التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024

قراءة تحليلية: جبهة الجنوب السوري هل تخضع للتأجيل؟ أم حسمها تسووي؟ 

إذا كانت الحرب السورية ساحة صراع للعشرات من الدول والتنظيمات تتبدل فيها السيطرة بين الفينة والأخرى، فإن جبهتها الجنوبية وبما شهدته من معارك غير مكتملة وتسويات غير معلنة تبقى رهينة الإنتظار والتساؤل عن كيفية حسمها، فالتقدم السريع للجيش السوري وحلفائه في الشمال السوري وخاصة في المحافظات والمدن الكبرى المكتظة بالسكان يطرح السؤال التالي أليست محافظات الجنوب أسهل لتحريرها من تلك التي في الشمال التي تتمتع بدعم وتسليح تركي أمريكي سعودي أكبر فضلاً عن الإكتظاظ السكاني والجغرافيا الصعبة؟

إذاً ما الأسباب الكامنة خلف الهدوء النسبي على جبهات الجنوب السوري؟ وهل هناك تقاطع مصالح واتفاقات غير معلنة على التهدئة؟ إليكم قراءة تحليلية لهذه الجبهة وظروفها قد تفسر تساؤلاتنا هذه:

1. فتح جبهة الجنوب سيساهم بشكل أو بآخر بزيادة الخطر على الكيان الإسرائيلي وذلك مع إقتراب الجيش السوري والمقاومة للحدود وإجبار المسلحين على الفرار، ما قد يمكن أي أحد له مصلحة من تفعيل جبهة الجولان، وهنا نلفت إلى توسع الشريط الجغرافي الذي يمكّن حزب الله اللبناني أو الجيش السوري أو أي فصيل آخر من الرد على انتهاكات الإسرائيليين المتكررة من استهداف لمواقع سورية أو كوادر ومواقع لحزب الله على سبيل المثال أو حتى أي تصفية حسابات أخرى الأمر الذي يتجنبه ويهابه الإسرائيليون بشدة ما يعني انهم يضغطون بكل الوسائل لإبعاد هذه الجبهة عن الإشتعال.

2. مع تفعيل هذه الجبهة أو تحريرها سيفقد الكيان الإسرائيلي المنطقة العازلة بين الجيش السوري والحدود مع الجولان المحتل والتي يشكلها المسلحون ويأمل الإسرائيليون أن تكون حصتهم في حال وصلت التسوية أقلّه بتواجد إدارة للمسلحين موالية وتكون بالنيابة عن الكيان “كجيش لحد” بعد أن أصبحت العلاقات بينهم وطيدة بعد الدعم اللوجستي والطبي لهم من قبل الكيان.

3. المصلحة الروسية بسريان ما حُكي عنه من إتفاق روسي-إسرائيلي على إبقاء جبهة الجنوب هادئة ما قد يفسر بتنسيق بين الروس والدولة السورية بتأجيل هذه الجبهة أقله لتفادي صدام روسي-إسرائيلي ما قد يضرب المصالح المشتركة بينهم والعلاقات الوطيدة من تسليح وتبادل تجاري وغيره ونظراً لحاجة الدولة السورية لإستمرار الوجود الروسي ودعمه على أراضيها.

4. كما يجب الإنتباه إلى عامل آخر مهم وضاغط من قبل دولة حدودية أخرى مهمة وهي الأردن التي تتجنب تدفق المسلحين واللاجئين الكبير إليها إذ أنها تسعى وبشتى السبل التخلص من الكم الكبير من اللاجئين لديها بسبب العبء الإقتصادي الكبير الذي يشكلونه عليها، لذا من مصلحتها عدم حصول معركة في الجنوب حتى نهاية الحرب، خصوصاً أنها تلقت عدة ضربات إرهابية من قبل مسلحين كانت قد احتضنتهم ودعمتهم ما يجعلها تفقد الثقة بهم مستقبلاً خصوصاً إذا ما كانت ملاذهم الأخير بعد الهرب.

5. عامل أردني آخر يساعد بالضغط نحو الإبتعاد عن أي مواجهات في الجنوب السوري وهو ضمان التواصل بين الجبهة السورية ككل وغرف العمليات الكبرى في الأردن كغرفة الموك وغيرها والتي تديرها أجهزة مخابرات دول كبرى عدة، فضلاً عن ضمان وصول أي مساعدات لوجستية وتسليحية وطبية للمسلحين في الجانب السوري مرسلة من كافة الدول الخارجية الداعمة لهم من عرب وغيرهم.

