تزايد التوتر بين أمريكا والصين بشأن المناطق المتنازع عليها
تصاعد التوتر في العلاقات بين أمريكا والصين في الآونة الأخيرة حول جملة من القضايا في مقدمتها المناطق المتنازع عليها وخصوصاً بحر الصين الجنوبي وجزيرة تايوان ومنطقة التبت.
في هذا المقال سنسلط الضوء على أسباب هذه الخلافات وتداعياتها على الأوضاع الأمنية والعسكرية على المستويين الإقليمي والدولي:
وقبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع تجدر الإشارة إلى أن أمريكا تنظر إلى الصين كمنافس إستراتيجي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، ويعود السبب في ذلك إلى أن الصين تمكنت خلال العقود الأخيرة من إضعاف دور أمريكا المزعوم لقيادة العالم في شتى الميادين، وهذا الأمر يمثل في الواقع تحدياً حقيقياً أمام واشنطن التي تسعى لفرض هيمنتها على مختلف مناطق العالم بشتى الوسائل.
وبرز تحدي بكين لواشنطن بشكل واضح في السنوات القليلة الماضية من خلال البرامج والمشاريع العسكرية التي بدأت تنفذها في بحر الصين الجنوبي ومنطقة المحيط الهادي، الأمر الذي أثار حفيظة أمريكا ودفعها لتوجيه العديد من التحذيرات، مطالبة الصين بالكفّ عن مواصلة هذه النشاطات.
وشملت هذه البرامج تطوير القوات البحرية الصينية وتجهيزها بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات لرفع مستوى جهوزيتها في منطقة جنوب شرق آسيا والتي تشكل تهديداً كامناً للقوات الأمريكية المنتشرة في هذه المنطقة، حسبما تعتقد واشنطن.
وازدادت حدّة التوتر بين الطرفين خصوصاً بعد اكتشاف كميات هائلة من النفط والغاز في المنطقة، كما تسببت زيادة الوجود العسكري الأمريكي هناك في الآونة الأخيرة من حدّة هذا التوتر، لاسيّما وإنّ بكين لا ترى واشنطن جزءاً من أي حلّ لأزمات المنطقة، بل هي جزء أساسي من المشكلة.
بحر الصين الجنوبي
إكتسب بحر الصين الجنوبي أهمية خاصة، كونه يمثل ممراً مائياً إستراتيجياً لعبور ثلث الشحنات البحرية العالمية، ويُعتقد أنه يحتوي على إحتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي تحت قاعه. ويعد كذلك أكبر بحر في العالم (هو والبحر المتوسط) بعد المحيطات الخمسة، حيث تبلغ مساحته 3.5 ملايين كيلومتر مربع ويتناثر في أرجائه أكثر من مائتي جزيرة.
وتحول بحر الصين الجنوبي في السنوات الأخيرة إلى منطقة مميزة لاستعراض القوة العسكرية خصوصاً بين الصين وأمريكا إلى درجة جعلت الكثير من المراقبين يعتقد بأن التوتر الذي تشهده هذه المنطقة قد يتسبب باندلاع حرب كونية لايمكن التكهن بتداعياتها فضلاً عن إستحالة السيطرة عليها بسبب إمتلاك الجانبين “الأمريكي والصيني” لقدرات هائلة في مختلف الصنوف العسكرية.
ونشأ الخلاف بين واشنطن وبكين حول هذه المنطقة من اعتقاد الأخيرة بأن بحر الصين الجنوبي هو جزء من ملكيتها، ولهذا قامت بإنشاء العديد من الجزر الاصطناعية ومدارج لهبوط الطائرات والكثير من المنشآت العسكرية خصوصاً على الشعب المرجانية في أرخبيلي سبراتلي(Spratly) وباراسيل (Paracel)، في حين تنظر واشنطن لهذا البحر على أنه ممر دولي ولا يحق لبكين أن تمنع السفن والغواصات الأمريكية من عبوره أو الاستقرار فيه.
وعمدت واشنطن مؤخراً إلى تقوية حضورها العسكري في المنطقة، فيما أعلن قائد الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ “هاري هاريس” إن بلاده ستنقل 60 بالمئة من أسطولها البحري إلى هذه المنطقة بحلول عام 2020. كما أعلنت البحرية الأمريكية بأنها ستراقب التحركات الصينية بأحدث معدات التجسس. وتجدر الإشارة إلى أن وصول حاملة الطائرات الأمريكية (يو إس إس ليسن) إلى بحر الصين الجنوبي يأتي في الحقيقة ضمن هذه الاستعدادات.
