لماذا لاتنهي السعودية الحرب التي تخوضها في اليمن؟
بعد مضي عقود من تغلغل القبضة السعودية في الهياكل السياسية والاقتصادية في اليمن، تواجه السعودية ازمة حقيقة لم تكن ضمن حساباتها على الاطلاق في اليمن، وعلى الرغم من التطورات اليمن الثورية منذ عام 2011 حيث اندلعت في المستوى المحلي مع أهداف لإجراء تعديلات على المؤسسات السياسية الداخلية والانتقال نحو الديمقراطية، وفي الوقت نفسه حملت الثورة اليمنية رسائل إلى نظام آل سعود المجاور والتي فحواها بانه ينبغي عليه ان يقبل ان الجار اليمني الذي سيصبح مستقلاً وديمقراطياً، وفي نفس الوقت، يمكن لهذه الرسائل من اليمن ان تؤدي لتحركات مناهضة للحكومة السعودية عبر الحدود في المنطقة الشرقية في السعودية.
وعلاوة على ذلك، في أعقاب التطورات واسعة النطاق في اليمن، فان القادة السعوديين يوجد عندهم مخاوف حقيقية بشأن فقدان اليمن كورقة في ايديهم كما يوجد ايضاً مخاوف من زيادة من حركة أنصار الله في الشمال مع احتمال ظهور حركة شبيهة لحزب الله اللبناني في الحدود الجنوبية للمملكة.
لذلك، قامت الرياض بجهود كبيرة لمنع حدوث هذا، وفي الوقت نفسه، بدأ القادة السعوديين بدعمهم للحكومة غير الشرعية دستورياً حكومة عبد ربه منصور هادي، الرئيس المستقيل من اليمن، لتأمين أهدافها، وعندما فشلوا في الحصول على أهدافهم من خلال تقديم الدعم إلى هادي، شنوا حملة جوية واسعة النطاق ضد اليمن بالتعاون مع حلفاء المملكة في تحالف عسكري مشين استهدف البنى التحتية والمدنيين العزل، ولكن حتى الآن أثبتت الغارات الجوية التي تقودها السعودية انها غير فعالة وعبثية ولم تحقق أية نتائج، وعلى العكس من ذلك، فأنها عززت عزم الثوار اليمنيين بالمضي قدما في أهدافهم التي يسعون لتحقيقها.
وبالإضافة إلى ذلك، ووسط الحرب المدمرة، شكلت جماعات يمنية المجلس السياسي الأعلى كجزء من الاستعدادات لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، بينما يعتبر المجتمع الدولي السعوديين الخاسرين في حرب اليمن، فان آل سعود لا يزالون يكافحون للسيطرة على اليمن، عن طريق التفجيرات وعمليات القصف العمياء وقتل الأطفال العزل والنساء وقد تحولت الافعال السعودية في اليمن إلى هدف وحيد يقوم به الطيارين السعوديين القتلة.
والسؤال المهم الذي يلقي بظلاله هنا هو أن لماذا السعودية لا تنهي الحرب؟ رغم أن هناك تحليلات مختلفة لهذا السؤال، لكن يبدو أن أكثر شيء يبقي قصف السعوديين على اليمن هو تجربة سيطرة السعودية والوجود في مرحلة ما قبل الثورة اليمنية ووجود السياسيين اليمنيين السابقين الذين تحولوا إلى أدوات في يد السعودية لخدمة سياسات السعودية الاستعمارية.
هذا هو أحد العوامل الهامة التي تمنع السعوديين من المجيء بسهولة الى تفاهم مع الظروف الجديدة وقبول التحول في التوجهات السياسية للثوار اليمنيين ووجود حركة أنصار الله، وعلاوة على ذلك، دفعت المخاوف من انتشار انتفاضة الملايين من العاملين اليمنيين في السعودية القادة السعوديين لزيادة المخاوف وبشكل جدي الان حول فقدان العرش الخاص بالسعودية .
والجدير بالذكر أنه وقبل ثورة عام 2011 في اليمن، فان جميع الأطراف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في اليمن يمكن أن تنقسم إلى قسمين وهما قسم مؤيد واخر مناهض للسعودية في اليمن، أما بالنسبة لتلك الفترة، فتستخدم الرياض الدبلوماسية الخاصة بها والتي تقوم على عائدات النفط، حيث نجحت بكسب النفوذ السياسي والعسكري والأمني لعدد من الشخصيات الاجتماعية بما في ذلك زعماء القبائل والقادة العسكريين، ورؤساء الأحزاب السياسية الكبيرة في اليمن وكذلك رئيس للبلاد، منصور هادي، وهذا ما سمح للمملكة بتطبيق سياساتها المواتية في اليمن.
وفي الواقع، كان النفوذ السعودي في اليمن موجود من خلال إنفاق المال وشراء الولاء من شخصيات يمنية بارزة في الهياكل الحكومية المختلفة، حيث ساعدت هذه الطريقة الرياض أن تؤثر على كبار الناس الذين يمكن أن يؤثروا على السياسة اليمنية ومراكز القوى في البلاد، هذا التأثير الذي مهد الطريق بشكل جدي للسعودية، وذلك تماشياً مع الغرب، الذي يتبع سياسة التعامل مع الاتجاهات السياسية اليمنية من خلال التأثير على الجهات الفاعلة الرئيسية.
ولكن النقطة الهامة حول العلاقات السعودية مع ما قبل الثورة اليمنية التي تحتاج إلى أن تؤخذ بعين الاعتبار هي أن أمن السعودية يعادل أمن اليمن، وبعبارة أخرى، يمكن أن يؤدي انعدام الأمن في اي من هاذين البلدين بان يمتد للبلد الآخر، وهذه هي الحقيقة التي تواجه العديد من المخاوف من قبل قادة السعودية، حيث ان هناك 2 مليون يمني يعملون ويعيشون في دول الخليج الفارسي وبغض النظر عن هذه الفئة من السكان فان حوالي مئتين الف من اليمنين يقيمون في السعودية، ناهيك عن عدد المواطنين اليمنيين الهائل الذين عاشوا في الأراضي بالقرب من الحدود اليمنية.
ولكن الآن وفي خضم الظروف الجديدة فقد فقدت السعودية التأثير على المنظمات اليمنية الرئيسية والجهات الفاعلة التي ومنذ نصف قرن تقريبا مهدت الطريق للقادة في الرياض لإملاء مطالبهم في اليمن بسهولة، والآن وقد وضعت الشعب اليمني لتجاوز إرث الماضي من الهوان في محاولة لبناء اليمن الجديد الذي لن يكون فيه للسعودية اي دور، وهذا هو ما يقلق السعوديين حيث لا يقتصر الامر بالنسبة لهم فقط على تفقد النفوذ في اليمن ولكن يوجد الان مخاوف سعودية حقيقية لامتداد ثورة اليمن إلى داخل الحدود الشرقية في السعودية، وفي الواقع، فإن هذه المخاوف تدفع السعودية لعدم قبول الهزيمة ويدفها لارتكاب أي جريمة للحد من تاثير الثورة اليمنية المباركة.
المصدر / الوقت