الموصل وما بعدها.. هل يكفي الإنتصار العسكري؟
تتوالى التجاذبات السياسيّة والميدانية حول معركة الموصل حيث يكشف الزخم الميداني للقوات العراقية المشتركة في ظل التراجع الداعشي نحور سوريا قدرة العراقيين على تحرير بلادهم من براثن التنظيم الإرهابي الأربز، وزيف إدعاءات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في عدم قدرة العراقيين على تحرير بلادهم لوحدهم.
رغم البداية المشرقة للقوات اللعراقية المشتركة، إلا أن المتتبّع للتطورات السياسية يعي أن هناك “قطبة مخفيّة” ومشروع أمريكي جديد ينتظر العراق، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
داخلياً، رفعت الأصوات التي تنشد مذهبية الصراع حدّتها حيث هدّدت بعض القوات “العراقية” المدعومة تركيا باستهداف الحشد الشعبي في حال دخل مدينة الموصل، في حين أن التهديد الخارجي يكمن في الدور الأمريكي الذي لا يقل خطورة عن تنظيم “داعش” الإرهابي الذي بدأ بالهروب نحو سوريا حيث تحدّث مصدر عراقي مطلع أن هناك ما لا يقل عن 100 قائد عسكري في داعش وصل الأراضي السورية إنطلاقاً من العراق.
إن ما تحتاجه، معركة الموصل، والمرحلة التي تليها هي “خارطة طريق” سياسيّة وميدانية، تكبح جماح الطامعين بالعراق الذي لا زال ينزف منذ العام 2003، وللسبّب نفسه، وبالتالي لا بد للقادة والسياسيين العراقيين الإلتفات إلى النقاط التالي:
أولاً: رغم أهمية معركة الموصل في تاريخ العراق باعتبارها تشكّل انعطافة في المسار الأمني الإقليمي والعالمي، إلا أنّ هروب داعش إلى سوريا، يعني تكرار سيناريو الموصل 2014. بعبارة أخرى، إن تراجع التنظيم نحو سوريا لترتيب صفوفه لا يعني أن “خطة تحرير الموصل تسير بشكل جيد وبحسب ما مخطط لها”، وهذا ما يجب أن يلتفت إليه العبادي وبقيّة القوى.
ثانياً: رغم رفع أردوغان لسقف تهديداته وحديثه عن الإحتلال الأمريكي دون إذن بغداد، إلا أنّه لن يقدم على أي خطوة دون غطاء أمريكي، باعتبار أن القانون الدولي لن يغطيّه في عدوانه هذا. في الحقيقة مشاكل العراق بيد أمريكا، وداعش وسيلة لا أكثر، إلا أننا نرى العديد من القيادات العراقية، الشيعية والسنيّة، العربية والكردية، تسعى لمعالجة النتائج دون مراقبة الأسباب الكامنة خلفها، وأمريكا أحد أبرز هذه الأسباب.
ثالثاً: إن مرحلة ما بعد تحرير الموصل، ستكون أصعب من المعركة نفسها، حيث ستبدأ ساعة الصفر للبدء بالمرحلة التقسيمية الجديدة. إن إقليم كردستان، سيعمد إلى إعلان استقلاله بدعم أمريكي، مع ضمّه لأراضي جديدة، ولعل هذا ما يفسّر رفض أمريكا لأي تدخّل تركي يحول دون ذلك. لن تقتصر الأصوات التقسيمية على كردستان العراق، بل هناك البعض من “فلول” النظام السابق يسعون لتكريس المعادلة نفسها بدعم من بعض دول الخليج الفارسي.
رابعاً: إن مشاهد وحدة الصفّ التي شاهدنها خلال الأيام الماضي هي أكثر ما يحتاجه العراق اليوم، ولعل طريق الوحدة هو السبيل الوحيد لنجاة العراق من المشاريع التي تنتظره، فمن لا يسير على الطريق، لا تزيده سرعة السير إلا بعدا.
خامساً: إن رفع العلم العراق في مدينة الموصل لا يكفي، بل تحتاج محافظة نينوى للإبقاء على القوات الأمنية العراقية غير آبهة بكافّة الأصوات المذهبية التي ستهاجمها، فأين كان هولاء في معركة سبايكر التي راح ضحيّتها 1566 عراقي شيعي في خطوة واضحة لإعطاء المعركة طابعاً مذهبيّاً في العراق؟ ما الفرق بين هولاء وبين داعش طالما أن الطرفين يسعون لتركيس صراع مذهبي؟ الإجابة بسيطة فالفرق في الشكل لا المضمون.
سادساً: المرحلة المقبلة هي مرحلة الصراع الداخلي في العراق، وفق المخطط الأمريكي، حيث ستتركّز جهود داعش في سوريا، رغم حضورها في العراق بين الفينة والأخرى. في حين أن تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم سيكون عنواناً بارزاً للتجاذبات الداخلية العراقيّة.
لا ينتابنا أي شك في نجاح العراقيين، وفي مقدّمتهم قوات الحشد الشعبي، في كسر المشروع الأمريكي في البلاد، إلا أن واشنطن لا ترضخ إثر خسارتها لجولة واحدة في المعركة، وكلّما خسرت واشنطن جولة، كانت الجولة التالية أكثر صعوبة ودمويّة ؤعلى العراقيين.
للعراقيين في مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي بدأي في عدوان تموز 2006 على لبنان خير تجربة، فمع فشله عاد إلينا المشروع ذاته تحت ما يسمّى بـ”الربيع العربي” الذي جيّرته واشنطن لمشروع السابق، فمشاكل العراق لا تنتهي، إلا مع قلع العلم الأمريكي من السفارة في بغداد، أو إلزام هذا السفارة حدودها الدبلوماسيّة.
المصدر / الوقت