التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

إنتفاضة القدس بعد عام.. الآفاق والتحديات 

مع إنتهاء عامها الأول، وصل عدد الشهداء الفلسطينيين منذ إنطلاق الانتفاضة الثالثة (إنتفاضة القدس) في الأراضي المحتلة حتى الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 250 شهيداً، 161 منهم أثناء تنفيذهم عمليات مناهضة للاحتلال.

وتشير الاحصائيات إلى أن 83 فلسطينياً أستشهدوا خلال المواجهات مع قوات الاحتلال على نقاط التماس، بينما توزعت الأرقام الأخرى على حوادث متفرقة كاعتداءات المستوطنين والإهمال الطبي المتعمد من قبل المراكز الصحيّة للاحتلال.

وبحسب أرقام خاصة بالعام الأول، لقي 38 إسرائيلياً مصرعهم وأصيب 751 آخرون بجروح خلال 485 عملية نفذها الفلسطينيون، جرى معظمها داخل الضفة الغربية المحتلة.

وشهد الحراك الفلسطيني منذ إنطلاقه مطلع أكتوبر 2015 تفاوتاً ملحوظاً في العمل المقاوم الذي تبناه الشبّان الفلسطينيون، حيث تركزت غالبية العمليات في الثلث الأول من هذه الانتفاضة، قبل أن تهدأ وتيرتها لاحقاً جراء الملاحقات الأمنية المكثفة من قبل قوات الاحتلال والأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، لتعود هذه العمليات إلى الواجهة من جديد في أشهرها الأخيرة.

أرقام ودلالات

تشير الإحصائيات المتوفرة إلى أن الفلسطينيين نفذوا 269 عملية طعن بالسكاكين، بعضها تم كشفها قبل وقوعها، كما تم إطلاق النار باتجاه قوات الاحتلال والمستوطنين في 183 مرّة، بينما كانت عمليات الدهس هي الأقل تنفيذاً بواقع 33 عملية، تركزت في الشهور الأولى من الانتفاضة.

ووقعت خلال العام الأول من إنتفاضة القدس 6273 مواجهة مع قوات الاحتلال، تخللها إلقاء 1162 زجاجة حارقة ومواد ناسفة، بينما سعت قوات الاحتلال بشكل مكثف لوأد التحرك الفلسطيني عبر الاعدامات الميدانية والاعتقالات التي شملت 7150 فلسطينياً.

يأتي هذا بينما إعتقلت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية في الضفة 1182 فلسطينياً، بعضهم تم إعتقاله على خلفية تنفيذ أو التخطيط لعمل مقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وتؤكد الاحصائيات إنّ نسبة الخسائر في صفوف الاحتلال قياساً إلى عدد الشهداء الفلسطينيين متقاربة، حيث لم يكن الفارق كبيراً كما كانت عليه الحال في الانتفاضتين السابقتين.

وتشير الاحصائيات أيضاً إلى أن عمليات المقاومة خلال العام المنصرم ورغم كونها فردية ودون تخطيط في أغلبها سارت بشكل تصاعدي في الأشهر الأولى للانتفاضة، ثم عادت للإنخفاض في الأشهر اللاحقة، إلاّ أنها لم تنقطع، كما إستمر الفلسطينيون في الضفة والقدس بدعم الانتفاضة بانحيازهم للمقاومة حتى وإن إنحسرت عملياتها.

وكانت السلطة الفلسطينية في البداية تغض الطرف إلى حد ما عن إنتفاضة القدس خصوصاً في بعدها الشعبي، لكنها كانت في نفس الوقت تلاحق المقاومين وتسعى لإجهاض أي محاولة لتنفيذ عملية ضد الاحتلال، وفي ما بعد أخذت السلطة تلاحق الانتفاضة بكل أشكالها سواء كانت فعلاً شعبياً أم مسلحاً.

ويؤكد المراقبون إن قوات الاحتلال فقدت خلال الهبّة الشعبية الفلسطينية قوة الردع بصورة شبه مطلقة، ولعلّ صورة الشاب الخليلي وهو يحمل حجارة أو سكّيناً مطارداً جندياً إسرائيلياً مدججاً بالسلاح خير دليل على ذلك.

في سیاق متصل يقول الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني “طلال عوكل” إن بقاء الهجمات الفردية بعيداً عن إطارها التنظيمي والفصائلي يجعل من إخماد ثورتها في الوقت القريب أمراً مستبعداً، ويضيف: ما يميزّ الانتفاضة أنها هجمات عفوية لا يمكن التنبؤ بها أو توقع زمن حدوثها، وبالتالي هي لا تخضع لعملية منظمة وقد تستمر لأعوام.

ويتفق “مخيمر أبو سعدة” أستاذ العلوم السياسية في غزة مع “عوكل” في صعوبة التنبؤ بنهاية إنتفاضة القدس، ويؤكد أن مستقبل هذه الانتفاضة مرتبط بالميدان وتواصل العمليات الفردية التي يصعب التنبؤ بتوقيتها، وهو ما يدفع إلى القول بصعوبة معرفة عمر هذه الانتفاضة.

كما يتفق أستاذ الإعلام في جامعة النجاح بمدينة نابلس “فريد أبو ضهير” مع “أبو سعدة” في إمكانية أن تحمل الأيام القادمة تطورات وتغيرات على الصعيد الداخلي والخارجي، مشيراً إلى أن هذا الواقع يفرض على الشعب الفلسطيني البحث عن فرص ومجالات لرفع الظلم الإسرائيلي الذي تمادي بكثير من الممارسات لاسيّما إقتحام المسجد الأقصى والذي شكّل مساساً بمشاعر الفلسطينيين، وطعنة بأغلى ما يملكون وهي عقيدتهم، ومن هنا إنفجرت إنتفاضة القدس قبل عام.

ويعتقد المتابعون للشأن الفلسطيني إن إنتفاضة القدس صاحبتها تأثيرات كبيرة على كافة القطاعات في المؤسسة الإسرائيلية، بينها الهلع والذعر الذي أدى في كثير من الأحيان إلى إطلاق النار بالخطأ من قبل الجنود الإسرائيليين على بعضهم، وكذلك الانعكاسات الاقتصادية التي تأثرت بشكل ملفت بتداعيات هذه الانتفاضة لاسيّما في مجالي السياحة واستهلاك البضائع من قبل المستوطنين.

بالمحصلة يمكن الجزم بأن إنتفاضة القدس شكّلت منعطفاً جديداً في مسار القضية الفلسطينية، وأنتجت تفاعلات ومتغيرات جديدة على المشهد الميداني والسياسي، رغم الظروف الأمنية والسياسية المحيطة بها والصعوبات التي تعترضها، وفي مقدمتها الحياة الاجتماعية في الضفة الغربية التي باتت أكثر تعقيداً خلال السنوات العشر الماضية بسبب الاجراءات التي فرضتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية والاحتلال معاً، والتي تمثلت بشكل جلي بملاحقة أي نشاط شعبي مساند للمقاومة وكل من له علاقة بالمشروع المقاوم، خصوصاً وإن الضفة تعيش في ظل ظروف جغرافية مقسمة من قبل الاحتلال، الذي يفصل بين القرية والأخرى بأكثر من حاجز، وهو تحدٍ آخر تعيشه الانتفاضة، ولهذا لم يعد أحد من الشبّان الفلسطينيين في مأمن من الملاحقة، حتى من الفصائل الأخرى غير “حماس” و “الجهاد الإسلامي”.

وينصب التركيز اليوم أكثر من قبل الفلسطينيين على ضرورة إستمرار الانتفاضة ومدّها بكل مقومات الصمود، لنقلها إلى فضاءات أرحب كي يتمكن الشعب الفلسطيني من إستعادة كافة حقوقه المغتصبة في الأرض والوطن وفي مقدمتها حق العودة رغم وجود رغبة إسرائيلية باحتواء الموقف الميداني بالتوافق مع رغبة السلطة الفلسطينية التي تسعى هي أيضاً من أجل إحتواء تداعيات الانتفاضة بأي وسيلة ممكنة، وهي في محاولاتها هذه تبدو منسجمة إلى حد كبير مع رؤية الكثير من السياسيين الإسرائيليين، من أعضاء الليكود والكنيست تحديداً، وكذلك مع القادة العسكريين الصهاينة الذين يدعون باستمرار إلى تعزيز الخيار العسكري في قمع الانتفاضة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق