ما الذي يحدث في شمال سوريا ؟
في غمرة مسلسل تبادل الاتهامات بين موسكو وواشنطن حول المسؤولية عن ضرب قوافل الإغاثة الإنسانية الدولية للمحاصرين في حلب الشرقية، أصدر المجلس الشرعي لحركة “احرار الشام” الإسلامية فتوى بجواز مقاتلة تنظيم “داعش”، والتعاون مع الجيش التركي في هذا المضمار باعتبار هؤلاء “خوارج” و”مارقين” عملوا على “تشويه” الدين الإسلامي، وكانوا خنجرا طاعنا في خاصرة الثورة والثوار والمجاهدين”، واباحت الفتوى نفسها جواز التنسيق والتعاون مع الجيش التركي لتحرير بعض المناطق التي يسيطر عليها الاكراد، وهذا يعني تبني “أولوية” قتال تنظيم “داعش” على أولوية اسقاط النظام في الوقت الراهن على الأقل.
يتزامن اصدار هذه الفتوى مع ثلاثة تطورات رئيسية لا بد من التوقف عندها لفهم التطورات الاحدث في الملف السوري:
الأول: اعلان السيد نور الدين جنشلي، نائب رئيس الوزراء التركي عزم بلاده إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي السورية بمساحة خمسة آلاف كيلومتر، وإقامة عدة مدن جديدة عليها.
الثاني: طرح جون كيري وزير الخارجية الأمريكي امام مجلس الامن الدولي في جلسته التي انعقدت يوم أمس (الأربعاء) إقامة منطقة حظر جوي كشرط لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في المناطق التي تشتعل فيها المعارك.
الثالث: اصدار المكتب الإعلامي لـ”ولاية حلب” التابعة لـ“داعش” شريطا يحمل اسم “فاعتبروا”، يظهر فيه اعدام عنصر من الجيش السوري الحر، من “لواء الحمزة” المشارك في عملية “درع الفرات” التركية، ويصف الرئيس رجب طيب اردوغان بأنه “طاغوت يعمل وفقا لمصالح الدول الصليبية”.
***
“احرار الشام” هي الحركة الأكثر قربا وتحالفا مع جبهة “فتح الشام” النصرة سابقا، ولم تدرجها الولايات المتحدة على قائمة “الجماعات الإرهابية” مثل تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وتعتبر الأكثر قربا للسلطات التركية، وهذه الفتوى تعني انها ستتبنى المشروع التركي في اقامة المنطقة العازلة، والقتال الى جانب الجيش التركي للقضاء على “داعش”، ولا يستبعد الكثير من المراقبين ان تجيز الفتوى نفسها لجبهة النصرة، تبني الخطوات نفسها، وربما هذا ما يفسر تراجع الولايات المتحدة عن اتفاق وقف اطلاق النار مع روسيا، حتى لا تنفذ البند المتعلق بقصف الأخيرة، أي جبهة “فتح الشام”.
قتال فصائل المعارضة السورية الإسلامية المتشددة لـ“داعش” حصل على غطائين: الأول، شرعي من خلال الفتوى المذكورة، والثاني تركي، أي تحت لواء دولة إسلامية، وليس لواء الولايات المتحدة الامريكية، ودول التحالف الستيني، وسيتم هذا القتال لـ”داعش” في اطار عملية “درع الفرات” التركية.
قصف مواقع الجيش السوري من قبل أربع طائرات أمريكية وأسترالية وبريطانية ودانماركية لمدة ساعة في جبل الثردة، المطل على مطار دير الزور، وكذلك تدمير 18 حافلة للأمم المتحدة من مجموع 32 حافلة في إطار قافلة كانت في طريقها الى حلب الشرقية، جاءا بهدف تبرير فرض الحظر الجوي، وتثبيت المنطقة العازلة التي تضع أسسها القوات التركية حاليا، ومن المفترض ان تشمل منطقة شمال سورية، وتكون حاجزا ضد إقامة أي كيان كردي مستقبلا.
أمريكا اعترفت بأنها قصفت مواقع الجيش السوري في دير الزور، ولكنها ترفض الاعتراف بأي دور لها او لحلفائها في قصف قوافل الإغاثة الأممية، ولكن تراجع الأمم المتحدة عن نظرية قصف هذه القوافل من الجو، وضع الإدارة الامريكية وحلفاءها في تركيا، والمعارضة السورية المسلحة، في خانة الاتهام المفترض.
هارولد كوجات، الرئيس السابق للجنة العسكرية لحلف “الناتو”، ورئيس هيئة اركان الجيش الألماني الأسبق، لمح الى هذه الفرضية في مقابلة مع محطة تلفزيون المانية (N.TV)، وقال “لا اعتقد ان روسيا تريد نسف اتفاق الهدنة، ولا اعتقد ان السلطات السورية ستقصف قافلة اممية تابعة للهلال الأحمر السوري.. ولا يبق الا الجماعات “الإرهابية” التي لها مصلحة بنسف الاتفاق الروسي الأمريكي الذي ينص على تعاون الجانبين في عمليات عسكرية مشتركة للقضاء عليها”، ولكنه استطرد قائلا “ولكن لا يوجد أي دليل ملموس يؤكد هذا الافتراض عمليا، ولذلك لا بد من تحقيق دولي لان كل ما نسمعه الآن هو تكهنات”.
لا توجد أي نية للإدارة الامريكية لتشكيل لجنة تحقيق حتى كتابة هذه السطور، ولماذا يتم اجراء هذا التحقيق، فالهدف من الضربتين في دير الزور، ومدخل حلب الشرقية تحقق، أي تفجير الهدنة، وإعادة الأمور الى المربع الأول.
***
روسيا أعلنت رسميا على لسان سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي يوم امس، انها لن تقبل بالحظر الجوي على تحليق الطائرات الروسية والسورية في منطقة حلب، ووصفه بأنه غير عملي، وتتردد انباء ان روسيا تعارض التوغل العسكري التركي في منطقة جرابلس والباب، مثلما تعارض أي منطقة عازلة لأنها تتعارض مع التفاهمات التركية الروسية.
السؤال هو: هل نجح الاتراك في خداع الجميع، عندما تصالحوا مع الروس وغازلوا السوريين، واستخدموا الإيرانيين كوسطاء في الحالتين؟ وهل عادوا الى الخيمة الامريكية مجددا، او بالأحرى، لم يغادروها في الأساس؟ وهل نحن امام تشكيل قوات “صحوات” سورية تحت مظلة تركية إسلامية؟
الأيام المقبلة ستجيب عن كل هذه التساؤلات.
عبد الباري عطوان
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق