطوة ستؤثِّر على العلاقات المشتركة بين الدول الأوروبية وأمريكا على الصعيدين العسكري والأمني، الى جانب علاقات أوروبا بالناتو.

يبدو واضحاً بأن السعى الأوروبي جدي ونابع من شعورٍ بالتهديد الجماعي. لكن التحديات ما تزال أكبر من الأسباب. وهو الأمر الذي يحتاج لعلاجٍ من غير المعروف إمكانية حدوثه. فيما يجب الإنتظار ليتبيَّن توجه ومسار الأمور مستقبلياً.
المصدر / الرقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق