الأبعاد الحقوقية والقانونية لجرائم آل سعود في اليمن
ليس هناك أدنى شك بأن ما يقوم به نظام آل سعود في اليمن هي جرائم ضد الانسانية تنفذ بشكل متواصل دون تمييز بين طفل أو إمرأة أو رجل أو بين مدني وعسكري.
وفيما يتعلق بالاجراءات الدولية تجاه هذه الجرائم وفي مقدمتها الجريمة التي نفذها الطيران السعودي – الأمريكي ضد مراسم عزاء في العاصمة اليمنية صنعاء قبل نحو عشرة أيام، والتي راح ضحيتها المئات من الشهداء والجرحى يبرز أمامنا تساؤلان؛ الأول: ما هو الوصف الذي ينطبق على مثل هذه الجرائم وفقاً للقانون الدولي؟ والثاني: ما هو السبيل لملاحقة المتسببين بهذه الجرائم طبقاً للقانون الدولي أيضاً؟
للإجابة عن هذين التساؤلين ينبغي الإشارة إلى ما يلي:
فيما يتعلق بالتساؤل الأول ليس هناك أدنى شك بأن ما تقوم به السعودية في اليمن هي جرائم ضد الانسانية من جانب، ولأنها تنفذ في أغلب الأحيان ضد أتباع مذهب معين فهي تصنف أيضاً بأنها جرائم إبادة جماعية وهي تعد من أخطر وأفظع أنواع الجرائم وفق القانون الدولي.
كما ليس هناك من شك بأن هذه الأفعال هي جرائم حرب لأنها وقعت أثناء العدوان الذي تشنه السعودية على اليمن منذ أكثر من عام ونصف العام والذي أدى إلى مقتل وجرح الآلاف من الأشخاص أكثرهم من المدنيين بالإضافة إلى تدمير المناطق السكنية والبنى التحتية للشعب اليمني ولم يسلم منها حتى المستشفيات ورياض الأطفال ومحطات الوقود والمياه والكهرباء ومستودعات الأغذية والأدوية.
ولأن السعودية تسعى لاحتلال الأراضي اليمنية أو تقسيمها من خلال العدوان العسكري ودعم الجماعات الإرهابية كـ “القاعدة” و”داعش” وكذلك الجماعات الموالية للرئيس الهارب “عبد ربه منصور هادي” خصوصاً في المناطق الجنوبية من البلاد، فإن هذه الأفعال تعد أيضاً من جرائم الحرب لأنها تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار في بلد عضو في الأمم المتحدة ويتمتع بالاستقلال والسيادة الكاملة على أراضيه.
أمّا فيما يتعلق بالتساؤل الثاني؛ أي ما هو السبيل لملاحقة المتسببين بهذه الجرائم طبقاً للقانون الدولي؟ تجدر الإشارة أولاً إلى أن هذه الجرائم خصوصاً الجريمة الأخيرة التي إستهدفت مراسم عزاء في صنعاء والتي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” بـ (المذبحة المروعة) ودعا إلى محاسبة المسؤولين عنها، يبدو الأمر أكثر صعوبة لأن المحاكم الدولية وفي مقدمتها “محكمة العدل الدولية” الذراع القضائي الأساسي لمنظمة الأمم المتحدة ومقرها في “لاهاي” بهولندا، و “المحكمة الجنائية الدولية” المختصة بمحاكمة المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، والتي يجب أن تضطلع بمسؤولياتها دون قيد أو شرط لازالت تخضع لهيمنة الدول الغربية لاسيّما أمريكا المتهمة أصلاً بالإيعاز للنظام السعودي بشن العدوان على اليمن وبدعم هذا العدوان عسكرياً واستخبارياً، ولهذا فإنها ستستخدم ما يسمى حق النقض “الفيتو” لإجهاض أي محاولة تهدف إلى تقديم المسؤولين السعوديين إلى المحاكمة، لأن هذه المحاكمة ستمثل في الحقيقة إدانة صريحة للإدارة الأمريكية التي تشارك في العدوان على اليمن، وهذا الأمر موثق بالأدلة الدامغة التي كشفت عنها الصحافة الغربية والإقليمية على حد سواء.
ولبيان أن ما تقوم به السعودیة ضد الیمن یتعارض تماماً مع القانون الدولي ویتناقض بشکل صریح مع میثاق الأمم المتحدة، نشير إلى بعض بنود هذا المیثاق بهذا الخصوص:
– ورد في الفقرة الثالثة من المادة الثانیة في الفصل الأول من المیثاق: “یفض جمیع أعضاء المنظمة الدولیة منازعاتهم بالوسائل السلمیة علی وجه لا یجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر”. فهذه المادة تمنع بشکل واضح وصریح جمیع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من اللجوء إلی الوسائل غیر السلمیة لحل المنازعات فیما بینها.
– ورد في الفقرة الرابعة من المادة أعلاه: “یمتنع أعضاء المنظمة الدولیة في علاقاتهم عن التهدید باستعمال القوة أو إستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السیاسي لأیة دولة أو علی أي وجه آخر لا یتفق ومقاصد الأمم المتحدة”.
– ورد في المادة السادسة من الفصل الثاني من المیثاق: “إذا أمعن عضو من أعضاء الأمم المتحدة في إنتهاك مبادئ المیثاق جاز للجمعیة العامة أن تفصله من المنظمة بناءً علی توصیة من مجلس الأمن الدولي”.
هذه البنود وغيرها تؤكد دون أدنى شك أن ما ترتكبه السعودیة من جرائم بحق الشعب اليمني یتعارض تماماً مع میثاق وأهداف الأمم المتحدة. وإستناداً الی ما ورد في المیثاق لا یمکن علی الاطلاق تبریر الجرائم السعودیة خصوصاً وإن الرياض لم تحصل علی موافقة مجلس الأمن الدولي قبل شنّها العدوان علی اليمن، كما لم تقدم طلباً لاستبيان موقف مجلس الأمن بهذا الخصوص. وتؤکد الفقرة الأولی من المادة ٥٣ لمیثاق الأمم المتحدة علی وجوب أخذ موافقة مجلس الأمن قبل القیام بأي تحرك من قبل دولة معینة ضد دولة أخری، والسعودیة لم تحصل علی هذه الموافقة، وهذا یمثل نقضاً واضحاً وصریحاً لمیثاق الأمم المتحدة.
وتجدر الإشارة إلی أن الأدلة التي سقناها في السطور الماضیة لبیان بطلان مزاعم السعودیة في شنّها العدوان علی الیمن یمکن إستنتاجها أیضاً من میثاق منظمة التعاون الإسلامي ومیثاق جامعة الدول العربیة. فالنصوص الواردة في هذین المیثاقین تؤکد کذلك علی ضرورة فضّ النزاعات بین الدول الأعضاء بالطرق السلمیة. وما قامت به السعودیة یتعارض تماماً مع هذه النصوص، إذ لم تلجأ الریاض للتشاور مع منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربیة قبل شن العدوان علی الیمن.
أخيراً يجب القول إن ما ترتکبه السعودیة من أعمال شنيعة في اليمن يقع تحت بند الجرائم الخطیرة والبشعة ضدّ المدنیین وممتلكاتهم إبتداءً من البیوت السکنیة ومروراً بالمنشآت الطبيّة والخدميّة وانتهاءً بالبنى التحتیة. وقد أشارت الکثیر من وکالات الأنباء والفضائیات إلى مجازر قتل بالجملة وبصورة متعمدة في مختلف المحافظات الیمنیة، ولا شكّ أن هذه الجرائم تعدُّ من المخالفات الجسیمة، کما نصّت على ذلك المادة 147 من معاهدة جنیف الرابعة، وعدَّها النظام الأساسي للمحکمة الجنائیة الدولیة جرائم حرب.
ونصت معاهدة جنیف الرابعة أیضاً على تحریم إستخدام الأسلحة الفتاکة کالغازات السامّة والقنابل العنقودیة والحارقة، وعدَّت ذلك من المخالفات الجسیمة، والسعودیة إستخدمت هذه الأسلحة ضد الشعب الیمني، وهو ما تؤکده الشهادات والمعطیات على أرض الواقع. وأكدته أيضاً تقارير منظمة “هیومن رایتس ووتش” مستشهدة على ذلك بالحالات التي تظهر نتوءات جلدیة وجروحاً غائرة في أجسام المصابين جراء القصف السعودي، والذي یمکن أن یتطور إلى أمراض سرطانیة.
اذاً، بات واضحاً أن العدوان السعودي على الیمن یرقى في حدّه الأدنى إلى “جرائم الحرب” وحدّه الأقصى إلى “جرائم ضد الإنسانية”، ولا ريب في أن إستمرار العدوان، رغم صمت المجتمع الدولي، يجب أن یعرّض المسؤولين السعوديين للمسائلة القانونیة لارتکابهم أخطر الجرائم الدولیة، کما حصل في قضیة تادیتش الصربي المتهم بالإشراف على مجزرة سیربنتسا في البوسنة والهرسك عام 1992.
المصدر / الوقت