ويعكس قرار واشنطن بنشر مزيد من السفن في منطقة المحيط الهادئ المخاوف الأمريكية من تزايد القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، ورغبة أمريكا في الإستفراد بالقوة والهيمنة على كافة المناطق الإستراتيجية في العالم، مما أثار حفيظة الصين على المستويين العسكري والدبلوماسي.
وتصر بكين على أن أي نشاطات أمريكية في بحر الصين الجنوبي، وتحديداً في المنطقة الاقتصادية الخاصة بها (exclusive economic zone) يجب أن يتم من خلال التنسيق معها للحصول على إذن مسبق طبقاً للقانون الدولي.
ولم يعد سراً سعي بكين منذ سنوات لحيازة 80 غواصة متطورة بحلول عام 2020 (أي بما يوازي قدرة أمريكا). ووفق تقديرات عسكرية فإن الصين ستمتلك حتى ذلك الوقت ما يزيد على 700 قطعة بحرية مزودة بأحدث أنواع الصواريخ وأجهزة الاتصال والتوجيه.
وتؤكد بكين إن واشنطن ليس لها أي مطالب إقليمية في بحر الصين الجنوبي، أو أي مصلحة مشروعة، رافضة في الوقت نفسه التدخل الأمريكي بالسيادة الصينية على هذه المنطقة.
الخلاف بشأن تايوان
من الأسباب الأخرى التي أدت إلى تصاعد حدّة الخلافات بين بكين وواشنطن خلال السنوات القليلة الماضية قيام الأخيرة ببيع أسلحة إلى تايوان، الأمر الذي إعتبرته الصين تدخلاً في شؤونها الداخلية ومن شأنه أن يعرض أمنها الوطني والإقليمي إلى الخطر، لأنها لازالت تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها.
ويمكن تلخيص أسباب الخلاف الصيني – الأمريكي بشأن تايوان بما يلي:
– رفض بكين الاعتراف رسمياً باستقلال تايوان، في حين تعتبرها واشنطن كياناً مستقلاً ومنفصلة سياسياً عن جمهورية الصين الشعبية.
– تتهم الصين تايوان بعقد تحالفات عسكرية مع أطراف خارجية في مقدمتها أمريكا.
– تتهم أمريكا الصين بزعزعة الأمن والاستقرار في تايوان.
– تتهم الصين أمريكا بتزويد تايوان بأسلحة دمار شامل.
– تمانع الصين من مناقشة مستقبل تايوان مع أمريكا أو أي دولة أخرى باعتبارها تابعة لها تاريخياً وجغرافياً في إطار “الصين الموحدة”.
قضية التبت
من القضايا الأخرى التي تسببت بتوتر العلاقات بين واشنطن وبكين هي قضية التبت الواقعة غرب الصين، حيث تصر أمريكا على ضرورة منح الأقليات القومية في هذه المنطقة حق تقرير المصير تمهيداً للانفصال عن الصين، الأمر الذي ترفضه الأخيرة بشدة وتعده تدخلاً في شؤونها الداخلية كونه يتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على وجوب إحترام سيادة الدول على كامل أراضيها.
من خلال قراءة هذه المعطيات يبدو أن التوتر بين أمريكا والصين سيستمر لمدة أطول وربما يتصاعد بشكل مفاجئ في أي لحظة، ما ينذر بوقوع صدام مسلح بين هاتين القوتين في منطقتي جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ خلال السنوات القادمة. وثمة من يرى أن تحدي بكين لواشنطن في بحر الصين الجنوبي قد يضع الجانبين في مواجهة كلاسيكية ويستطيع كلا الطرفين تنفيذ بعض التراجعات التكتيكية، إلاّ أنهما لن يتمكنا مع ذلك من التخلي عن مواقفهما في هذه المنطقة لفترة طويلة.
ولذلك يعتقد البعض بأن أمريكا ستواصل سياستها المتبعة حالياً ضد الصين، لكنها ستبحث في الوقت ذاته عن أساليب جديدة لزيادة الضغط على بكين واستفزازها لتجعلها في حالة توتر دائمي، وتبقيها في حالة توجس دائم من إندلاع حرب فعلية، أي بمعنى آخر تجعلها في حالة اللاحرب واللاسلم، وهي حالة مربكة كما هو معلوم وتستنزف الكثير من طاقات وقدرات البلد.
المصدر / الوقت