التحديث الاخير بتاريخ|السبت, سبتمبر 28, 2024

أكراد سوريا بين سندان داعش و مطرقة درع الفرات 

يبدو أن المشهد الساخن في حلب لا يقتصر اليوم على الصراع على القسم الشرقي من المدينة الذي يعمل الجيش السوري وحلفائه لتعزيز الطوق حوله لطرد مقاتلي جبهة النصرة وحلفائها المتحصنين داخله، بل إن صراع آخر بالغ الأهمية يجري في الريف الشمالي، ويتنافس على حلبته كل من تنظيم داعش الارهابي، وقوات “درع الفرات” المدعومة تركياً، وقوات سوريا الديموقراطية التي تشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري، في ظل أخبار عن تحرك وشيك للجيش السوري على هذه الجبهة أيضاً.

فمنذ التوغل التركي داخل الحدود السورية واطلاق عملية “درع الفرات” من مدينة جرابلس على الحدود التركية، تمكنت الجماعات المسلحة المدعومة تركياً، وباسناد من الجيش التركي من السيطرة على الشريط الحدودي الممتد بين جرابلس ومدينة اعزاز وأخيرا منطقة مارع، لتقطع بذلك على القوات الكردية أي فرصة وصل المناطق الكردية ببعضها، وبالتالي اجهاض مشروع الفيدرالية الكردية الممتد من الحسكة شرقاً إلى عفرين غربا. هذا التمدد لقوات “درع الفرات” جاء على حساب قوات تنظيم داعش الارهابي، الذي لم يبد مقاومة جدية في التصدي للقوات التركية، إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت أول صدام مباشر بين القوات التركية ووحدات الحماية الكردية، حيث شنت الطائرات التركية غارات على مواقع سيطرة الأكراد في ام حوش، وتل رفعت وحربل، أودت بحياة العشرات من المقاتلين الأكراد إلى جانب عدد من المدنيين، وشهدت محاور عين الدقنة، الشيخ عيسى، السموقيّة، معارك عنيفة بين الطرفين، سقط فيها قتلى من الجانبين، بما فيهم عدد من الجنود الأتراك.

أكثر ما فاجئ الأكراد مما حصل، هو رد فعل الحليف الأمريكي، حيث شعر الأكراد بالخذلان نتيجة سكوت الأخيرة عن الغارات التركية التي استهدفتهم، ووجه رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي انتقاداً علنياً لأمريكا بهذا الشأن، حيث قال في لقاء مع قناة DW الألمانية أن تركيا أخذت الضوء الأخضر الأمريكي لتقصف قوات سوريا الديمقراطية في شمال حلب. ويبدو أن الأكراد بدؤوا يشعرون بسحب البساط من تحتهم بعد أن تم توظيفهم كقوات برية لصالح العمليات الأمريكية في سوريا تحت ستار محاربة الارهاب، واستخدامهم كورقة ضغط تارة في وجه الدولة السورية، كما حدث في اشتباكات الحسكة في أغسطس/آب الماضي، ومرة من أجل ترويض تركيا والضغط عليها بما يتوائم مع المصالح الأمريكية في المنطقة.

من جهته النظام السوري ينظر بعين القلق إلى الغارات التركية على الأراضي السورية، حيث أن التوجه التركي نحو مناطق وحدات الحماية الكردية في تل رفعت ومارع، بدلاً من مدينة الباب (حيث يسيطر داعش)، يجعل قوات درع الفرات على مقربة من مناطق سيطرة الجيش السوري على الطريق الواصل بين الكاستيلو ونبل والزهراء، وبالتالي قد يؤثر ذلك على سير معركة طرد المسلحين من شرق مدينة حلب، وكرد فعل على غارات الطائرات التركية على الأراضي السورية أصدر الجيش السوري بياناً شديد اللهجة هو الأبرز من نوعه منذ بدء الغزو التركي، حذّر فيه من أنّ “أي محاولة لتكرار خرق الأجواء السورية من قبل الطيران الحربي التركي سيتم التعامل معه وإسقاطه بجميع الوسائط المتاحة”.

في هذه الظروف يجد الأكراد أنفسهم على مفترق طرق، فهم يواجهون حرباً على أكثر من جبهة، سواء مع تنظيم داعش الارهابي، أو قوات “درع الفرات”، وفي الوقت نفسه يواجهون خذلان الحليف الأمريكي الذي طالما عولوا عليه من أجل تحقيق حلم الكيان الفيدرالي في الشمال، إلا أنهم في الوقت نفسه مازالوا يمتلكون خياراً آخر، وهو أن وضع يدهم بيد الدولة السورية والتنسيق معها لمواجهة كل من داعش وتركيا.

بطبيعة الحال، القنوات بين النظام السوري والوحدات التركية ليست مقطوعة، والتعاون والتنسيق بين الجانبين قائم إلى حد ما في بعض المناطق كما في الحسكة، إلا أن الظروف التي تمليها الوقائع الميدانية في حلب تجعل التحالف بين الجانبين أمراً لا مفر منه، أما التعويل على أمريكا مجدداً فلن يكون بصالح الأكراد على الاطلاق، لأنه سيضع الأكراد أمام مزيد من الخصومات هم في غنى عنها، سواء داخل محيطهم الذي يعيشون فيه أو من الدول المجاورة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق