لغز حلب .. و سبيل الحل
تشتد الأزمة السورية غموضا حينما تصل الى مركز الصراع وهو مصير مدينة حلب، والآن يرى الجميع حدوث تطورات تحمل في طياتها احتمالات نشوب حرب شاملة وطويلة الأمد وواسعة وامكانية وصول الأمر الى وقوع تصادم مباشر بين القوى العالمية الكبرى.
وصول سفينة حربية صينية الى السواحل السورية في البحر الأبيض المتوسط وانتشار نبأ تزويد الارهابيين المناوئين للحكومة السورية (ومنهم جبهة النصرة) بصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف هو من التقارير التي وردت حديثا من سوريا وبالاضافة الى ذلك هناك تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال “اننا لانعرف سبيلا آخر الا قصف الإرهابيين لإنهاء هذه الحرب واذا أراد أحد استهداف طائراتنا فعندئذ يجب إنتظار نشوب الحرب العالمية الثالثة.
ما هو لغز حلب؟
لقد هاجر 90 بالمئة من سكان حلب هذه المدينة لكن السؤال المطروح هو لماذا وكيف أصبحت هذه المدينة رهينة بيد مجموعة من ممثلي كافة الجماعات المسلحة المشاركة في الحرب السورية؟ لماذا بات ستيفان دميستورا وهو ثالث مبعوث أممي الى سوريا على بعد خطوة من أن يصبح ضحية في هذه القضية؟ لماذا لم تدعم واشنطن وحتى الأمين العام للأمم المتحدة فكرة ديميستورا لإخلاء الإرهابيين من حلب مع الحفاظ على حياتهم والاحتفاظ بسلاحهم الى جانب انقاذ من تبقى من أهالي حلب (الذين لم يتمكنوا حتى الان من الخروج من المدينة)؟ وكم كان الفرق والخلاف بين نص المشروع الروسي ونص المشروع الفرنسي؟ ان النصين كانا يتضمنان خروج هؤلاء من حلب لكن يبدو ان المهم هو كيفية وشكل هذا الخروج.
فأين يكمن قلق الجانبين؟ لماذا لم تسمح أمريكا باستكمال تطويق حلب على يد القوات السورية بدعم روسي وهي مستعدة لتوسع رقعة الحرب حتى الوصول الى المواجهة الشاملة؟ ما هي صلاحيات الآخرين (ما عدا أمريكا وروسيا) في اتخاذ القرار للتوصل الى اتفاق لحل عقدة حلب؟ ان هذه الحقائق تشير الى ان معادلة القوة والأمن في العالم باتت متوقفة على مصير الحروب الجارية في سوريا والعراق واليمن وان مصير هذه الحروب الثلاثة يتلخص بدوره في المواجهة الجارية في سوريا وان مفتاح الحرب السورية هو في لغز حلب.
ان كافة الأثمان التي دفعها الطرفان حتى الآن هي ضئيلة وقليلة قياسا مع الأثمان التي يجب ان تدفع من الآن فصاعدا لأن قطبي الصراع العالميين وأقطاب الصراع الإقليميين باتوا لايهابون دفع الأثمان بل ان خشيتهم وقلقهم يكمن في احتمال ان يخسروا نتيجة الحرب وكأن بقائهم أو عدم بقائهم بات رهنا بنتيجة هذه المعركة، ان هذا الموقف المتصلب وغير المرن يزيد احتمال تصاعد المواجهة.
وربما لن تكون الإمتيازات المحتملة التي يمكن ان تحصل عليها الاطراف الرئيسيين للصراع في أماكن ومجالات اخرى من العالم كثمن لحصول مصالحة في سوريا كافية بقدر تدفع هذه الأطراف على التنازل في الساحة السورية وهذا سر من الأسرار الأمنية في العالم، وفقط عندما يحصل حدث أمني كبير في جبهة أحد طرفي الصراع بسبب الغفلة أو الضعف يستطيع طرف من التغلب على الآخر أو ربما تتوسع دائرة الحرب الى مرحلة الجنون وحينها يهرب أحد الطرفين من الطرف الآخر وهذا سيحسم نتيجة المعركة.
لكن هناك طريقا ثالثا أيضا وهو المعجزة التي تسمى “العقل البشري” وهو يمر عبر الحلول السياسية بالاعتماد على التجارب البشرية لإنهاء الحروب الكبيرة وترك النزاع والتصالح، وهذا يتطلب وجود عامل ضغط قوي ومؤثر يترك تأثيرا على إرادة القوى العالمية لكن هذا العامل ليس متوفرا حاليا وعلى المدى القريب للأسف وربما تستطيع معجزة وجود وسائل اعلام عالمية وقوى شعبية في انحاء العالم ان تفعل فعلها وتقوم بتغليب إرادة الشعوب على الحكومات المتصارعة لوقف الكوارث في غياب عوامل الضغط التي ذكرناها.
المصدر / الوقت