“مسافة السكّة” خارج العلاقات السعودية المصريّة
يبدو أن العلاقات بين مصر السعودية خرجت عن “السكّة” بالفعل. تلك السكّة التي تحدّث عنها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في العام 2014 عقب دعم دول مجلس التعاون للقاهرة بمليارات الدولارات.
يبدو الخلافات أكبر من قدرة البلدين على حلّها، سواءً بسبب الموقف المصري من الأزمة السورية والزيارة اللافتة التي قام بها مستشار الأمن القومي السوري علي مملوك إلى القاهرة، فضلاً عن المعارضة السورية السلميّة المؤمنة بالحل السياسي في القاهرة، أو الحديث عن لقاءات مصرية سرية ذات طابع سيادي مع أطراف إيرانية، جرت خلالها مشاورات بشأن الملفين اليمني والسوري، أو التصريح الذي صدر عن الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني حول ” ثلاجة السيسي” والذي وُصف بـ”التجاوز الجسيم” في حق مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي، ناهيك عن توتر العلاقة على المستوى الشخصي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووليّ وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي نُقل عنه رفضه مواقف السيسي الذي أكّد أن “مصر لن تركع إلا لله”.
ورغم سعي الجانبين المصري والسعودي على كبح جماح الخلافات وحصرها في دوائر ضيّقة، إلا أن التطورات الأخيرة تؤكد سير العلاقات نحو نفق مجهول، إلا أن لحظة دخوله تبقى محصورة بأي مستجدات جديدة على إمدادات شركة “أرامكو” السعودية الخاضعة لقرار “محمد بن سلمان” بحكم رئاسته لمجلس الشؤون الاقتصادية والشركة نفسها التي كانت عنوانها بارزاً لزيارة وزير البترول المصري، طارق الملا، إلى العراق والأردن للبحث عن إمدادات نفطية بديلة يمكن الحصول عليها.
المعارضة السوريّة السلميّة
جديد الخلافات المصرية السعودية، بعد قضيّة تيران وصنافير، ولاحقاً تصويت مصر لصالح القرار الروسي في مجلس الأمن ومن ثم زيارة اللواء على مملوك إلى القاهرة تلبية لدعوة من الجانب المصري للقاء كبار المسؤولين الأمنيين، جديد هذه الخلافات هو البيان الذي أصدرته المعارضة السورية في القاهرة والتي تبنّت مبادرة تقضي باستبعاد المعارضة المسلحة تماماً من اللعبة وتعيين نواب للرئيس بشار الأسد.
بعيداً عن أهمية البيان وقدرة تأثير على واقع الأزمة، إلاّ أن رسالة سياسية مصرية موجّهة للدول العربية، وفي طليعتها السعودية، بأن الموقف المصري يتمايز في الملف السوري والقاهرة تحتضن المعارضة المعتدلة التي تبحث عن التسوية وحفظ الدولة السورية بصرف النظر عن شخص الرئيس.
“ثلاجّة السيسي”
فصل آخر في فصول الخلافات السعودية المصريّة، هو التصريح الذي أصدره الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، والذي أثارغضب الشعبي ورسمي غير مسبوق.
لم يرضِ بيان الاعتذار الذي صدر عن مدني، الذي تولى سابقا مسؤولية وزارتي الحج والثقافة والإعلام السعودية، السلطات المصريّة، فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن “مصر أُحيطت علماً باعتذار أمين عام منظمة التعاون الإسلامي عن موقفة، وسوف تتابع مع المنظمة تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لتصحيح هذا الإمر”، في حين اعتبر وزير الخارجية سامح شكري إن تصريحات مدني تجاوز جسيم في حق دولة مؤسسة للمنظمة وقيادتها السياسية، وهو الأمر الذي يدعو مصر لمراجعة موقفها مع المنظّمة.
الخلاف الرسمي انتقل إلى الأوساط الشعبيّة وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي حيث أراد روّدها المصريون الثأر لرئيسهم عبر تداول مقطع فيديو للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز وهو يروي إحدى الوقائع من حياته عندما كان صغيراً، وتظهر الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كانوا يعيشونها في تلك الفترة، الأمر الذي قد يؤدي للرد المباشر من الإعلام السعودي.
خلاف شخصي
ما يزيد طينة الخلافات المذكور بلّةً، هو ما يتمّ تداوله عن الخلاف الشخصي بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووليّ وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي نُقل عنه رفضه مواقف السيسي أخيراً.
وفيما لو صحّت هذه التقارير، ستتّجه العلاقات المصرية السعودية نحو الهاوية دون رجعة، في ظل النظامين الحاليين، لاسيّما أن بن سلمان معروف بغطرسته داخل الأسرة الحاكمة، وفق صحيفة (إندبندنت) البريطانية التي وصفته بالرجل الأخطر في العالم، وهذا ما لا يسمح له بالتراجع عن موقفه تجاه السيسي، إلا إذا قرّر الأخير ذلك، وهو ما لم نعتده في حقبة “السيسي” على الأقل.
من المستبعد أن يتنازل “بن سلمان” للسيسي، لاسيّما أن تجربة العدوان على اليمن تؤكد تعنّت الرجل ومضيّه في المواجهة حتى لو وصل به الأمر إلى طريق مسدود، وهذا ما يجعل العلاقات بين البلدين في مهبّ الريح.
لطالما اعتدنا أن يطالعنا الأمير “بن سلمان” بين الفينة والأخرى بمستجدات إعلاميّة بارزة، كـ”رؤية 2030″، وقبلها ” التحالف الإسلامي العسكري”، وقبلها “عاصفة الحزم”، لذلك لا نستبعد أن يعيد الكرّة عبر مؤتمر صحفي جديد يؤكد فيه أولوية الداخل السعودي بغية تبريره لقطع العلاقات أو الإمدادات النفطية عن مصر وغيرها، الأمر الذي قد يرفع من نسبة “شعبيته” فس الداخل على حساب منافسه الأمير محمد بن نايف.
ولكن، قد تدخل دول عربية، وتحديداً خليجية على خطّ الخلاف لإعادة السكّة إلى مكانها، وهذا ما لمسناه من تصريحات رئيس شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان، الذي دافع في سلسلة تغريدات، عن الرئيس المصري، قائلا: “سخر الساخرون من الرئيس السيسي عندما قال إن ثلاجته لعشر سنوات ليس فيها إلا الماء… الفقر ليس عيبا… أمضيت عشرين سنة ليس عندي ثلاجة في البيت”، ولكن لا يبدو في الأفق أي حل للتوتر، لاسيّما أن الأمور تعدّت الخطوط الحمراء إلى ما فوقها.
المصدر / الوقت