التحديث الاخير بتاريخ|السبت, نوفمبر 16, 2024

إستراتيجية الكيان الإسرائيلي للحروب المستقبلية 

من الأمور التي إكتسبت أهمية خاصة لدى مراكز الدراسات والبحوث خلال السنوات الأخيرة هي الحروب التي شنّها الكيان الإسرائيلي ضد حزب الله لبنان، واستراتيجية هذا الكيان المتوقعة للحروب المستقبلية وفقاً للمعطيات المتوفرة في هذا المجال.

ومن المسائل الملفتة في هذا الإطار هي أن الحروب التي شنّها الكيان الإسرائيلي على لبنان كانت تستهدف بالدرجة الأولى القضاء على حزب الله أو إضعافه، في حين أثبتت الوقائع أن نتائج هذه الحروب جاءت عكسية، حيث تضاعفت قوة حزب الله من حيث العدّة والعدد إلى درجة بات بإمكانه توجيه ضربات ماحقة ومزلزلة في عمق كيان الاحتلال في أي وقت يشاء حسب إعتقاد جميع المراقبين، وهو ما إعترف به أيضاً الكثير من قادة هذا الكيان العسكريين والسياسيين على حد سواء في أكثر من مناسبة.

ويتوقع المتابعون أن أي حرب قادمة بين حزب الله والكيان الإسرائيلي ستكون شاملة إلى الحد الذي سيرغم المجتمع الدولي على إتخاذ إجراءات عاجلة لوقف هذه الحرب بسبب تداعياتها الخطرة والمتعددة الجوانب على المنطقة والعالم.

ومن المعلوم أن الكيان الإسرائيلي كان قد وضع خططاً متعددة وأجرى تغييرات واسعة على مؤسسته العسكرية لخوض حروب محتملة سواء مع حزب الله أو المقاومة الفلسطينية لاسيّما في قطاع غزة.

وبخطوة غير مسبوقة في تاريخه، نشر الجيش الإسرائيلي على موقعه الإلكتروني، في الـ 13 من آب/ أغسطس من العام الماضي، وثيقة باللغة العبرية، بعنوان “إستراتيجية تساهل” بتوقيع رئيس الأركان “غادي أيزنكوت” الذي أشار إلى أن هذه الإستراتيجية مرتبطة بتطبيق الخطة متعددة السنوات المعروفة بخطة “جدعون”.

وتضمنت الوثيقة الخطوط العريضة لمهام الجيش الإسرائيلي، وحددت مرجعيته الأمنية وأهدافه وطرق تنفيذها، فتحدثت عن الإطار الإستراتيجي للجيش، والبيئة التشغيلية والإستراتيجية، واستخدام القوة، ومبادئ القيادة والسيطرة، وما أسمته بـ “تراكم القدرة”.

وبلورت الوثيقة التغييرات المطلوبة على ضوء تحديات المستقبل ومنها: تعزيز الفعالية والمناورة البرية والحفاظ على التفوق الجويّ والاستخباراتي والبحري والاهتمام بالوسائل “الروبوتية”؛ كالطائرات من دون طيار، والسفن الموجهة من بعيد.

وتأثرت صيغة الوثيقة بوضوح بمعرفة أيزنكوت بالجبهة الشمالية، عندما تولى رئاسة قسم العمليات في رئاسة الأركان خلال حرب لبنان الثانية (2006)، وشغل بعدها منصب قائد المنطقة الشمالية لمدة ست سنوات، حيث صاغ أيزنكوت ما يعرف بـ”عقيدة الضاحية الجنوبية” معقل حزب الله في بيروت. وتوضح الوثيقة أن الفرضية الأساس هي أنه لا يمكن هزيمة الطرف المقابل بالدفاع، لذا، المطلوب تفعيل قوة هجومية “لتحقيق نتائج عسكرية واضحة”.

وأوضحت وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلاً عن ضابط كبير في الجيش قوله: “إن خطة جدعون تشمل تسريح قرابة 100 ألف جندي من قوات الاحتياط، خلال السنوات المقبلة، وكل من يبقى في الخدمة الاحتياطية سيتلقى تدريبات أكثر وسيتم إستخدامهم لفترة أطول”.

