حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية إلى الكيان الإسرائيلي.. الأهداف والتداعيات
وقّعت أمريكا قبل فترة اتفاقية لمنح الكيان الإسرائيلي مساعدة عسكرية بقيمة 38 مليار دولار على مدى السنوات العشرة القادمة، وهذا دعم قياسي جديد بالرغم من التوتر القائم بين الجانبين بشأن عدد من الملفات بينها البرنامج النووي الإيراني وعملية التسوية في الشرق الأوسط، ما يعيد التأكيد مرة أخرى على أن الحليف الإستراتيجي لواشنطن هو الكيان الصهيوني.
ويمثل الاتفاق الجديد زيادة بنسبة 27% على المساعدات العسكرية الأمريكية لكيان الاحتلال التي كانت 30 مليار دولار خلال العقد المالي الجاري الذي شارف على الانتهاء.
ويُعتبر المبلغ الجديد من أكبر المبالغ التي تلقاها الكيان الإسرائيلي من واشنطن منذ احتلال أرض فلسطين عام 1948. ويصل مجموع المساعدات الأمريكية لهذا الكيان خلال العقود السبعة الماضية أكثر من 121 مليار دولار، معظمها في شكل مساعدات عسكرية، مع مزيد من الدعم المالي الذي تلقته تل أبيب بعيداً عن الأنظار.
وتتضمن الاتفاقية تزويد الكيان الإسرائيلي بأسلحة ومعدات حديثة ومتطورة في كافة الصنوف العسكرية والحرب الإلكترونية. كما تتيح لهذا الكيان تحديث أسطوله الجويّ عبر شراء المزيد من مقاتلات “أف-35” الهجومية، وتطوير نظامه الخاص باعتراض الصواريخ المسمى “القبة الحديدية”.
وتحمل الاتفاقية الجديدة التي حرص الرئيس الأمريكي باراك أوباما على توقيعها قبل وقت قصير من مغادرته البيت الأبيض دلالات عدّة يمكن الإشارة إلى بعضها على النحو التالي:
– استمرار الدعم الأمريكي اللامحدود للكيان الإسرائيلي مع كل ما يحمله ذلك من معاني سياسية واقتصادية وعسكرية وهذا ليس بالأمر الجديد.
– تعتبر الحزمة العسكرية الأمريكية بمثابة صكٍّ مفتوح للاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في جرائمه وانتهاكاته البشعة ضدّ الشعب الفلسطيني.
– تهدف الاتفاقية إلى كسب ود اللوبي الصهيوني داخل أمريكا للوقوف إلى جانب “هيلاري كلينتون” مرشحة الحزب الديمقراطي لخلافة أوباما في انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
– تهدف الاتفاقية إلى تقوية الكيان الإسرائيلي مقابل محور المقاومة في المنطقة لاسيّما حزب الله والدول الداعمة له لاسيّما إيران وسوريا،
– يأمل أوباما من وراء هذه الاتفاقية خنق منتقديه الذي يلمحون بين الحين والآخر إلى أنه معادٍ للكيان الإسرائيلي.
– صفقة المساعدات تعطي الضوء الأخضر لنتنياهو لزيادة الضغط على الفلسطينيين مع استمرار التمتع بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي والإفلات من العقاب أمام المحاكم الدولية.
– يمثّل الاتفاق رسالة واضحة بأنّ العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية لا تخضع لخلافات ظاهرية بين الجانبين، وهو ما عبّر عنه أوباما في معرض تعليقه على توقيع الاتفاق بأنّ “التزام أمريكا بأمن إسرائيل لا يتزعزع”.
– حرص مساعدو أوباما على أن يكون الاتفاق جزءاً من إرثه الرئاسي، ولتأكيد أنّ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب ستبقى حجر زاوية الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
– توقيع الاتفاق مع إدارة أوباما، يؤكد الإجماع الأمريكي على التحالف مع الكيان الإسرائيلي، ويزيل بعض الانطباع بأنّ الدعم الأمريكي لكيان الاحتلال قد يتحول إلى مسألة مزاجية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك تحركات في الكونغرس الأمريكي لتقديم مساعدات أخرى للكيان الإسرائيلي تتضمن أموالاً إضافية وتخفيف القيود على كيفية إنفاقها.
وفي هذا السياق أكد أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي بينهم “ليندسي غراهام” و “كيلي أيوت” و “جون ماكين” و “تيد كروز” خلال مؤتمر صحفي إنهم تقدموا بمسودة قرار يمنح تل أبيب مساعدات إضافية قيمتها 1.5 مليار دولار. واعترض هؤلاء على بند ورد في الاتفاقية الأخيرة يمنع كيان الاحتلال من طلب أموال إضافية من الكونغرس.
ورغم الارتفاع الملحوظ في وتيرة المساعدات العسكرية التي تقدمها أمريكا للكيان الإسرائيلي، إلاّ أن زعيم المعارضة الإسرائيلية ووزير الحرب السابق “أيهود باراك” اعتبرها أقل مما ينبغي بكثير، في حين وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” المساعدات الأخيرة (38 مليار دولار) بأنها كبيرة جداً.
أخيراً يمكن القول بأن حزمة المساعدات الأمريكية الجديدة للكيان الإسرائيلي ستتيح لأوباما مغادرة البيت الأبيض وفي حوزته ما يؤكد أن إدارته قدّمت ما لم تقدمه أيّ إدارة أخرى لكيان الاحتلال، وهو أمر تزداد أهميته مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إذ يمكن لهيلاري كلينتون، الاستفادة منه سياسياً أمام منافسها الجمهوري “دونالد ترامب”.
في مقابل ذلك يمكن لنتنياهو أن يريح باله من أيّ سياسة سيتبعها الرئيس الأمريكي القادم، فيما يعتقد كثيرون بأن نتنياهو لا يقلق من فوز أيّ من مرشحي الرئاسة الأمريكية لأن الاثنين قد طمأناه على مستقبل العلاقات بين الجانبين، وأن دعم واشنطن لكيان الاحتلال لن يتغير.
وبهذا تكون الإدارة الأمريكية الحالية قد طوت وعودها التي أطلقها أوباما بنفسه، منذ وصوله البيت الأبيض مطلع عام 2009، بتحقيق إنجاز على صعيد مفاوضات التسوية بين السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس وتل أبيب؛ ليس هذا فحسب؛ بل إنّ أوباما نفسه لم يترك مجالاً للشك بتراجعه المذلّ أمام نتنياهو. فتحالفه مع إسرائيل والحرص على إرضائها، لم يكن قط مرتبط بانصياع تل أبيب للمواقف السياسية والعسكرية والأمنية الأمريكية في الشرق الأوسط.
المصدر / الوقت