المستقبل الذي ينتظره السعوديون في الاقتصاد والأمن
ما بين الأمس واليوم، اختلف المشهد السعودي كثيراً. فقد لعبت التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدها المجتمع السعودي، دوراً كبيراً في ظهور حالة من السخط وعدم الرضا الشعبي التي ارتفعت نبرته بشكل غير مسبوق في الآونة الأخيرة، رغم أنّها لا تزال تحت السيطرة.
حتى الأمس القريب، كان المجتمع السعودي، مع تعدده الطائفي والطبقي، يحمل في طياته عامل استقرار ناتجا من “الرخاء الاقتصادي” للمكونات ذات الغلبة العديدة، دون أن يغيب هذا الأمر عن بعض مكوّنات الأقليات، لاسيّما تلك التي سبّحت بحمد “أبي متعب” (الملك عبدالله)، وتسبّح اليوم بحمد “أبي فهد” (الملك سلمان)، في ظل وجود فئة مستضعفة لا حول لها ولا قوّة.
إلا أن هذا الرخاء الذي كان مقروناً بالأمن والاستقرار، ولكنه لم يخلُ من التفجيرات التي استهدف بعض المساجد الشيعية وكذلك المسجد النبوي، بات اليوم أمام واقع جديد وضعه في العناية المشدّدة التي تراقب، بدورها، كل من لا تروق له القرارات الملكية التقشّفية.
المتغيّرات الجديدة دفعت بالعديد من الباحثين السعوديين والعرب، ممن يدينون بالولاء للرياض، إلى التحذير من تبعات سياسات التقشّف على الإستقرارين الأمني والسياسي في البلد، نظراً لارتباط الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي لا ينفصل، حيث تؤدي الأوضاع الإقتصادية الصعبة إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وما يسمّى بـ”الربيع العربي” خير مثال على ذلك؛ وبالعكس أيضاً، ينعكس الوضع السياسي والأمني بالمقام الأول على الاقتصاد، ومع فقدان الأمن والاستقرار ستفقد معهما أي مطالب أخرى، ويتركّز السعي والجهد فقط من أجلهما.
النصائح التي قدّمها هؤلاء الباحثون، وبصرف النظر عن أسبابها التي قدّ تتعلّق بشحّ “الكرم الملكي” في ظل السياسيات التقشّفية الجديدة، تعد في الحقيقة حاجة ضروريّة وسط تخوّف من تأثّر الوضعين الأمني والسياسي بالتغييرات الإقتصادية، الأمر الذي أدّى بدوره إلى بروز حالة من القلق في الأوساط الاقتصادية المتخوفة من الركود الإقتصادي وأعمال العنف على حدّ سواء.
ما أريد قوله في هذا المقام أن الاستقرار الإقتصادي الذي تمتّعت به الدول الخليجية، هو الذي عكس حالةً من الاستقرار الأمني والسياسي، وحال دون وصول حمم الإرهاب من الدول المحيطة بها، وفي حال غياب الأول سيغيب الآخر، باعتبار أن الاقتصاد والامن متلازمان.
هذا التلازم في الارتباط، بدأ بالانفصال شيئاً فشيئاً في الآونة الأخيرة، وهذا الأمر هو سمة المرحلة الانتقالية من الاستقرار إلى عدم الاستقرار، ففي الحالة الأولى يخضر الإثنان معا، وفي الحالة الأخيرة يغيبان سويّة، وأما المرحلة الانتقالية، فيحضر الأمن ويغيب الاقتصادي. ويبدو أن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية، فقد برزت نتائج التقشّف بشكل سريع على البورصة والمشاريع الداخلية، والمكونات الشعبية التي بدأ أصوات حناجرها ترتفع شيئاً فشيئا.
عوامل عدّة زادت من طينة السعوديين بلّة، بدءاً من الدعم العسكري السعودي للجماعات المسلّحة في سوريا، وانتهاءً بقانون “جاستا” الأمريكي، مروراً بالعدوان على على اليمن الذي أثقل كاهل الميزانية السعودية التي عانت من عجز فاق المئة مليار دولار في السنة الأخيرة.
ما لم يكن في حسبان ولي ولي العهد السعودي في “رؤية 2030” ، القانون الأمريكي “جاستا”، الذي يسمح بمقاضاة السعودية والحجر على أموالها النفطيّة في البنوك الأمريكية. بل أكثر من ذلك، فإن “الفرصة” التي تحدّث عنها الأمير محمد بن سلمان خلال إعلانه عن “رؤية 2030” قبل أشهر والمتمثّلة ببيع 5% من أسهم شركة أرامكو في أمريكا، باتت تحدّياً كبيراً، بل مغامرةً لا تقل خطورة عن مغامرة اليمن، وفق ما اعتبر الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك في مقال نشره بصحيفة “إندبندنت” البريطانية سابقاً حول “رؤية 2030”.
ما لم تتضمّنة “جودة الحياة” في “رؤية 2030” هي تلك التي تتعلّق بالحرية السياسية، والتي تعد أحد الاحتياجات الأساسية لدى أغلب شعوب فالعالم، فحريّة التعبير عن الرأي حقٌّ مشروع لدى شعوب العالم، وتؤكد عليها شرعة حقوق الانسان، فضلاً عن كافّة الأديان السماوية التي نادت بالحريّة مقابل العبودية. وأمّا واقع الحال يكشف أن حريّة التعبيرعن الرأي في السعودية، سواءً قبل “رؤية 2030” أو بعدها، لا تزال تعد حالة عنف ممنوعة، وفي حال وصلت حريّة التعبير إلى مرحلة متقدّمة كالخروج أو التظاهر السلمي سنكون أمام مشهد يدعو لاستئصالها تحت ذريعة “الإرهاب”، أو أي تهمة من هذا القبيل. سابقاً، غضت شريحة كبيرة من السعوديين النظر عن الحرية السياسية مقابل الحريّة الاقتصادية التي كانوا يتمتّعون بها، ولكن كيف سيكون الحالب بعد غياب الأخيرة؟
ما لم يكن في الحسبان أيضاً سياسات التقشّف التي أطاحت بثوابت المرحلة السابقة، حيث ألزمت الدولة نفسها، سابقاً، بتوفير سكن لكل مواطن، في صورة المنح المباشرة لأرض ثم قرض، وبالتالي، فالكثير من الأصوات الداخلية، كما الخارجية، التي خدّرتها العائدات النفطية، ستعلو أصواتها شيئاً فشيئاً، في حين أن هناك فئة كبيرة من جماعات التطرّف الوهابي ستجد في الجماعات التكفيرية ملاذاً فكرياً واقتصادياً على حدّ سواء.
ما يغيب عن النظام السعودي أنّه يسير بمجتمعه نحو “اللااستقرار”، رغم أن المرحلة الانتقالية الحالية قد تتطّلب فترة زمنية محدودة، فهل ستعيد الرياض حساباتها الداخلية والخارجيّة؟
المصدر / الوقت