كذلك تشمل الخطة إغلاق ألوية مدرعات وكتائب مدفعية، في مقابل إستمرار الإتجاه نحو تعزيز قوة الإستخبارات وحرب السايبر وسلاح الجو، من خلال إضافة طائرات من دون طيار، حيث سيجري الجيش بموجب هذه الخطة تغييرات في نوع الأسلحة والقذائف، بحيث يتم إستبدال القذائف القديمة بصواريخ ذكية.

كما نصّت الخطة على تسريح 2500 ضابط في الخدمة الدائمة الآن وفي السنوات المقبلة، وجعل الجيش أكثر شباباً، بمعنى أنه سيكون سنّ الضباط الذين سيقودون الكتائب والألوية أقل بالمقارنة مع سن الضباط الحاليين.

ووصف ضبّاط كبار في الجيش الإسرائيلي التقرير بأنه غير منطقي، وقال أحدهم بأنه سيمنع الجيش من إبقاء “الجنود الممتازين” في صفوفه، خصوصاً إذا تم تطبيق التوصيات فيما يتعلق بمعاشات التقاعد لأصحاب الخدمة العسكرية في الجيش.

وكانت صحيفة “يديعوت أحرنوت” قد أشارت في وقت سابق إلى أن مصادر في الكيان الإسرائيلي قد حددت تغييراً في سياسات المقاومة، والتي عرّفها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بـ”كسر حاجز الصمت”.

وقالت الصحيفة: “ليس هناك أيّ تحذير ملموس على وجود تهديدٍ فوري من جانب حزب الله لشنّ حرب ضد “إسرائيل”، لكن القلق من أنّ هذا الحدث – إن حصل – قد يشعل النار ويؤدي بسرعة إلى إندلاع الحرب على الجبهة الشمالية”.

ولفتت الصحيفة إلى تغيّر طبيعة عمل حزب الله واكتسابه الكثير من الخبرات، قائلة: “خلافاً لطريقة عمله السابقة، حيث كان ينفّذ هجمات عبر خلايا صغيرة يبلغ عديدها أقل من عشرة أشخاص، تخشى التقديرات الجديدة أنّ عمليات حزب الله ستكون واسعة النطاق، وتشمل مداهمات من قبل مقاتلين لا يقل عددهم عن 100 – 200”.

كما أشارت الصحيفة إلى أن سياسة “كسر حاجز الصمت” التي إعتمدها حزب الله بعد سنوات من الهدوء النسبي، أظهرت الإستجابة السريعة لحزب الله على ضربات سلاح الجو الإسرائيلي، منوّهة في الوقت ذاته إلى أن الصواريخ الكثيرة التي يحتفظ بها حزب الله تتميز بقدرة تدميرية هائلة، بالإضافة الى صعوبة إعتراضها من قبل المضادات الإسرائيلية بما فيها “القبّة الحديدية”.

ختاماً ووفقاً لهذه المعطيات يمكن الجزم بأن “إسرائيل” لا تزال تعيش هواجس حرب 2006 مع حزب الله وتداعياتها، ونادراً ما يمر يوم دون أن يرد في وسائل إعلامها مقالٌ أو تحليل أو دراسة عن تلك الحرب. وعندما نسمع ما يقوله مسؤولو الاحتلال لناحية طلب موازنات هائلة بهدف تحديث منشآت البنى التحتية الإستراتيجية وتفعيل منظومتي “القبّة الحديدية” و”العصا السحرية” لمواجهة صواريخ المقاومة وغيرها، نستنتج أن الكيان الإسرائيلي بقادته السياسيين والعسكريين يعمل اليوم وكأن الحرب واقعة لا محالة. وربّما سوف نسمع قريباً صرخة أخرى من القادة الإسرائيليين وخاصة العسكريين، بأن المعركة المقبلة مع حزب الله إن حصلت ستكون حتماً مدمرة لجيشهم وبالتالي لكيانهم الغاصب، وستشكل نقطة تحول تاريخية نحو تحقق معادلة مفادها أن الكيان الإسرائيلي سوف يزول من الوجود.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق