دلالات الأزمة السورية: واقعٌ من التحديات يحتاج لمعادلاتٍ جديدة!
بات الواقع السوري مُعقداً بعيداً عن الحلول لا سيما السياسية. على الرغم من أن النظام السوري يعيش مرحلة ذهبية في حربه على الإرهاب ومحاربته المؤامرة الكبرى ضده، إلا أن نفاق السياسة الأمريكية وحلفاءها ودورهم في دعم الإرهاب وتغذيته، وبُعدهم عن المصداقية في التعاطي مع الإتفاقيات ومماطلتهم عبر خروجهم من نتائج المفاوضات، كل ذلك يفرض معادلاتٍ جديدة يمكن أن تكون مؤثرة في نتائج الصراع في سوريا، فيما يخدم مصلحة النظام والشعب السوري ووحدة الأراضي السورية. فكيف يمكن توصيف واقع الأزمة السورية اليوم؟ ولماذا باتت معقدة وما هو دور الأطراف في ذلك؟ وما هي الخيارات الجديدة التي يجب اللجوء لها؟
الأزمة السورية: واقع وتعقيدات
لا يختلف إثنان على أن الأزمة السورية باتت مُعقدة وبعيدة عن الحلول بمعناها السياسي أو الدبلوماسي. وهو الأمر الذي أصبح واضحاً لا سيما بعد فشل الهدنة الأمريكية الروسية، وقيام واشنطن بخَتمِ الفشل بإعتداءٍ عسكريٍ واضح بررته واشنطن بالخطأ. فيما كان قد سبق الإعتداء الأمريكي، إعتداءٌ إسرائيليٌ قُوبل بردٍ من الجيش السوري. أمام هذا الواقع، طُرحت العديد من التساؤلات حول مستقبل الحل في سوريا. فيما يمكن الحكم نتيجةً لقراءة الواقع الحالي بدقة، بأن الحل ليس بقريب، ولن يكون سياسياً.
أسباب التعقيد في الأزمة السورية
لا شك أن الحديث عن الأسباب يجعلنا نتطرأ للأطراف وسلوكها تجاه الأزمة. وهو الأمر الذي يحتاج لموضوعية بعيدة عن الكلام الإعلامي الموجه. وهنا نُشير للتالي بحسب الأطراف:
– النظام السوري وهو الطرف المعني الأساسي بما يخص سوريا، يتعاطى مع الأزمة من منطلق مصلحة الشعب السوري على كافة الصعد. وهو ما يعني الربط بين المصالح الداخلية والخارجية والتي تُشكل معاً الأمن القومي السوري. مما يجعل النظام يُقارب التحديات ليضعها في خدمة المسار العروبي لسوريا والمتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي. وهو الأمر الذي يتماشى معه حلفاء النظام في سلوكهم تجاه سوريا تحديداً إيران وحزب الله.
– روسيا الطرف الفاعل على الصعيد الدولي، والحليف القديم لسوريا كما يصفها الخبراء، أثبتت مصداقيتها في التعاطي مع الأزمة السورية، خصوصاً لجهة إيمانها بضرورة وحدة الأراضي السورية وبقاء النظام برئاسة الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة، الى جانب ضرورة محاربة الإرهاب الذي آمنت موسكو أنها ستكون أحد أهدافه. كل هذه الأمور كانت القاسم المُشترك بين روسيا ومحور المقاومة فيما يخص الأزمة السورية.
– أمريكا الطرف الدولي وعرَّاب سياسات حلفائه الغربيين والإقليميين من العرب تجاه سوريا، كانت وما زالت تتعاطى مع الأزمة من منطلق مصلحتها الخاصة، دون مراعاة حتى مصالح حلفائها. مما أدى للكثير من الإختلافات في وجهات النظر حول إدارة ملف محاربة الإرهاب، بين أمريكا وحلفائها من جهة، وبين الحلفاء أنفسهم من جهة أخرى. فيما دفع الشعب السوري مسؤولية ذلك. أما تركيا والتي كانت من ضمن الحلفاء، باتت طرفاً مشاكساً بالمفهوم الأمريكي، خصوصاً لحربها ضد الأكراد، الى جانب أهمية موقعها الجيوسياسي.
– الطرف الإسرائيلي، والذي يتميَّز بدلاله من بين حلفاء أمريكا، بل هو الهدف من أي استراتيجية أمريكية، يتعاطى مع الأزمة السورية ضمن فهمه لأمنه القومي، وكيفية حفظه لإستمرارية الكيان دون عدوٍ يُنغِّص مستقبله السياسي والعسكري والأمني. ليكون في موقعٍ يختلف عن الطرف الأمريكي، من حيث التكتيك وليس الهدف. مما جعله يُشكِّل جوقةً من الحلفاء العرب الذين قد تجمعهم المصالح مع تل أبيب.
كل هذه الأطراف تتحارب على الأرض السورية. مع وجود إختلافٍ في السلوك والرؤية والهدف. مما أثمر واقعاً مُعقداً يحتاج لمعادلاتٍ جديدة، ليس إعتيادية أو تقليدية. وهو الأمر الذي يجب الوقوف عنده، خصوصاً أن واقع النظام السوري وحلفائه من محور المقاومة وروسيا، باتو في موقع القوة، على عكس الطرف الآخر والذي بات يتدحرج من ضعفٍ في الميدان الى ضعفٍ في السياسة. فما هي المعادلات الجديدة التي يجب إرساؤها في سوريا؟
الأزمة السورية والإنتقال نحو إرساء معادلاتٍ جديدة في الصراع
على الصعيد الظرفي نجد أن الأطراف بأسرها تنتظر المُنعطف المقبل. فالجميع بات في موقع استراحة المحارب وإن كانت الحرب في أوج استعارها. لكن الواقع بات بعيداً عن الحلول السياسية، مما يجعل الخيارات العسكرية الحالية فارغة من أثرها إلا من الناحية الجيوعسكرية. فما هي الخيارات التي يجب اللجوء إليها؟
أولاً: زيادة كلفة الحرب السورية على أمريكا وحلفائها وفي مقدمتهم الكيان الإسرائيلي والسعودية. وهو الأمر الذي يعني كسر واقع الكلفة الإعتيادية التي بات يدفعها الطرف المعادي للنظام والشعب السوري. وذلك لا يمكن أن يحصل إلا من خلال نقل الصراع نحو ميدان العدو. فلماذا يجب أن تبقى سوريا ساحة حرب الآخرين دون ثمن، لا سيما الطرفين الإسرائيلي والسعودي الداعمين للإرهاب. وهو ما يحصل من خلال تحريك الداخل الفلسطيني ضد الكيان الإسرائيلي، وكذلك دعم حراك الشعب اليمني الهادف للتحرر من الظلم السعودي ومواجهة الإستكبار الأمريكي، عبر مدَّه بالسلاح.
ثانياً: الرد على كافة الإنتهاكات وتحريك جبهة الجولان. وهو الأمر الذي بدأ به الجيش السوري عبر إسقاطه لطائرتين إسرائيليتين في خطوة جاءت مُفاجئة على الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي أدخله في مرحلة جديدة من الصراع. وهو ما اعتبره الكثير من المحليين سبباً للإعتداء الأمريكي على الجيش كرد فعلٍ على كسر الهيبة الإسرائيلية. فيما تُعتبر جبهة الجولان، ورقة قوة لسوريا في الضغط على تل أبيب، عبر تحريك الحدود الفلسطينية بهدف إزالة عامل الإستقرار الإسرائيلي وتهديد أمن الكيان المحتل.
ثالثاً: إعطاء الأولوية للخيار العسكري. على الصعيد الداخلي يجب الخروج من مساعي الحلول السياسية التي تُنجزها المفاوضات، خصوصاً بعد أن أثبت الطرف الأمريكي نفاقه. وهو ما آمن به محور المقاومة منذ بداية الحديث عن الهدنات مع الطرف الأمريكي. مما يعني تعزيز أوراق الميدان العسكرية عبر التركيز على المناطق الإستراتيجية كحلب، وقطع الإمدادات عن المسلحين مما يُساهم في النتيجة بالتأثير على أوراق القوة الأمريكية.
رابعاً: إيجاد ودعم كافة سُبل التعاون الإقليمي الإستراتيجي بين سوريا والدول المحيطة تحديداً العراق، خصوصاً في ملفات الإرهاب وضبط الحدود. مما يُساهم في إيجاد آلية عمل مشتركة تؤسس لواقع من المصالح المشتركة التي تخدم الطرفين والشعبين. وهو ما يُزيل ورقة القوة الأمريكية، المبنية على فصل المصالح والتعاطي مع كلٍ من العراق وسوريا كأجزاء من المصالح الأمريكية. مما يفرض بالضرورة السعي الحالي لتحرير الموصل، الأمر الذي يماطل به الأمريكي.
يبدو واضحاً أن الأزمة السورية باتت أزمة أكبر من حدود الجغرافيا السورية. فاللاعبون كُثر والمصالح متشابكة، ولو أن الإصطفافات باتت معروفة. لكن إطالة أمد الحرب في سوريا، ومنعها من الإستقرار، لأهدافٍ تتعلق بجعلها ساحة استنزافٍ لأعداء واشنطن مما يُساهم في تأمين استقرار تل أبيب، أصبح أمراً يحتاج الى علاجٍ قد يتخطى في آلياته مكان وجغرافيا الأرض السورية. لنقول أن دلالات الأزمة السورية اليوم، تجعلنا أمام واقعٍ من التحديات يحتاج لمعادلاتٍ جديدة، تبدأ بتصدير الأزمة نحو ميدان العدو!
المصدر / الوقت