6. كما ألفت إلى أن أي عمل عسكري في الجنوب ومع إمكانية كبيرة لتقدم الجيش السوري والمقاومة سيتم إغلاق كل المنافذ إلى الشمال والوسط وبذلك سيُضيّق الخناق على المسلحين فيها ويقطع كل أشكال التواصل بينهم وبين جبهات الوسط والشمال أو القلمون.

7. يمكننا أيضاً أن نذكر أن خطر جبهة الجنوب أقل من باقي الجبهات على الدولة السورية والعاصمة دمشق بسبب قلة تواصلها مع باقي الجبهات من حيث الجغرافيا والعديد الأصغر للمسلحين فيها ما يجعلها جبهة ثانوية في ظل وجود أولويات كبرى للدولة السورية وحلفائها على جبهات كبرى أخرى في الشمال.

8. “الحل التسووي”، يرتأي البعض أن جبهة الجنوب لا تحتاج إلى فتحها عسكرياً مجدداً خاصة أنه وفي المرّات السابقة وعند تقدم الجيش السوري والمقاومة فيها بدت المجموعات المسلحة فيها هشّة وضعيفة وانهارت بسرعة، هذا فضلاً عن أن جبهات أقوى منها صمدت لسنين كداريا جنوب دمشق حلّت أزمتها بتسوية ومصالحة، لذا فمن المرجح وفي حال بقاء هذه الجبهة ساكنة لفترة أطول أنها قد تدخل الحل التسووي ولكن هذه المرة على صعيد أكبر أي بتدخل روسي يطمئن الطرف الإسرائيلي من عدم المساس به في حال بقي بعيداً عن التدخل في الحرب السورية وتدخل أمريكي يطمئن الأردنيين من عدم تدفق المسلحين المتشددين من داعش ونصرة إلى أراضيهم بل نقلهم لمناطق في الشمال تحت سيطرة المسلحين، على أن يتم تسليم هذه المناطق للدولة السورية لتفرض سيطرتها عليها من جديد مع إحتمال عودة القوات متعددة الجنسيات لتنتشر على الشريط الحدودي بعد أن استهدفتها المجموعات المسلحة بالقصف والخطف تحت نظر الإسرائيلي لإبعادها عن مشهد التعاون الذي حصل بينهما لاحقاً فضلاً عن خروقات الكيان الإسرائيلي في الجنوب ضد الدولة السورية.

9. كما أنه ومن المعروف أن جبهة الجنوب تنتشر على مساحات جغرافية واسعة جداً الأمر الذي سيتطلب عديداً كبيراً من قبل الدولة السورية والمقاومة الأمر الذي لا ضرورة له في ظل وجود أولويات أكبر كتحرير مدن إستراتيجة أخرى كحلب مثلاً التي تأخذ حيّزاً كبيراً من إهتمام العالم ككل والدولة السورية وحلفائها خاصة بإعتبارها حاسمة جداً في مستقبل الحرب السورية وأي تسويات قادمة.

10. كما أن تماس جغرافيا الجنوب السوري مع نظيره اللبناني والبقاع الغربي وتداخل القرى فيما بينهم عامل آخر يساهم في تأجيل هذه الجبهة خوفاً من فرار المسلحين نحو الداخل اللبناني أو حتى مهاجمة القرى اللبنانية على الحدود بين الدولتين، كما يُتخوف من تحريك الخلايا النائمة لهذه المجموعات المسلحة في هذه القرى وما قد يجلبه هذا من ضغط على المقاومة في الداخل اللبناني مع خصوصية هذه المناطق المذهبية وتجنب المقاومة أي إحتكاك طائفي بدخولها كما حصل عندما وصلت معركة القلمون إلى بلدة عرسال السنية.

هذه العوامل والتفسيرات قد تكون الأكثر وضوحاً في سبب هدوء جبهة الجنوب السوري إلى الآن، إلاّ أن الحرب في سوريا ومنذ بدايتها كانت مليئة بالمفاجئات والتبدل في ميزان القوى والأولويات الأمر الذي قد يفرض ظروفاً جديدة على هذه الجغرافيا التي بقيت مستأصلة من الحرب وتنعم بهدوء نسبي لفترات زمنية طويلة ومتقطعة ببعض المناوشات.

الوقت – محمد حسن قاسم
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق