مستقبل العلاقات بين الرياض وواشنطن بعد “جاستا”
نشرت لجنة الإستخبارات في الكونغرس الأمريكي قبل شهرين ونصف 28 صفحة من التقرير السري المتعلق بوجود علاقة ما بين السلطات السعودية ومنفذي هجمات 11 سبتمبر وجاء فيه ان 15 شخصا من أصل 19 مهاجما شاركوا في الهجمات هم مواطنون سعوديون وبعضهم من أقرباء الأمراء السعوديين ما أغضب السلطات السعودية وأثار التوتر في العلاقات بين البلدين، وعلى الأثر سن المشرعون الأمريكيون “جاستا” أو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب الذي يمكن بموجبه ان يقيم ذوو ضحايا هجمات 11 سبتمبر دعاوي ضد السعودية بشكل رسمي ويطالبوا بتعويضات.
وبعد انتشار هذا التقرير رحبت السفارة السعودية في واشنطن به وادعت ان هذه اللجنة وجهازي الـ سي اي ايه والـ اف بي آي وباقي المنظمات الحكومية الأمريكية كانت قد حققت حول هذا الموضوع وهذا التقرير منذ عام 2002 حتى الان وقد تبين عدم ضلوع اي مسؤول سعودي أو أي ممثل للسلطات السعودية في تلك الهجمات، وفي الحقيقة نجد ان السعوديين كانوا يفلتون منذ عام 2002 حتى الان من الضغوط الأمريكية بسبب دورهم ومساعدتهم فيما يسمى بالحرب الأمريكية ضد الإرهاب وكانوا يذكرون الأمريكيين دوما بهذه المساعدة والمساهمة.
وكانت السلطات السعودية قد هددت في وقت سابق انه في حال إنتشار هذا التقرير فإنها ستسحب كل مدخراتها المالية من البنوك والمؤسسات الأمريكية ومن ثم هدد أوباما باستخدام حق الفيتو ضد قانون الكونغرس لكن البيت الأبيض كان يعاني من ضغوط من أجل نشر هذا التقرير الى أن جاء قانون الكونغرس الأمريكي وقد كتبت الصحافة العربية ان السعودية أبدت ردة فعل تجاه هذا الموضوع وهي تدرس بشكل جدي سحب أموالها من أمريكا، وقالت صحيفة القبس الكويتية ان الخيارات الموجودة أمام السعودية هي خفض الاستثمارات السعودية في أمريكا وسحب الأموال السعودية من البنوك والمؤسسات الأمريكية في وقت تسعى الحكومة الأمريكية التي تدرك جيدا حجم الربح الإقتصادي من إستمرار التعامل التجاري مع الرياض الى منع موضوع تعويضات هجمات 11 سبتمبر لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف.
ان سن هذا القانون قد نقض قاعدة قانونية دولية وهي الحصانة العامة للدول لكن يبدو ان إرادة الكونغرس للتدخل في سياسات الحكومة من جهة ووضع العراقيل أمام التعاون مع السعودية من جهة أخرى تدل على بلورة وظهور معادلة جديدة هي أقوى من كل هذه الملاحظات ولذلك يمكن القول ان هذه الأوضاع المعقدة التي يمكن تسميتها بالدخول في المرحلة الإنتقالية في العلاقات تدفع الدولتين نحو تغيير اولوياتهما وتعريفها من جديد والتي ستكون بمثابة ظاهرة التباعد.
ورغم ذلك يجب ان لاننسى ان هذه التوترات والتباينات الجدية الحاصلة في العلاقات بين الرياض وواشنطن هي ناتجة من التطورات الجارية في المعادلات الإقليمية وتغيير بعض الأولويات وستترك تأثيرها حتما على العلاقات بين البلدين لكن يجب عدم عقد الآمال على قيام البلدين بالتخلي عن التعاون الموجود بينهما بسبب بعض التوترات لأنه على الرغم من التغييرات الحاصلة في النظام الإقليمي للشرق الأوسط فإن نظام الثورات العربية والتحالفات التي تتشكل وقضية مكافحة الإرهاب والأمن العالمي للطاقة هي التي ترسم الأولويات الأمريكية في العلاقات ومبادئ التعاون مع حلفاء أمريكا الإستراتيجيين.
ومن جهة أخرى فإن السعوديين وبسبب الأوضاع التي يعانون منها مثل الهزيمة في اليمن وسوريا ليسوا في موقف ومكانة تسمح لهم بتنفيذ تهديداتهم لأنهم يحتاجون الى الدعم الامريكي بشدة من أجل تحقيق أهدافهم لكن الخبراء يظنون بأن قرار الكونغرس لمواجهة السعودية سيزيد من الضغوط على السلطات السعودية لأن الرياض تعاني بشدة من عجز في الموازنة والمشاكل المالية والإقتصادية.
المصدر / الوقت